على بعد 50 كيلومترا من مدينة الدارالبيضاء، تقع جماعة الكارة، التابعة لعمالة برشيد، في قلب الشاوية. هذه المدينة، التي يتحدر سكانها من قبيلة "المذاكرة"، ذائعة الصيت في تاريخ المقاومة المغربية، تبدو من الإطلالة الأولى على بنيانها كل مظاهر التهميش والنسيان، قبل أن تزداد الصورة قتامة، وأنت تتجول بأحياء باتت معروفة ب"الدعارة" على الصعيد الوطني. الكارة.. قرية مقاومة شكلت منطقة الكارة تاريخيا، المنتمية إلى قبيلة "المذاكرة" رمزا لمقاومة المستعمر الفرنسي، وجبهة ممانعة، كما تورد الكتب التاريخية. وتورد أغلب الروايات المتواترة والمصادر التاريخية أن سكان هذه الجماعة بقوا صامدين ومقاومين، إلى حين نزول الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال ليوطي، الذي قاد حملة إلى الشاوية، لتكون بذلك قبيلة المذاكرة آخر من استسلم للمستعمر. وحسب المصادر التاريخية دائما، فإن المحتل الفرنسي شرع في احتلال المنطقة أكثر، عبر بناء مراكز تابعة له وسط قرية الكارة، منها مركز الخدمات العمومية، والمعسكر الفرنسي، إلى جانب سكنى خاص بالموظفين. وبخصوص تاريخ ومصدر اسم "الكارة"، فإن التعريفات المتداولة في محركات البحث العالمية تشير إلى أنه يعود إلى حقبة الاستعمار الفرنسي بالمغرب، ذلك أن سكان هذه القرية كانوا يصعدون إلى مكان في شمال المدينة ويقومون بألعاب داخل دائرة يطلقون عليها "الكارة"، مما جعل هذا الاسم شائعا فيما بينهم لتصير أمرا مألوفا، وتصبح بذلك معروفة به. من المقاومة إلى الدعارة عدد من أبناء الجماعة الذين تحدثنا إليهم، عبروا عن حنينهم إلى ذلك التاريخ الذهبي، وعن عزة النفس، في وقت صارت قريتهم منسية ومهمشة، بل لصيقة بالدعارة والمخدرات والتهميش والنسيان. خليل خنير، وهو من الفاعلين الجمعويين الذين تحدثوا لجريدة هسبريس بحرقة عن جماعتهم، وحاليا يوجد بمدينة برشيد، ويرفض العودة إلى قريته، قال إن "هناك عدة أسباب جعلتها تتحول من بلدة عرفت بالمقاومة إلى وكر للدعارة". ويروي خنير، وهو ممتعض مما آل إليه الوضع بالجماعة، قائلا: "لا يمكن أن أعود إليها، لأنها لا تتوفر على أي شيء للعيش، لا فرص للشغل ولا مرافق"، مضيفا أن كل الساكنة تضطر إلى التنقل إلى برشيد أو سطات لقضاء أغراضها أو للتطبيب وغيره. "هناك أسباب جعلت المنطقة تتحول من قرية ذات تاريخ معروفة بالمقاومة إلى منطقة معروفة بالدعارة"، يقول خنير، قبل أن يسهب في تفصيل ذلك، مشيرا إلى أن تلك الأسباب تتمثل في "غياب فرص الشغل، وغياب مراكز التكوين المهني لفائدة شبابها، وهي أمور تجعل ظواهر المخدرات والدعارة تستفحل". ويرى هذا الشاب، الذي غادر إلى برشيد للاستقرار بها، بأن الجماعة "تحتاج إلى فاعلين راغبين في التنمية، لكن في ظل الأوضاع التي تعيشها لا يمكن الحديث عن تنمية"، مؤكدا أن السلطات تتحمل مسؤولية انتشار المخدرات والدعارة، وأن السياسيين يتحملون المسؤولية في الوضع الحالي لكونهم لا يقومون بأدوارهم. ويضطر أبناء هذه الجماعة إلى قطع ما يقارب 40 كيلومترا صوب مدينة برشيد، من أجل التطبيب، خاصة أن المستشفى تحول إلى مركز مهمش لا يفي بالغرض، ولا يتوفر على أي إمكانيات مادية وبشرية، حسب العديد من الساكنة. مشاريع الدولة غائبة لا يختلف أبناء هذه الجماعة عن وصف الوضع الذي آلت إليه منطقتهم بالكارثي. ويفسر الفاعل الجمعوي فخر الدين بوزيد ذلك بأنها "لم تأخذ بعدَ الاستقلال حقها من التنمية". ويؤكد بوزيد، الذي يشغل رئيسا لجمعية المهاجر للأعمال الاجتماعية، في حديثه لهسبريس، أن المنطقة عرفت تحولا لا تستحقه بالنظر إلى حمولتها التاريخية، مرجعا ذلك إلى "تهميشها وإقصائها من مشاريع الدولة، إذ لم يتم إحداث منطقة صناعية مقارنة بجماعات أخرى تابعة لها". ويشتكي سكان الجماعة من ظاهرة الدعارة والمخدرات التي تعتبر "غريبة عن المنطقة"، إذ يؤكد بوزيد أن "نساء غريبات يفدن على المنطقة من النواحي، كابن أحمد وخريبكة وغيرها"، ناهيك عن وجود نشاط في ترويج المخدرات في واضحة النهار. ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، فمختلف المرافق شبه منعدمة أو غائبة، مما يجعل شباب المنطقة يبحثون عن أقرب فرصة لمغادرتها. مقابل ذلك، يؤكد أبناء هذه الجماعة "توافد أشخاص من مناطق أخرى على المدينة، وقلبهم ليس عليها، إما بغرض الدعارة أو الاتجار في المخدرات". ويرى رئيس الجمعية أن من الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع "تخلي الدولة عن دورها في المدينة، حيث هناك إقصاء ممنهج لها، ثم ترحيل المؤسسات من قبيل المركز الفلاحي، ومركز القاضي المقيم، والقباضة التي يتم الحديث عن تنقيلها أيضا، وهذا حسب الساكنة انتقام مقصود". صراعات سياسية تؤجل التنمية تساهم الخلافات السياسية، التي تشهدها هذه الجماعة، التي يقودها محمد مكرم عن حزب الأصالة والمعاصرة، في استمرار الوضع على ما هو عليه، إذ أن التطاحنات جعلت التنمية المحلية آخر اهتمامات الأعضاء. ودخل أعضاء المجلس الجماعي، المكون من "البام" والاستقلال، والاتحاد الاشتراكي ثم العدالة والتنمية، في صراع حاد، جعل أغلبهم يطالبون بعزل الرئيس محمد مكرم بسبب ما أسموه "الانفرادية في اتخاذ القرارات". وسبق لثلثي أعضاء المجلس الجماعي أن نظموا وقفة احتجاجية أعربوا، فيها، عن تذمرهم من "تماطله في تنفيذ العديد من مقررات المجلس المتخذة خلال الدورات السابقة، سواء كانت عادية أو استثنائية"، وقيامه "بإعداد جداول الأعمال دون إشراك النواب"، مشيرا إلى أن ذلك "مخالف للمادة 41 من القانون التنظيمي". وتعيش هذه الجماعة مجموعة من المشاكل في مجالات عدة، سواء في القطاع الصحي أو النظافة حيث الأزبال منتشرة في كل مكان، ناهيك عن كون بعض المشاريع توقفت ولم تستكمل بعد، الشيء الذي يجعل هذه الخلافات السياسية وصمت السلطات بإقليم برشيد يزيدان من تعميق الهوة والتهميش.