في إحدى مراحل الدراسة اخترت كَتيمة للبحث موضوع المقاطعة العربية لإسرائيل في القانون الدولي. لذة البحث كمُنت في ندرة المراجع كما في تداخل الاقتصادي بالسياسي بالتاريخي وحتى الديني. وكون البحث كان بالفرنسية فقد وَجدتُني أتعامل مع مفردة Boycott التي شِيئَ لها أن تكون ترجمة لكلمة المقاطعة، عنَّ لي في البداية أن أُؤصل لهذه المفردة الغريبة، فإذا بي أكتشف أن عملية التأصيل بذاتها إنما هي مبحث أو علم مستقل يسمى الإيثيمولوجيا Étymologie. تحرَّك الطفل الفضولي الرّابض في أحشاء الأحشاء، وأوحى لي أن أترك مؤقتاً موضوع مقاطعة إسرائيل ومشاكل العرب التي لا تنتهي، وأن أستنطق الشبكة العنكبوتية عن اكتشافي الجديد: الإثيمولوجيا. بدت شاشة الحاسوب كما الحيوان الأسطوري الهيدرا متعدد الرؤوس والأفواه، لكن من حسن الحظ أن جلُّها نحا إلى الجواب نفسه أوْ كاد. وعليه فالإيثيمولوجيا تُرجمت بكونها حقيقة الكلمة أو أصلها، إذ تتكون من مقطعين يونانيين: الأول Etymos وتعني الحقيقة، وlogos مستخدم هنا بمعنى الكلمة. عربيّاً، عُرّف هذا المبحث بعلم أصول الكلمات أو التأثيل، ويقال له أيضا التأصيل والإثالة وعلم التجذير وعلم تاريخ الألفاظ. بإيجاز، لقد اكتشفت وجود علم ''متعلق بدراسة أصول الكلمات من الناحية الصرفية والاشتقاقية والتاريخية''. ومع الوقت أَلِفتُ روعة الإيثيمولوجيا تزهر أكثر حين تفتح لك أبواباً لم يكن يخطر ببالك أن تَلِجها، فتفاجئك كلمات ''عادية'' بِأصولٍ إما ميثولوجية أو دينية أو تاريخية، وقد تحيلك أحيانا على وقائع لا تخلو من غرابة وطرافة. وفي عالم حافل بالرمزية والإيحاءات، وفي خِضمّ الحروب السيميائية المستعرة وجب التنبيه إلى أن البراءة في اختيار كلمات بعيْنها ليست دائماً مفترضة. مفاجأة أخرى تهشُّ في مُحيّاكَ وأنت تحوم حول مبحث الإيثيمولوجيا، فكلمة ''تأثيل'' في العربية مِن فعل ''أَثُلَ''، ويعني ''كان ذا أصل كريم''، و''أثلة الشيء'': ''أصله"، و"التأثيل" يُراد به ''التأصيل''. تُرى هل هيَ الصُّدفة أم ''قَرابة'' لُغوية تجمع العرب واليونان؟ طبعا لا يسمح المجال بالاستفاضة أكثر في موضوع الإيثيمولوجيا، كما لا يمكن إخضاع كل المفردات لمجهرها، لذلك سنقتصر على بعض الكلمات التي قلّ من يأبه بأصلها. لكن هلّا عدنا إلى أصل الحكاية وأعني مصطلح Boycott . ابتدأ الأمر مع السيد Charles Cunningham Boycott، وهو إقطاعي بريطاني كان يسيء التعامل مع المزارعين الذين يكترون منه الأراضي الفلاحية. وفي سنة 1879 وصل السيل الزبا بالمزارعين الإيرلنديين، خاصة أن الموسم الفلاحي لم يكن جيدا، فتم الاتفاق على مقاطعة هذا الإنجليزي المغرور وعدم التعامل معه، فانتشر الخبر في كل بريطانيا، ومنها إلى فرنسا، حيث نشرت جريدة "لوفيغارو" في عددها ل17 نونبر 1880 مقالاً تطرق إلى ''l'incident Boycott''، فتسربت الكلمة عندئذ إلى الفرنسية، ومنها إلى لغات أخرى. ملايين وربما مليارات من الناس عاشوا وماتوا دون أن يكون لهم أدنى احتكاك بكلمة Boycott، كما أن الكلمة نسبيا جديدة. فماذا لو جرّبنا مع كلمات تستعملها شرائح أكبر وبشكل يومي ولا تزال أصولها غائبة على الكثيرين؟ قلنا بشكل ''يوْمي''؟ ماذا لو حاولنا مع أسماء الأيام نفسها.. في اللغة العربية الأمر لا يتطلب جهدا كبيرا، فأسماء الأيام ليست سوى اشتقاق مباشر للأرقام، من الواحد (الأحد) إلى الخمسة (الخميس)، أما الجمعة فيقال إن اسمها في الجاهلية كان ''العروبة''، وفيها قال ابن دريد: يا حُسْنَهُ عند العزيز إذا بدا يوم العَرُوبَة واستقرّ المنبرُ. و''العروبة'' مستمدة من كلمة ''عروبا''، التي تعني الاجتماع بالآرامية، وقد نقلها إلى ''جمعة'' كعب بن لؤي، أي أنه اسم جاهلي عكس ما يريد البعض من كون الجمعة تشير إلى اجتماع المسلمين في ''صلاة الجمعة''. أما السبت، فمشتق من كلمة "سِبَتْ" البابلية، التي تعني رقم سبعة. وقد كان البابليون يحرّمون القيام ببعض الأعمال في اليوم السابع، وانتقلت عبرهم هذه العادة إلى مصر الفرعونية، ثم إلى الديانة اليهودية. إيثيمولوجيا أيام الأسبوع ستتبلور غرابتها في اللغة اللاتينية، حيثُ البوصلة متجهة نحو السماء ونحو جبل الأولمب، وعليه ف: -الأحد بالإنجليزية Sunday: أصلها من الكلمة الإنجليزية القديمة ساننديغSunnandæg ، أي يوم الشمس، وهي مترجمة عن اسم اليوم اللاتيني dies solis. في حين أن لفظ Dimanche الفرنسي مشتق من Dominicus Diès وتعني يوم الرب. -الاثنين بالإنجليزية Monday: اشتقت من الكلمة الإنجليزية القديمة مونانديغ Mōnandæg أي يوم القمر، وهي مترجمة من الكلمة اللاتينية. dies lunae بالفرنسية lundi من إلهة القمر اليونانية ''لونا''. -الثلاثاء بالإنجليزية: Tuesday أخذت أيضاً من الكلمة الإنجليزية القديمة تيوازديغ Tīwesdæg أي يوم تير Tyr وهو إله الأمجاد البطولية في الأساطير الإسكندينافية. يقابله في اللاتينية dies Martis أي يوم مارس الذي كان إله الحرب عند الرومان. بالفرنسية Mardi. الأربعاء بالإنجليزية: Wednesday وهي كلمة مشتقة من الإنجليزية القديمة وانزديغ Wōdnesdæg أي يوم وودينWoden . يقابله في اللاتينية dies Mercurii أي يوم ميركوري، إله التجارة والتواصل بين البشر والآلهة عند الرومان. بالفرنسية Mercredi. نلاحظ إذن أن كلمة ميركادو، تعني السوق فيما عشاق كرة القدم يتتبعون أكثر الميركاتو: سوق اللاعبين. الخميس بالإنجليزية: Thursday من ثنرازديغ Þunresdæg أي يوم ثونور. وثونور أو ثور Thor هو إله الرعد عند الجرمان والإسكندينافيين. استوحي اللفظ من اسم اليوم اللاتيني dies Iovis أي يوم جوبيتر، كبير الآلهة عند الرومان. بالفرنسية jeudi . الجمعة بالإنجليزية: Friday مشتقة من الإنجليزية القديمة فريجدايغ Frigedæg أي يوم فريجFrige وهي إلهة الجمال عند الجرمان، وتعد تقمصا للآلهة الإسكندينافية فريغ .Frigg أخذ من اسم اليوم اللاتيني dies Veneris أي يوم فينوس، إلهة الجمال والحب عند الرومان. بالفرنسية vendredi. السبت بالإنجليزية: Saturday وهي كلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية diēs saturnī أي يوم ساتورن، وسمي هكذا نسبة إلى ساتورن Saturn إله الزراعة عند الرومان. بالفرنسية . Samedi لا جَرم أن الذي قرأ روايتي ''الرمز المفقود'' و''شفرة دافينتشي'' قد أسِرته هذه المعطيات وغيرها، خاصة مع الحبُك الرهيبة التي ينسجها الساحر دان براون. ويبدو أن مقاربة البروفسور لانغدون ، بطل الروايتين، تبدو إلى حد ما موضوعية، فأسماء الأيام قد تكون إشارة إلى الكواكب التي ربما كانت تُعبد هناك. وعليه ستصبح النسخة العربية كما يلي: الاثنين: يوم القمر، الثلاثاء: يوم