رفض مصطفى الخلفي الناطق الرسمي باسم الحكومة الإفصاح عن الأسباب التي أدت بالملك محمد السادس إلى إقالة محمد بوسعيد وزير الاقتصاد والمالية من مهامه، مشيرا إلى أن موضوع الإقالة لم تتم إثارته بالمجلس الحكومي المنعقد يوم الخميس المنصرم برئاسة رئيس الحكومة سعد الدين العثماني.. لكن ما المانع الذي حذا بالمجلس الحكومي إلى عدم مناقشة موضوع الإقالة؟ ما الضرر في أن يتناول مجلس الحكومة هذه الإقالة ويقوم بتقييم أسبابها والاعتبارات التي أملتها؟ ألا يجوز للوزراء استخلاص العبر والدروس من وقائع وأحداث، من قبيل إقالة وزير منهم، كان يشغل منصبا من أهم المناصب الحكومية، حيث كان هو الذي يحدد المجالات التي يتعين أن تُنفَقَ فيها أموال الخزينة العامة، وهو الذي كان يوزع على الوزراء الحصص المالية الخاصة بكل وزارة من الوزارات التي يشرفون عليها؟ وزير الاقتصاد والمالية واحد من أعلى المناصب الوزارية في الدولة، وأسباب إقالته يُفترض أنها أمر يهمُّ جميع أعضاء الحكومة ويتعين عليهم الاطلاع عليها، ومعرفتها واستنتاج الخلاصات التي أدت إلى هذه الإقالة الفجائية لضمان تحاشيها مستقبلا.. وإذا كانت الحكومة زاهدة في معرفة الأسباب التي ثَوَتْ وراء إقالة واحد من أهم أعضائها، فماذا عن الرأي العام الوطني؟ ألا يحق له تَبيُّنَ الاعتبارات التي كانت خلف هذه الإقالة؟ أليس حق الرأي العام في الإخبار والحصول على المعلومات المرتبطة بكيفية تدبير شؤونه العامة حقا مكرسا ومضمونا بالدستور؟ ألا يشكل عدم تقديم أسباب إقالة الوزير بوسعيد، مُفصَّلة إلى الرأي العام الوطني، ضربا لهذا الحق في الإخبار الذي لدى المواطن بموجب الدستور؟ حين لا تتطرق الحكومة في أول اجتماع لمجلسها، بعد إقالة وزير من أعضائها من مهامه، لأسباب إقالته، فإما أنها تجهل أسباب الإقالة، وبالتالي لا يمكنها أن تناقشها، ما دامت لا تعرفها، وإما أنها تعرف تلك الأسباب، ولكنها تجنبت التطرق إليها تحاشيا لإثارة الغضب عليها. لكن إذا كانت الحكومة تجهل أسباب تنحية وزير من وزرائها من مهامه، فما الذي تعرفه يا إلهي؟ وإذا كانت تعرف الأسباب ولكنها لا تجرؤ على تناولها تحاشيا لغضبة، فنحن أمام حكومة في غاية الخوف والهلع والذعر والعجز. تشكل، في الواقع، إقالة محمد بوسعيد صفعة موجهة لحزب التجمع الوطني للأحرار ولرئيسه عزيز أخنوش تحديدا، فوزير المالية والاقتصاد شغل هذا المنصب باسم الحزب المذكور، ويفترض أن القيادة الحزبية للتجمع هي التي انتقت محمد بوسعيد من بين أعضائها، ورشحته لتحمُّلِ المسؤولية الوزارية، وكان وراء تزكيته وترشيحه لمنصب وزير الاقتصاد والمالية عزيز أخنوش الرجل القوي في الحكومة الحالية، فالإقالة تعني أن اختيار أخنوش لمحمد بوسعيد وترشيحه للمنصب الحساس الذي ظل فيه لمدة زمنية غير يسيرة، كان اختيارا في غير محله، ما دام رجلُهُ في وزارة الاقتصاد والمالية فشل في أداء مهامه، الأمر الذي دفع الملك إلى إزاحته من منصبه. المنطق يفرض على السيد عزيز أخنوش، وعلى رئيس كل حزب سياسي تمت إقالة واحد من أعضائه من الحكومة، عقد ندوة صحافية وتنوير الرأي العام عن أسباب الإقالة وشرح ظروفها