مندوبية الصحة بتنغير تطمئن المواطنين بخصوص انتشار داء السل    من أعطى العدل والإحسان حق احتكار صوت المغاربة؟    نهضة بركان تكتسح شباب قسنطينة وال"كاف" يشيد: خطوة واثقة نحو نهائي الكونفدرالية    ولي العهد يفتتح المعرض الدولي للفلاحة بمكناس وجهة الشمال تبرز دينامية مشاريعها الفلاحية    بوريطة: المغرب يضع تعزيز السلم والحكامة في القارة الإفريقية ضمن أولوياته الكبرى    تحقيقات فرنسية تضع الرئيس الجزائري تحت المجهر بعد اختطاف معارض في فرنسا    بركة: لم نخرج بعد من الجفاف... وتحلية المياه ستقلّص الضغط على أم الربيع وتؤمن سقي 100 ألف هكتار    توقيف بطولة كرة السلة بالمغرب    تفاصيل "الجثة المقطعة" بابن أحمد    طول شبكة الطرق السريعة بالمغرب يمتد إلى حوالي 2177 كلم    المغرب يطمح لرفع سعة المطارات إلى 80 مليون مسافر في سنة 2030    "لبؤات الفوتسال": جاهزون ل "الكان"    فوضى قد تطيح بوزير الدفاع الأمريكي    واد لو سرية... تفكيك عصابة متخصصة في سرقة المواشي (فراقشية) وإعادة بيعها في الأسواق الأسبوعية بمختلف مناطق المملكة    حادث عرضي لطائرة سياحية خفيفة بمطار طنجة    "قضاة إفريقيا" يلتئمون بالمغرب ويدعون إلى "تكتل أطلسي" يكرس العدالة    نجاة بلقاسم توقع سيرتها الذاتية من الرباط: من طفولة قروية إلى دهاليز السياسة الفرنسية    انخفاض أسعار النفط بنحو 3% وسط مؤشرات على تقدم في محادثات أمريكا وإيران    مصرع عامل بناء إثر سقوط مميت من الطابق السادس بطنجة    ترانسبرنسي تستغرب اعتراض الأغلبية على تقصي حقائق دعم الأغنام    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    الدكتور كريم بلمقدم، الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحة العمومية : الحكومة تنتصر لمصالح طبقات اقتصادية معينة على حساب الاستقرار والنهوض المجتمعي    مطالب أمريكية متصاعدة لتصنيف جبهة البوليساريو كتنظيم إرهابي    ‬والآن ‬سؤال ‬الكيفية ‬والتنفيذ‬ ‬بعد ‬التسليم ‬بالحكم ‬الذاتي ‬كحل ‬وحيد ‬‮….‬    عبد النباوي: التحول الرقمي يستدعي تغييرات شاملة لتجويد الأداء القضائي    وفاة البابا فرنسيس عن 88 عاما    رحيل الفنان محسن جمال صاحب «أحلى الأغاني» و«الزين فالثلاثين»    في الحاجة إلى قراءة متجددة للخطيبي أفاية : في أي حقل إبداعي أو فكري، ثمة بصمة للخطيبي، صانع القلق    الملك ينعى البابا ويستحضر زيارته للمغرب    المغرب يخلد الأسبوع العالمي للتلقيح    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    تنديد حقوقي بالتضييق على مسيرتين شعبيتين بالدار البيضاء وطنجة رفضا لاستقبال "سفن الإبادة"    مدرب نهضة بركان: أدرنا المباراة بالطريقة التي نُريد وسندافع عن حظوظنا كاملة في الإياب    تكريم الدراسات الأمازيغية في شخص عبد الله بونفور    الفلسفة العقلانية لابن رشد رهان المستقبل.. بقلم // محمد بوفتاس    مهنيو النقل الطرقي يستنكرون "احتكار" المحروقات ويطالبون مجلس المنافسة بالتحرك    الفاتيكان يكشف عن وفاة قداسة البابا فرنسيس    نهضة بركان وجمهورها يُلقّنان إعلام النظام الجزائري درساً في الرياضة والأخلاق    فاس... مدينةٌ تنامُ على إيقاع السّكينة    المعارض الدوليّة للكتاب تطرح اشكالية النشر والقراءة..    