المريخ، الأربعاء: يوم عطارد، الخميس: يوم المشترى، الجمعة: يوم الزهرة، السبت يوم زحل، الأحد: يوم الشمس. نستمرئ ''اللعبة''، ونتماهى مع غرابة التأثيل لننتقل إلى أسماء الشهور. فيما يخص الشهور العربية، سمَّتْ العرب شهورها حسب الطقس (وقت التسمية) أو أعراف السلم والحرب: فربيع الأول والثاني من فصل الربيع، وجمادى الأولى والثانية حيث يجمد الماء من البرد، في حين أن رمضان سمي في وقت الرمضاء، أي شدة الحر. من جهة أخرى، فإن العرب كانت تقعد عن القتال في ذي القعدة وتحرمه في محرم، كما أن الرجب يعني التوقف عن الاحتراب، فيما تصفر الديار من أهلها للحرب في صفر، وتتشعب القبائل للإغارة في شعبان، وتحج في ذي الحجة. حين ننتقل إلى الأسماء الرومانية نجد خليطا من الميثولوجيا والتاريخ. يناير janvier : اسم من الكلمة اللاتينيةJanuarius ، وهو اسم إله الرومان جانوس Janus وكان إله الشمس، كما يمثل إله الحرب والسلم. ويحكى أن شارل التاسع هو من أمر بأن تبدأ السنة بهذا اليوم، وكان ذلك سنة 1564 ميلادية. فبراير fevrier: اسم من اللغة الفرنسية القديمة عن اللفظ اللاتيني Februalia ويقصد به وقت الكفارة من الذنوب والتطهير . مارسMars : رأيناه مع يوم الثلاثاء، وكما قلنا كان مارس إله الحرب عند الرومان، وكان حاميهم ونصيرهم . وقد كان مارس هو أول شهور السنة عند الرومان. أبريل Avril: الاسم من الكلمة اللاتينية aperire وتعني يتفتح، وهو اسم الآلهة التي تتولى فتح أبواب السماء لتسطع أشعة الشمس بعد غيابها في فصل الشتاء . مايو Mai: كلمة من الفرنسية القديمة عن الكلمة اللاتينية Maius وتعني شهر الآلهة مايا آلهة الخصب عند الرومان . يونيوjuin : كلمة بالفرنسية القديمة واللاتينية وهي Junius ويقصد بها الآلهة جونو أو يونو، وكانت آلهة القمر، وزوجة المشتري في الأساطير الرومانية . يوليوjuillet : من الكلمة اللاتينية Julius وهي اسم يوليوس قيصر (100 – 44 ق. م) وكان هذا الشهر يدعى Quintils أي الشهر الخامس في السنة الرومانية. غشت Aout: أصل التسميةAugustus وهو اسم الإمبراطور أوكتافيوس ولقبه أغسطس بعد انتصاره على أنطونيو عام 31 ق. م، وكان هذا الشهر يدعى Sextillis أي الشهر السادس الروماني. شتنبر Septembre: مصدر الاسم اللفظ اللاتيني septem ويعني سبعة. أكتوبر octobre: مصدر الاسم هو اللفظ اللاتيني octo ويعني الشهر الثامن في التقويم الروماني. نوفمبر Novembre: مصدر الاسم هو اللفظ اللاتيني novem ويعني الرقم تسعة. -دجنبر Decembre: مصدر الاسم هو اللفظ اللاتيني decem ويعني عشرة. قد يقول القائل إن استعمال هذه الأسماء يتم في الوقت الحالي ببراغماتية ولا أحد الآن يعير أدنى اهتمام لهذه ''الخرافات''. والأمر فعلا كذلك، والدليل أن أجيالاً بكاملها تستعمل بعض الكلمات دون الحاجة للرجوع إلى أصلها، بيد أننا نقف أحيانا أمام حالات من ''الحنين'' إلى هذه ''الخرافات''، فيتمُّ استدعاؤها أو بعثها من طرف من تفترض فيهم المعاصرة والحداثة. نجد مثلا أن وكالة ناسا الأمريكية أطلقت اسم أبولو على واحد من برامجها الفضائية، ولا يزال الناس يتحدثون عن رحلة أبولو 11 إلى القمر. والحال أن Apolloأَبُولُو أو أَبُلُن، حسب ما كان يعتقده الإغريق، هو إله الشمس، الموسيقى، الرماية، الشعر، الرسم، وإله الوباء والشفاء. لنا أن