وملابساتها، والكشف عن الأخطاء التي ارتكبها الوزير وكانت سببا في إقالته، والتعهد للجمهور بعدم تكرارها، دفاعا عن سُمعة الحزب وصونا لها أمام المواطنين، واحتراما للثقة التي وضعها الناخب في الجهات المكلفة بتدبير شؤونه العامة. الحزب السياسي، الذي يحترم نفسه، تهمُّه كثيرا صورته أمام الرأي العام الوطني، ويسهر سهرا كبيرا على الحفاظ عليها غير مخدوشة وغير مشوهة.. وإذا لم يقتنع الحزب بأسباب إقالة واحد من أعضائه من الحكومة، فإن عليه أن يستقيل هو بجميع أعضائه من الحكومة، تفعيلا لمبدأ التضامن مع زميل لهم كان يشاركهم في تحمُّلِ مهمة حزبية جليلة. فلا يعقل أن يستمر أي حزب مشاركا في الحكومة وواحد من أعضائه أقيل منها بسبب قد يبدو للحزب غير مقنع. المسؤولية الحزبية مسؤولية جماعية يتقاسمها الأعضاء في السراء والضراء. كما أن الإقالة تُسائِل رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وباقي أعضاء حكومته، فمبدأ التضامن الحكومي يتعين أن يكون حاضرا بين جميع الوزراء، إنهم يشتغلون مجتمعين وتحت مسؤولية مشتركة، ورئيس الحكومة هو الذي يفترض فيه أنه يختار الوزراء طبقا للدستور، ويقترحهم على الملك لتعيينهم، ويفترض أن جميع أعضاء الحكومة يشتغلون تحت رئاسة رئيسها ومراقبته، وهو مسؤول عن أدائهم الحكومي، إذ يتوقع منه الرأي العام مواكبة أشغال وزرائه، ومتابعتها عن كثب، والتنسيق بينهم، وتنبيه كل فرد منهم إلى أي خلل صادر عنه في وزراته، وفي كيفية أدائه لمهامه.. وإذا أخل أي وزير بمسؤولياته فإن الدستور يبيح لرئيس الحكومة اقتراح إقالته على الملك. فنحن أمام جانب ديمقراطي في دستور 2011، فهذا الجانب الديمقراطي في الدستور الحالي هو الذي يتعين إبرازه وتشغيله وتطويره لتحديث الممارسة السياسية في بلدنا، فالجهاز الحاكم، أحزابا وحكومة، هم المطالبون بالاشتغال مجتمعين ومتضامنين، طبقا للمفهوم المتقدم لدستور 2011. لكن حين يتدخل الملك لإقالة وزير، أو مجموعة وزراء، فهذا يعني، عن خطإ أو عن صواب، أن اختيار هؤلاء من طرف أحزابهم، ورئيس الحكومة، كان اختيارا عشوائيا، ويعني كذلك أن رئيس الحكومة لا يؤدي المهمة المنوطة به على الوجه المطلوب، إنه لا يراقب ولا يتابع أشغال وزرائه، ولا ينسِّق بينهم، فهو يترك لأعضاء حكومته الحبل على الغارب، بحيث يبدو أن البعض منهم يقومون بعملهم في وزاراتهم بدون الكفاءة المطلوبة، وحتى حين يخطئون فإن رئيس الحكومة لا ينتبه لأخطائهم، ويَدَعُهم في غيهم سادرين، ولا يبقى أمام المواطنين سوى انتظار تدخل الملك لتصويب الاعوجاج الذي يصدر عن الوزراء، إذ لولا التدخل الملكي، لظل الوزراء المقالون من طرف الملك، حيث هم في مناصبهم، يتصرفون مرتكبين أخطاء لا ينتبه إليها رئيس الحكومة. هذا الانطباع الذي يخرج به الرأي العام، مع الإقالات المتتالية للوزراء من طرف الملك، يضرِبُ، في الصميم، صورة الحكومة والأحزاب، ويجعلها تبدو مبهدلة في نظر الشعب، الأمر الذي يُخلي الساحة السياسية الوطنية من دور الوساطة التي كانت المؤسسة الحزبية، وحتى الحكومة تؤديها في وقت من الأوقات، بحيث نصبح وكأننا بلا حكومة فعلية، وبدون أحزاب حقيقية.