شريط "سينرز" يتصدر عائدات السينما في أمريكا الشمالية    نهضة بركان تصدم الإعلام الجزائري    نزيف التعليم    أنشيلوتي يبعث برسالة للجماهير : ما زلنا نؤمن بالحلم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الإثنين    وفاة الفنان المغربي محسن جمال بعد صراع مع المرض    كيوسك الإثنين | الداخلية تطلق ورشا ضخما لرقمنة "الحالة المدنية"    الذهب يلامس أعلى مستوى له في ظل تراجع الدولار    الفاتيكان يعلن وفاة البابا فرنسيس    وفاة حارس المرمى الأرجنتيني "المجنون" هوغو غاتي عن عمر ناهز 80 عاما    نحو سدس الأراضي الزراعية في العالم ملوثة بمعادن سامة (دراسة)    دراسة: تقنيات الاسترخاء تسمح بخفض ضغط الدم المرتفع    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيها البرلمانيون .. إخجلوا من أنفسكم
نشر في هسبريس يوم 24 - 07 - 2018

تتواصل بالمغرب الحملة الشعبية الرافضة لمنح البرلمانيين تقاعدا عن سنوات ولايتهم التشريعية، بعد أن اتضح أن ستة فرق برلمانية في مجلس النواب لم تأبه إلى كل الأصوات الداعية لتصفية هذه المعاشات وإلغائها، مقدمة تخريجة جديدة رأت فيها " حلولا ومبادرات تشريعية " تَبنّت صيغة تخفيض المعاش الشهري لأعضاء مجلس النواب إلى 700 درهم عن كل سنة تشريعية، عوض 1000 درهم سابقا، وصرف معاشات نواب الأمة ببلوغ 65 سنة، عوض صرفها مباشرة بعد فقدان الصفة النيابية، و رأى آخرون في هذه المناورة " منفذا لتمرير البرلمانيين لتقاعدهم المريح، وصيغة جديدة تكرس الريع السياسي، وتسيء إلى مهمة العمل البرلماني النبيل "، بعد أن توقف صرف معاشات البرلمانيين ابتداء من فاتح أكتوبر 2017 ، تبعا لمذكرة موجهة إلى مكتب مجلس النواب من لدن الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين، أوضح فيها تعرضه لاختلالات بنيوية، حيث حصر رصيده بتاريخ 15 شتنبر 2017 في حوالي 30 مليار درهم، وهو مبلغ لا يوفر ما يكفي من سيولة لمواصلة أداء المعاشات القديمة و الجديدة.
وعلى إثر ذلك، انطلقت على منصات التواصل الاجتماعي بالمغرب حملة ساخرة سميت " عاونوا البرلمانيين " التي وصل صداها التلفزيون البريطاني BBC . وهي حملة تفجرت بعد الجدل الواسع بالبلاد حول إلغاء معاشات البرلمانيين. وتأتي الحملة كرد على تصريحات وزراء وبرلمانيين تحدثوا فيها عن الفقر الذي يعانونه بحسب وصفهم، حيث أقدم نشطاء على نشر صور ساخرة لحملات لجمع التبرعات لفائدة البرلمانيين. وكشفت مجلة " جون أفريك" بأن كتلة أجور الوزراء والبرلمانيين بالمغرب تتفوق على كثير من البلدان الإفريقية والعربية وعدد من الدول الأوروبية. لكن الأعجب من ذلك، أن المعاش المخصص للوزراء والبرلمانيين يبدأ بمجرد انتهاء صفتهم الوزارية أو البرلمانية، بغض النظر عن المدة التي قضوها في المسؤولية، في حين تقاعد الموظف المغربي أو العامل في حده الأدنى لا يتجاوز ألف درهم، والتي لن يستلمها إلا بعد بلوغه 63 سنة. وفي فرنسا التي يضاعف الدخل الفردي لمواطنيها 21 مرة الدخل الفردي للمواطن المغربي، يستلم البرلمانيون معاشا ب 1200 يورو، بينما معاش البرلمانيين المغاربة يعادل 3000 يورو، أي أن تقاعد النواب المغاربة يضاعف نظراءهم الفرنسيين بأكثر من مرتين، علما أن البرلمانيين الفرنسيين لا يحصلون على معاشاتهم إلا بعد بلوغهم سن التقاعد في 62 سنة.