نسرد مثال آخر للحنين إلى دنيا الأساطير، إنه الكرونومتر، ذاك ''العدو'' الذي لا نفتأ نتسابق وإياه طوال اليوم، بل طيلة العمر. حتّى قبيْل كتابة هذه الخاطرة كنتُ مطمئناً إلى كون اسم الكرونومتر أصله من الإله كرونوس، لكن تبيَّن لي أن ''المسؤول'' الميثولوجي عن الوقت عند اليونان ليس هو ابن غايا وأورانوس، لكنه كائن آخر اسمه خرونوس. قد يبدو الأمر مجرد حيثية ثانوية، خاصة في اللغات التي لا تُنطق فيها ''الخاء''، أما بالعربية فلن يكون مستظرفاً أن نصلح اسم الكرونومتر ونعيده من كرونوس إلى أبيه الروحي الحقيقي خرونوس. في إحدى مراحل حياتي اشتغلت تِقنيا في المكتب الوطني للكهرباء، وأعتقد أنني كنت محظوظا بحضور تركيب أول محطة هوائية لإنتاج الكهرباء في المغرب وربما في كل إفريقيا. و''طبعاً'' فالاسم التقني والعملي الذي كنا نطلقه على المحطة هو Parc éolien . وذات يوم مازحني أحد الزملاء في الورشة قائلاً: هل تعلم أن اسم المحطة وَثَنِيٌّ؟ ثم طفِق يُحدّثني عن Éoleأو Aíolos الذي هو إله الريح عند اليونان. سبق أن أشرت إلى أن البراءة ليست دائما مفترضة في إطلاق بعض الأسماء. نعم يتطلب الأمر جرعة من نظرية المؤامرة للتفسير وتأويل النوايا. لكني الآن لن أكتفي بجرعة واحدة، سأشرب حد الثمالة لأسوق هذا المثال الغريب. تُعورف إعلاميا، خاصة في الأوساط الأنغلوساكسونية، على ترجمة كلمة ''داعش'' إلى إزيس ISIS. دولة = State، إسلامية = Islamic، عراق = Iraq وشام = Syria . أسئلة ''مؤامراتية'' عديدة تتداعى إلى البال المشوّش أصلاً بشِرَّة التنظيم وتوهّجه المفاجئ. سنكتفي بثلاثة: أولاً، لماذا الإصرار على ترجمة "داعش" ولم تترجم من قبلها كلمة ''القاعدة''؟ من منّا سمع يوماTerrorist organization the Base ؟ ثانياً، لماذا لم تترجم الدولة ب Contry؟ وبالتالي فاسم "داعش" كان سيصبح ICIS . و أخيرا لماذا ترجمت كلمة شام ب Syriaوالأصل أنها بالإنجليزية تسمى Levant فتكون ترجمة "داعش" هي ISIL؟ الخلاصة هي أن ثمة إصرارا على ربط "داعش" بإزيس... ولكن ما المشكل؟ هنا سنعود إلى الميثولوجيا، هذه المرة ''الخرافات'' المصرية، لنجد أن الإلهة إزيس ربة القمر والأمومة هي زوجة أزوريس إله الحساب وأم حورس ملك الحياة الدنيا. ومرة أخرى تبدو الأمور مجرد أساطير الأولين لا تستحق كل هذه الأسئلة، لولا رمزية هذه الأسماء والكائنات عند الماسونية وما أدراك ما الماسونية. ها هي الإيثيمولوجيا تستفزنا لتأصيل كلمة الماسونيين أو البنائين الأحرار، سنتجاهل إغواءها، كل ما سنفعل هو الإشارة إلى أن النظرية تريد أن ربط "داعش" بإزيس ليس صدفة وكما يقولون: فلا شيء في السياسة يوجد صدفة حتى الصدفة نفسها. فلْنستفَق سريعاً من كابوس إزيس والماسونية ولْنقُمْ بجولة قصيرة نشم الهواء و''نؤثل'' أسماء بعض الأماكن. هنا أثينا، إلهة الحكمة والقوة وإلهة الحرب وحامية المدينة. وتعرف أيضاً باسم بالاس أثينا. يعرفها الرومان باسم مينيرفا. وهذه مدينة الأنوار باريس، هو ابن الملك بريام وشقيق الأمير هيكتور. عرف أيضًا باسم ألكساندر. يعتقد أن باريس هو المتسبب في حرب طروادة وحصارها الذي دام عشر سنوات، كما أنه المتسبب في دمارها لأنه قام بخطف هيلين ملكة إسبرطة، وزوجة مينلاوس شقيق أجاممنون بن أتريوس. لقد وصلنا إلى مدريد، مدينة حديثة العهد