انتصرت مراسلة صادرة عن مديرية المناهج في وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي لتدريس مادة الفلسفة في جميع مستويات ومسالك الباكالوريا المهنية. المراسلة الموجهة إلى مديرةِ ومديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين وقعها يوسف بلقاسمي، الكاتب العام لقطاع التربية الوطنية، بتفويض من سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي. وبررت هذه المراسلة تعميمَ تدريس مادة الفلسفة ب"ضمان الإنصاف وتكافؤ الفرص للمُمَدرسين بمختلف مسالك الباكالوريا المهنية مع نظرائهم في باقي الشعب والمسالك". نجاح للمغرب عبد الكريم سفير، رئيس الجمعية المغربية لأساتذة مادة الفلسفة، قال إن المراسلة جاءت تنفيذا والتزاما بما تم الاتفاق عليه سابقا في حوار بين الجمعية والوزارة، "وهذا يسُرنا، ويسُر الفلسفة، وهو نجاح للمغرب". وأضاف رئيس جمعية أساتذة الفلسفة أن التعميم كان مبدأً منذ الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وكان الاستثناءُ في الشعب المهنية، وهو ما لاحظَته الجمعية وأصدرت فيه بيانا تحاورت على أساسه مع الوزارة التي تفهمت الموضوع وتداركت الأمر، "لأنه كان هناك حيف واستثناءٌ لهؤلاء التلاميذ، يتمثل في عدم تمكينهم من مبدأ تكافؤ الفرص بينهم وبين الشعب الأخرى". بدوره، عبر محمد الزباخ، رئيس الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، عن فرحه بتعميم تدريس مادة الفلسفة بجميع مستويات ومسالك الباكالوريا المهنية، "لأنه لا مشكل لدينا مع الفلسفة، ونعتبر موادها دراسيةً تابعةً للمنظومة التعليمية التي تقررها وزارة التربية الوطنية". وزاد الزباخ موضحا أن ما يهم الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية هو "أن تكون مادة التربية الإسلامية حاضرة، ومُعممة على جميع المسالك والشعب"، مضيفا أن "الزيادة في حصص المواد، سواء كانت فلسفة أو فرنسية أو أمازيغية، عملُ الوزارة"، قبل أن يستدرك بالقول:"يجب أن نحاول أن لا يكون هناك تدخل من جهات تفرض هيمنتها على التعليم،وهذا شيء آخر". مع..ضد نفى رئيس الجمعية المغربية لأساتذة مادة الفلسفة أن يكون تعميم تدريس مادة الفلسفة داخلا في سياق نقاش "أنا مع الفلسفة، أو أنا مع التربية الإسلامية"، وأوضح أن "هذا النقاش لا علاقة له بمادة التربية الإسلامية أو أي مادة أخرى؛ فمادة التربية الإسلامية لها وضعها المعروفُ داخل المنظومة التربوية، ومادة الفلسفة لها أيضا وضعها التربوي، ونحن ندافع عن مادة الفلسفة ليس ضد أي مادة أخرى". عبد الكريم سفير استرسل موضحا أنه "بعدما تم الإرساء النهائي لمسالك الباكالوريا المهنية وإصدار قرار وزير التربية الوطنية، تحركت الجمعية وصاغت بيانا، ثم التقت مع مدير المناهج بالرباط، وتم التداول في الأمر، وتفهمَتْهُ الوزارة، وتم إصلاح الوضع"، مشددا على أن الأمر لا علاقة له البتة بمادة التربية الإسلامية، بل هو "شأنٌ تربوي خاص بمادة الفلسفة"، بحسب تعبيره. من جهته، ذكر رئيس الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية أن النقاش حول مادتي التربية الإسلامية والفلسفة "مفتعل ولا نعرف كيف تم خلقه"، مضيفا: "نحن نلتقي إخوان مادة الفلسفة، مفتشينَ وأساتذةً"، وأي مادة تعليمية "تصلح للفئة المستهدفة التي هي التلاميذ المغاربة مرحبا بها". الزباخ نبه أيضا إلى أن جمعية أساتذة التربية الإسلامية جمعيةٌ مهنية، ليس لديها حق التدخل في القرارات، "بل ننتقد ما يتعارض مع الهوية والقيم، أما إقرار مادة أو حذفها، فمن اختصاص الوزارة الوصية". وختم