إذا كان التنوع حتميا ومَحلَّ اتفاق، فكيف يمكن تسويغ الاختلاف حوله، من مديحه إلى التقية منه وتحقيق الوحدة؟، ولماذا يُعتبر التنوع في فضاءات معينة فتيلا يشعل الأزمات، وفي أخرى لبنة تبنى بها الحضارات ورافعة تبنى بها المجتمعات؟ بهذيْن السؤالين وأسئلة أخرى، ارتأى مصطفى المرابط، رئيس مركز مغارب للدراسات في الاجتماع الإنساني، أن يستهلَّ الكلمة التي ألقاها في افتتاح أشغال الجامعة الصيفية، التي يُنظمها المركز بالعاصمة الرباط، في موضوع "التعدد الثقافي وتحديات بناء المجتمعات: العوائق والفرص". وقال المرابط إنّ قضية التعدد والتنوع الثقافي، وإنْ كانت مطروحة في ساحة النقاش منذ زمن غير يسير، إلا أنها تظل ذات راهنية وحساسية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مبرزا أنها بقدر ما تفتح رهانات وآفاقا، بقدر ما تفتح باب المخاطر والأزمات. وأوضح رئيس مركز مغارب أنّ الأهم ليس هو التعدد في حد ذاته، بل السياق الذي يتبلور فيه؛ فإذا كان التعدد، يضيف المرابط، تحصيلَ حاصل باعتباره طبيعةً مرتبطة بالظاهرة الإنسانية، فإنّ السياق هو الرَّحم الذي يستقبله، فيوجّهه إما في اتجاه البناء أو التدمير. وتوقف المرابط عند إحدى أبرز إشكاليات العصر الحديث، وهي النظرة إلى الآخر، قائلا إنّه ليس خصما، بل وجوده ضروري لأنّ "الأنا" لا تتجلى إلا بوجود "الآخر"؛ وذكّر بمثل إفريقي يقول: "لا يمكن للرسام أن يرسم بالأبيض على الأبيض، أو بالأسود على الأسود". واستطرد شارحا المغزى قائلا: "لا يمكن للأنا أن تتجلى إلا عبر الآخر المختلف، الذي لا يمكن أن يكون خصما، بل هو ضروري لأنه يمثل الخلفية البيضا التي تتجلى فيها خطوط الريشة السوداء، أو الخلفية السوداء التي تتجلى فيها خطوط الريشة البيضاء". وفسّر المرابط الخوف الذي يعتري الأنا من الآخر، بكون الآخر تتجلى فيه للأنا نواقصها، ولإخفاء تلك النواقص تعمل على إخفاء الآخر وطمسه، لأنها ترى فيه تهديدا لوجودها، وإن كانت تعلم أنها لن توجد إلا بدونه. وانتقد المرابط النمط الحضاري الحديث، الذي ينزع نحو "الواحدية"، مشيرا إلى أن هذا النزوع كلّف الإنسانية باهظا، بمحاولة صياغة العالم على نمط ونموذج معيّن، وهو ما أدّى إلى نقص التعدد والتنوع الثقافي، يضيف رئيس مركز مغارب.