نسبياًّ، يرجع تاريخ تأسيسها إلى ما بين 852 و886م في عهد محمد الأول أمير قرطبة. وسميت ب"مجريط"، أي المجاري أو منبع المياه. هنا ولد في القرن العاشر أبو القاسم مسلمة بن أحمد المجريطي الذي استحق لقب "إقليدس الأندلسي"، مؤسس علم الفلك والرياضيات في مدرسة قرطبة. وحيّى الله أرض المغرب العزيز.. ها هي جبال الأطلس، إله إغريقي من العمالقة كما هرقل، يشتهر بحمله قبة السماء... أسفل السلسلة الأطلسية تقبع مدينة السبعة رجال مراكش. وقفت على أربعة أصول أو معاني للمدينة الحمراء: مرْ مسرعاً، حمى الإله كوش، أرض الله ثم الغابة الكثيفة. تونس الخضراء، يبدو أنها من كلمة تيناست، وتعني بالأمازغية المفتاح. وحسب الروايات، فإن امرأة كانت تسمى تيناست تزوجت بأونيس فأنجبا عددا كبيرا من الأبناء وسكنوا المكان الذي هو تونس اليوم، فسميت بمفتاح الخصوبة. والملاحظ إلى اليوم أن كل عروس تأخذ مفتاحا مع لوازم العرس تبركا به للإنجاب والخصوبة. عُذراً يا صاح، هلاّ خلعت نعليْك، إنك في الأرض المباركة فلسطين…تعددت تأثيلات هذا الاسم فقائل إن التسمية تعود الى قبيلة بلستة أو فلستة، وهي قبيلة من الكنعانيين استقرت في المنطقة. وقائل إن الأمر يتعلق بشخص يدعى فلسطين بن كاسخولين من كنعان بن سام بن نوح. وهناك من يرى أن معنى كلمة فلسطين الجبار والعظيم، وأطلقت على سكّان المنطقة لأنهم كانوا أشداء، ودليل ذلك ما ورد في القران الكريم: "إن فيها قوما جبارين". ولو قدّر لك أن تذهب إلى بنغلاديش فاعلم أنها من كلمتين: بنغلا تشير إلى البنغال، ودش بمعنى بلد أو أرض. أي أنك في أرض البنغال. أمّا إن يمَّمتَ صوْب كولومبيا فمن كريستوف كولومبوس. والخلاصة أن عِلم وعالم الإيثيمولوجيا لن يفتأ يفاجئك ويمتعك ويُغْني ترسانتك المعرفية. تنبؤك الإيثيمولوجيا، كيف تطورت الكلمة وكيف تم عجنها و''تدويرها'' وإعادة استعمالها... صورة أخرى لذكاء الإنسان وعبقريته... قُلْنا عبقرية... فلْيكن آخر استسلام لغواية الإيثيمولوجيا. عبقر هي أَرض كان يُظَنّ أن الجن يسكنها، وَقَالَ زُهَيْرٌ: بِخَيْلٍ عَلَيْهَا جِنَّةٌ عَبْقَريةٌ جَديرون يَوْمًا أَن يَنالوا فيَسْتَعْلُوا. ومن لطف الأقدار أن العرب ليسوا الوحيدين من اتهموا مبدعيهم بالجنون، فلفظ genius مشتقة هي الأخرى من genie التي تعني جني أو عفريت. هل تذكرون السيد الإنجليزي المتعجرف Charles Cunningham ، أُشيرُ إلى أن من المصطلحات التي تستعمل كمرادف لاسمه Boycott والتي باتت من بعده تعني ''مقاطعة''، هناك لفظQuarantaine . ومن الملاحظ أن الكلمة مشتقة من الرقم أربعون Quarante. أصل الحكاية أن الطاعون كان قد غزا أوروبا، فسنَّت مدينة Raguse الكرواتية سنة 1377م قانونا يفرض على البواخر الأجنبية أن ترسو 40 يوماً خارج الميناء قبل أن تفرغ حمولتها. وقد استعملت فرنسا التقنية نفسها سنة 1720 لمحاصرة جنوب البلاد الموبوء. وفي الأخير أنوِّه إلى أن أول محاولة تأثيل كل المفردات العربية كانت مع المستشرق الألماني أوغست فيشر سنة 1907، لكن اندلاع الحرب العالمية الأولى أوقف المشروع. بعدها كانت بعض المحاولات، لكنها لم تثمر عملا متكاملاً. على أن الأمل يبقى معقودا على مشروع "معجم الدوحة التاريخي للغة العربية"، الذي انطلق سنة 2013 بتمويل قطري، ومن المتوقع أن يستغرق هذا المشروع 15 سنة.