المتحدث تصريحَه قائلا إن تدخل الجمعية يتم "إذا مُست مادة التربية الإسلامية، أو إذا كان أي برنامج يخدش القيم، أو يجهز على الهوية والمبادئ، عن طريق إصدار بيانات، حسب ما يسمح لنا به القانون". شحذ للعقل يرى محمد سبيلا، المفكر المغربي، أن مراسلة تعميم تدريس الفلسفة "تصحيحٌ لخطأ بيداغوجي وخطأ في الأهداف الكبرى للتدريس، لأن القرار السابق كان فيه إجحاف وتطاول وربما احتقار للفلسفة"، لأنه لم تكن أي مادة مؤهلة للتحجيم سوى مادة الفلسفة. مراسلة تعميم تدريس الفلسفة جاءت،بحسب سبيلا، بعد الاحتجاجات، وبعد تدخل هيئات وطنية وإقليمية، وتمخض الأمور داخليا في دوائر السلطة، مضيفا أنه مع تجدد الوزير المسؤول "عادت درجة العقلانية السياسية إلى مستواها الطبيعي، وأُفرج عن هذه المادة التي هي أول مظلوم أو ممسوس في أي حركية وزارية". وأثنى سبيلا على الخطوة، موضحا عائداتها البيداغوجية التدريسية على التلاميذ، وتكوينهم، وشحذ عقولهم، وفكرهم النقدي، و"كل ما نقوله على الفلسفة"، إضافة إلى آثارها من حيث "رفع شبهة استعداء الفكر العصري، فكأن هناك هيئات تستهدف كل ما هو حديث، أو تحديثيٌّ، أو حداثي". وشدد المفكر المغربي على أهمية تدريس الفلسفة لتلاميذ الشعب المهنية لكونهم "أحوج إلى الفكر النقدي"، مستشهدا بنتائج دراسات سوسيولوجية بينت أن "الفكر المتطرف والمتشدد يطال العديد من التخصصات العلمية، والتقنية، لأنها تخصصاتٌ تخصصية محدودة ذات منطق علمي صارم، فيقع نوع من تهجير هذه اليقينيات على مستوى العلمِ إلى يقينيات على مستوى الإيديولوجيا والتصور الإيديولوجي"؛ ولهذا تحتاج المسالك المهنية في التخصصات الدراسية بشكل أكبر "إلى الفكر النقدي، والتساؤلي، والتحليلي الجريء، الذي يتميز به درس الفلسفة". أحمد الفراك، أستاذ الفلسفة بجامعة عبد المالك السعدي، رأى أيضا في الخطوةِ دعما لمادة الفلسفة واهتماما بها يُشجع التفكيرَ العقلاني، قبل أن يستدرك منبها إلى أن "التفكير العقلاني في التربية والتعليم ينبغي أن لا يقتصر على مادة الفلسفة، لأن التربية والتعليم مناهج وبرامج، وينبغي أن يكون التفكير العقلاني والتفكير النقدي في جميع المواد وجميع الشعب وجميع المناهج والبرامج، ولا تكفي الفلسفة وحدها". وأضاف الفراك موضحا أن جميع المواد يجب أن تشجع على التفكير العقلاني والنقدي، خاصة المواد المتعلقة بالمعرفة، "لأن المعرفة لا تُبنى على التلقين بل على المراجعة والنقد، وهذه مسألة ليست جديدة فحتى العلوم الإسلامية مبنية على النقد أصلا، فعلم الحديث مثلا فيه نقد الحديث، ومدارس أصول الفقه مدارس نقدية، وعلم الكلام مبني على النقد، وينبغي إحياءُ هذه الروح النقدية في تلقي المعرفة وإنتاجها". وبيّن أستاذ الفلسفة بجامعة عبد المالك السعدي أنه من الناحية البيداغوجية ليست الفلسفة وحدها المطالبةُ بإحياء الروح النقدية، بل إن "الدرس التعليميَّ في المغرب، منذ ما قبل الأولي إلى الدكتوراه، ينبغي أن يُبنى على النقد، والمُراجعة، والمُقارنة، والتركيب". وللتدليل على إمكانية تكييف هذه المنهجية مع المستويات التعليمية، استحضر الفراك دروسَهُ عندما كان أستاذا بالتعليم الثانوي، قائلا: "كنت أتدرب مع التلاميذ دائما على النقد، فكنتُ أضع أمامهم على السبورة نصا من النصوص الفلسفية، ونشرح النص، ونحلله، ثم أسألهم: ما رأيكم في النص؟ هل هذه الجملة صحيحة دائما؟ هل هذا الدليل كاف في جميع الحالات؟ ألا ترون أن هذا الدليل غير مناسب لهذا الحكم؟ فيتنبهُ التلاميذ ويتدربون على المحاججة، والنقد، والقدرةِ على المراجعة".