تزامنا مع مرور سبْع سنوات على الاستفتاء على دستور المملكة الحالي، والذي تمَّ يوم فاتح يوليوز سنة 2011، تنظم أكاديمية المملكة، في مقرها بالعاصمة الرباط، بتعاون مع الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، اليوم الثلاثاء وغدا الأربعاء، ندوة دولية حول "التطور الدستوري بالمغرب.. الجذور التاريخية والتجليات الراهنة والرهانات المستقبلية". وفي الكلمة الافتتاحية للندوة، التي يشارك فيها فقهاء قانون مغاربة وأجانب، توقف عبد الجليل الحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة، عند النقلة التي شكّلها أول دستور مكتوب وحديث للمملكة والذي وُضع سنة 1962، قائلا إنّ هذا الدستور نقل الدولة المغربية من دولة تحكمها الأعراف المستمدة من القانون العام الإسلامي ومن الممارسة الاجتماعية للشعب المغربي إلى دولة عصرية حافظت دستوريا على ثوابتها. واستطرد الحجمري أنّ الدستور التأسيسي، الذي وضع في العاشر من دجنبر عام 1962، جعل المغرب ينخرط في الدستورانية الحديثة بمعاييرها ومؤسساتها وآلياتها؛ بالانفتاح على الفقه الدستوري العصري، حيث أقرّ الدستور الأوّل للمملكة، يردف المتحدث، الحقوق الأساسية للمواطنين، بكيفية شاملة، وأدْخل فصلا مَرنا للسلط تنازل الملك بمقتضاه عن جزء من الاختصاصات التي كانت مندرجة قبل ذلك في الملكية المطلقة. واستطرد أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة أنه، ابتداء من 10 دجنبر 1962، لم يعُد الملك محتكرا للسلطة المطلقة، كما كان عليه الحالي في السابق، حيث برز إلى جانب المؤسسة الملكية برلمان منتخب تولّى، لأول مرة، التشريع في مجال القانون، وحكومة متميز عن الملك يقودها وزير أوّل استمدَّ صلاحياته من الدستور نفسه، وقضاء مستقل عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. وتوقف الحجمري عند المراجعات التي خضع لها دستور 1962، في أربع محطات امتدّت من هذا التاريخ إلى غاية سنة 1996، معتبرا أنّ هذه المراجعات سارت عموما في اتجاه تدعيم المنظومة الدستورية للمملكة وتطويرها؛ وهو ما يظهر بالخصوص في تعزيز هذه المراجعات لمكانة ودور المؤسسات التمثيلية، وكذا في توطيدها للحقوق الأساسية وضماناتها. وأردف المتحدث ذاته أنّ توطيد الحقوق الأساسية وضماناتها، في دستور المملكة، برز بشكل أوضح مع صدور دستور 9 أكتوبر 1992، "الذي أكد على تشبث المملكة المغربية بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا"، لافتا إلى إقدام المغرب في السنة الموالية، أي سنة 1993، على المصادقة على عدد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. وتهدف الندوة الدولية، التي تنظمها أكاديمية المملكة بتعاون مع الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، إلى تسليط الضوء على التطور الدستوري للمملكة، منذ دستور 1962، إلى غاية دستور 2011، والذي اعتبر الحجمري أنّه شكّل "طفرة نوعية متميزة، وإصلاحا دستوريا عميقا وشاملا". وأوضح أنّ ما يجعل دستور 2011 متميزا عن الدساتير السابقة هو أنّ إعداده تمّ من خلال منهجية تشاركية جمعت بين الخبرة القانونية والمساهمة البنَّاءة لجميع الهيئات السياسية والنقابية والاجتماعية والحقوقية للشعب المغربي، فضلا عن حفاظه على التراث الوطني الأصيل للمغرب، والتحديد المتجدد للهوية الوطنية بمكوناتها وروافدها، وانفتاحه، في الآن نفسه، على أرقى التجارب الدستورية.