مثل الحمل البريء صعد الفنان المغربي المقتدر محمد الشوبي إلى منصة التكريم في دار الثقافة بمدينة زاكورة، التي اختار ملتقاها الدولي الثامن للفيلم عبر الصحراء أن يكرم هذا الممثل السينمائي، الذي ينتمي لطينة فريدة من الفنانين عز نظيرها في زمن طغى فيه منطق التهافت على الربح المادي، على حساب القيم الجمالية التي خلق الفن من أجل السمو بها. كطفل ما زال يحن إلى حضن أمه الدافئ، تقابل الشوبي مع حشد من جمهور مهرجان زاكورة السينمائي الذي ضاقت به جنبات القاعة التي احتضنت الحفل الافتتاحي للمهرجان، وعيناه مغرورقتان بفيض من الدموع حال دون تمكن هذا الفنان من التعبير عما يخالجه من مشاعر فياضة بمناسبة تكريمه، بعدما اعتاد عليه جمهور السينما وهو يتدفق، أمام الكاميرا، تعبيرا مليئا بعفوية تنبض بصدق الإحساس وعفوية المشاعر. ما إن يكاد يلملم بعض المفردات للرد عما يخالجه من مشاعر عشقه للسينما، وامتنانه لجمهور الفن السابع، حتى يبدأ في التلعتم من شدة التأثر بما غمره به زملاؤه الفنانون، وأصدقاؤه الإعلاميون،وعموم الجمهور من مشاعر الحب الصادق،لتكون التصفيقات خير منقذ للفنان المكرم الذي لم يجد سبيلا للرد على هذا الموقف غير المألوف إلا بالترديد المتواصل لعبارات الشكر. لم تتوقف الشهادات التي ألقيت في حق محمد الشوبي عند حد التنويه بعشقه للفن عموما، وحبه للإبداع السينمائي على وجه لخصوص.ولم تعدد الشهادات التي أدلى بها بعض زملائه وأصدقائه فقط الأخلاق النبيلة التي ظل وفيا لها منذ بدايات تلمسه الطريق نحو التألق والعطاء الفني. بل كانت مواقف التضحية التي أبان عنها الشوبي على امتداد مسيرته الفنية تفرض نفسها بإلحاح على كل من اختير للإداء بشهادته في حق هذا الممثل الذي تجاوز حبه للفن أعلى درجات الشغف والافتتان. درج معارف محمد الشوبي على نعته ب" مجنون الفن" كما يبوح بذلك العديد منهم .فالولع الفطري بالفن الذي ابتلي به هذا الممثل المقتدر يجعله في بعض الأحيان غير آبه بمسؤولياته الأسرية، حيث يصبح توفير سومة الإيجار، وهم"القفة" وغيرها من واجبات رب الأسرة، تأتي في المقام الموالي بعد إيجاد مسكنات للآلام المؤرقة ل"المرض" الذي ابتلي به وهو السينما. كانت زوجة محمد الشوبي خير معبر خلال هذا اللقاء التكريمي عن تفضيل هذا الفنان التضحية بالاستجابة للحاجيات الأسرية من أجل تحقيق طموح الرقي بالفن،وهذا راجع لإيمانه بأن الفن المغربي لن يرتقي إلى ما هو أفضل دون تقديم تضحيات. وكانت آخر تضحيات محمد الشوبي هي أداؤه التطوعي، قبل أيام من افتتاح الدورة الثامنة لمهرجان زاكورة، لدور الأب في الفيلم القصيرالذي يحمل عنوان " نعل أيوب" من إخراج عبد الواحد بوجنان مجاهد، المتطوع بدوره، وهو الشريط الذي فاز السيناريو الخاص به بالرتبة الأولى في مسابقة سيناريو هذا المهرجان خلال دورته السابعة في السنة الماضية. لم تكن أخبار التضحيات التي تواترت خلال هذا اللقاء التكريمي وحدها التي شدت أفئدة المحتفين بالفنان محمد الشوبي، بل كانت المفاجأة ايضا أن أعلنت زوجته بأن هذا الفنان متعدد المواهب، وتوجد في جعبته مجموعة قصصية، وديوانين شعريين. ولم تجد بعد هذه الإبداعات الأدبية يدا بيضاء تنتشلها من غياهب العفة التي تلازم الفنان الشوبي لتجد طريقها إلى جمهور القراء. فلربما تكون تضحيات الفنان محمد الشوبي في مجال السينما خير شفيع لتطوع شخص ما، أومؤسسة من أجل تحقيق هذه الغاية، والكشف بالتالي عن ميلاد فنان أديب جعل من الصدق والتضحية سبيلا للركون في قلوب عشاق الفن الرفيع.