في تجربة سينمائية جديدة، يواصل المخرج المغربي داوود أولاد السيد تخصيب تقنيات وأساليب السينما بجماليات الفوتوغرافيا من خلال فيلمه الجديد "كْلامْ الصّحرا". يتمحور الفيلم السينمائي الذي يدخل القاعات السينمائية ابتداء من 8 غشت الجاري، حول ثلاث شخصيات رئيسية تبحث عن ذواتها، وتتسبب رسالة مليئة برمال الصحراء في الربط بين أقدارها. واختار المخرج داوود أولاد السيد ثلاث شخصيات رئيسية لسرد قصة فيلمه الذي صور في الصحراء المغربية؛ أولها شخصية مولود، التي يؤديها الممثل نور الدين سعدان، الذي ترعرع في ميتم ويبحث عن والديه اللذين تخلا عنه، وثانيها حمداوي الشيخ (أحمد الشحيمة) الذي يسكن الصحراء وينتظر عودة ابنه الوحيد الذي اختار الهجرة ولم يعد، وثالثها شخصية زينب (هاجر الشركي) الفتاة المتعلمة التي تسعى إلى الحفاظ على التراث الشفاهي للمنطقة من خلال أطروحة جامعية، تأثرت في ذلك بوالدها الذي كان ضمن فرقة تراثية بالمنطقة. ويستند الفيلم، بحسب الناقد الفنّي محمد اشويكة، إلى حكاية مطروقة في الحكي الأدبي والفيلمي، تتذرع برسالة عثر عليها الشاب مُودعة داخل قارورة زجاجية مملوءة برمال الصحراء. هكذا، ستكون الصحراء فضاء جامعا لمصائر ثلاث شخصيات، وستتحوّل الرمال إلى مطيّة للسرد الفيلمي. وأبرز الناقد ذاته، في حديثه عن الفيلم الجديد للمخرج السينمائي والفوتوغرافي المغربي، أنّ "ّداوود أولاد السيد ظل يراهن على جماليات البطء عبر الاقتصاد في حركة الكاميرا وإنتاج حركة بديلة على الشاشة، والعمل على دعم تلك المكوّنات بشريط صوتي غنيّ بالصمت وجمع للأصوات المنسجمة مع الإيقاع الفيلمي الذي يرفع من إثارة أحاسيس المتلقي، وهو ما لمسناه في فيلمه الجديد كْلامْ الصّحْرا الذي لا ينفصل عن رؤيته الفوتوغرافية". وأضاف في ورقة نقدية عن " كْلامْ الصّحْرا" أن "المخرج يكرس الاشتغال على البطء كمكوّن أساسي في سينماه، وذلك باختياره اللقطة-المشهد كاستراتيجية للكشف عن نمط العيش في المناطق الصحراوية التي تسير على إيقاع مغاير، يختلف جوهريا عمّا يجري في المدن الكبرى". وتابع اشويكة قائلا: "بهذا، يكون فيلم كْلامْ الصّحْرا عبارة عن متوالية بصرية تتأسّس على منظومة من المشاهد ذات الجاذبية البصرية الخاصة بالنظر إلى جمالية تأطيرها وتركيبتها المبنية على عمق المجال، والبحث في زوايا التصوير في علاقتها بالمنظور ووضعية الشخوص وبقية العناصر المُشكّلة لإطار الصورة السينمائية". من جهة ثانية، أبرز الناقد المغربي أنّ "الصورة في فيلم داوود أولاد السيد تحتفي بجمال الصحراء ورمالها وكثبانها وصفرة لونها في جوّ ربيعي اختاره المخرج عن قصد، وهو الذي خبر خصوصيات الضوء في الصحراء عبر مختلف فصول السنة، لذلك لم يخلف عشّاق مثل هذه السينما ومتذوّقوها شغف الاستمتاع بها، والنظر ببطء إلى العالم بغية تعميق الصلة بأشكال الهشاشة التي تثيرها جمالية الصور، وما يمكن أن تفيض به النفس وتستلهمه من مشاعر تدفع نحو الحلم والاستلهام".