وقد سبق أن تقدم كل من فريق العدالة و التنمية وفدرالية اليسار، بمقترحي قانون يقضي بتصفية هذا النظام وإلغاء تقاعد البرلمانيين، كما ارتفعت الحملة الشعبية تطالب بإلغاء هذه المعاشات الريعية وجعل العمل البرلماني واجبا وطنيا للأسباب التالية:
1_ التقاعد في الأعراف الكونية مرتبط بمدة العمل وبأجر معين وبالمساهمة طيلة مدة العمل. وفي المغرب، الأجير في القطاع الخاص، يجب عليه أن يكمل مدة عمل لا تقل عن 3240 يوم عمل مؤدى عنها لكي يكون له الحق في التقاعد، وإذا كان أقل من ذلك ولو 3000 يوم عمل يأخذ فقط مجموع مساهمته المالية، أما في القطاع العام، فيجب أن يكون لديه، عندما يبلغ 63 سنة، أقدمية 21 سنة إذا كانت امرأة، وأقدمية 26 سنة إذا كان رجلا،لكن، وبحسب الصيغة الجديدة المقترحة من بعض الفرق النيابية، فالسادة البرلمانيون وحدهم من لهم الحق في التقاعد بعد خمس سنوات فقط، رغم أن مهمة البرلماني ليست عملا بل مهمة تمثيلية.
2_ المبلغ الذي يتقاضاه البرلماني هو تعويض عن مهام، وليس أجرا عن عمل، باعتبار أن ما يربط هؤلاء و المواطنين هو رابط سياسي وليس تعاقدي. ومن غير المنطقي، أن يتقاضى شخص معاشا من أموال الدولة نظير قضائه خمس سنوات في الحكومة أو البرلمان. فالبرلمانيون مكلفون بمهام سياسية مؤقتة وليسوا بموظفي الدولة. وطبقا لمبدأ التكليف، فهوية البرلماني هي سياسية وليست مهنية. وغير خاف أن التقاعد في المغرب منظومة مالية خاصة بالموظفين و العمال الذين يباشرون عملهم بشكل تام وبتفرغ كامل، وهو الأمر الذي لا ينطبق على البرلمانيين.
3_ في ظل قصر عمر الحكومات والفترة الانتدابية للبرلمان يكون من غير المقبول أن يصرف، لكل من يُنْتَدَبُ لعدة أشهر أو خمس سنوات، راتبا تقاعديا، أسوة بالموظفين والعمال الذين أمضوا أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة العامة. كما أنه من غير المستساغ أن توفر رأسمالا يكفي لأقل من ثلاث سنوات، وتطلب من الآخرين أن يتحملوا أداء معاشك. فالعمل بهذا المنطق سيدفع أي موظف بأن يساهم بمبلغ بسيط في الصندوق الوطني للتقاعد، ليحصل على معاش شهريا، ناهيك عن أن راتب التقاعد يحول البرلماني بعد نهاية ولايتهم إلى موظفين أشباح مرشحون مستقبلا لتقاضي أجور بدون سند قانوني.
4_ معاش البرلمانيين لا يخضع لطرق الاحتساب الجاري بها العمل مع باقي الأجراء في القطاع العام والخاص. ونتيجة لذلك، سيصرف الصندوق معاشات لمتقاعدين، يتضاعفون نهاية كل ولاية في حين يبقى عدد المساهمين ثابتا. فضلا عن أن الصندوق سيصرف معاشات في حدود 3500 درهم في ولاية واحدة من خمس سنوات، لأشخاص لم يساهموا إلا 60 شهرا. هذا المعاش هو المبلغ الذي يتقاضاه إطار للدولة متقاعد في الجماعات الترابية، أو بعض المؤسسات العمومية الخاضعة للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، بعد أكثر من 30 سنة. ناهيك عن أن بعض البرلمانيين يَدَّعون أن ما يصرف لهم كتقاعد هو عبارة عن تأمين، والحال أن التأمين هو عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له مبلغا من المال، في حال وقوع حادث، أو تحقق الخطر المبين بالعقد، وهو ما لا يتوفر في حالة البرلمانيين.
وفي الوقت الذي تستأثر قضية ريع البرلمانيين والوزراء على حد سواء، بجزء كبير من حديث الصباح والمساء، في الوسط السياسي المغربي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، يواصل البرلمانيون البحث عن صيغة تجعل الدولة مساهمة في تقاعد نواب الأمة من أموال دافعي الضرائب، وهو أمر مرفوض جملة وتفصبلا، لكون البلاد تعيش ظروفا مالية عصيبة، لا تسمح بالاستمرار في استنزاف الطبقات الفقيرة والمتوسطة لأداء الأجور والمعاشات المرتفعة لكبار المسؤولين وإنقاذ الصناديق التي تستنزف مالية الدولة، علاوة عن أن الحكومة المغربية لم تترك مناسبة، إلا وأعلنت فيها عن قرب إفلاس صناديق تقاعد الموظفين و العمال. وبدل البحث عن حلول ناجعة، بدءا بإلغاء الريع السياسي وتقاعد البرلمانيين و الوزراء والأجور العالية، انطلاقا من الحرص على أن تقدم القدوة في كل ما يصدر عنها، عمدت ( الحكومة) إلى استهداف أجور الموظفين والدفع بالشغيلة إلى توسيع الفقر بعد أرذل العمر.
وبالرغم من أن العديد من دول العالم ليس لديها نفس درجة الاختلال في سلم الأجور كحال المغرب، إلا أنها تجرأت بتخفيض أجور وزرائها و برلمانييها أو إلغائها، حفاظا على ضرائب الشعب من التبذير. ففي أبريل 2014 ، خفض الرئيس التونسي منصف المرزوقي راتبه إلى الثلث، وبعدها أقر مجلس الوزراء تخفيض رواتب الوزراء وكتاب الدولة بنسبة 10 في المائة. أما الرئيس السابق فرانسوا هولاند، فقد خفض راتبه ورواتب جميع وزرائه بنسبة 30 في المائة، كما خفض معاشات البرلمانيين إلى 1200 يورو، بعدما كانت تقارب الألفين يورو، وهي أصلا أقل بكثير من معاشات البرلمانيين المغاربة. بينما لم يمنع سنغافورة ثراؤها الفاحش كرابع مركز تجاري في العالم، من تخفيض أجور وزرائها بنسبة 36 في المائة، كما عمل الأردن على خفض رواتب جميع الوزراء بنسبة 20 في المائة لمساعدة الفقراء. وأعلن رئيس الوزراء البريطاني، تجميد رواتب الوزراء في حكومته لمدة خمس سنوات. وفي سويسرا تم الحد من الرواتب والمكافآت العليا للمديرين والموظفين ذوي الرواتب العالية. كما صادق البرلمان الإيطالي مؤخرا على إلغاء معاشات البرلمانيين.
*كاتب وباحث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.