حروب تستعمل فيها كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، حملات على أشدها وسط الأحزاب كبيرها وصغيرها. صراعات لا ترحم حول من يحتل رأس اللائحة في الانتخابات التشريعية القادمة، ومن يحظى ب«بركات» التزكية لدخول مجلس النواب المقبل. لا أحد يسأل عن الكفاءة أو البرامج أو المصداقية. جل الأحزاب تبحث عن «الفارس» القادر على ربح رهان السباق نحو مقاعد البرلمان، بالمال، بالبلطجة، بوسائل الجماعة، بإعانات بعض رجال السلطة، بالقبيلة، بالنفوذ... لا يهم. المهم أن يبيِّض «المرشح» وجه الحزب وأمينه العام ليلة الإعلان عن النتائج حتى يمتلك ما يكفي من أوراق للتفاوض على حقيبة وزارية أو حقيبة ونصف، ولو كانت خاوية. هناك ازدواجية خطيرة اليوم في المغرب.. هناك خطاب يتوسل إلى المواطن أن يذهب إلى الإدارة لتسجيل نفسه في لوائح الانتخابات حتى يكسر بعضا من جليد جبهة مقاطعة الانتخابات التي وصلت سنة 2007 إلى حوالي %80، وفي نفس الوقت هناك سلوك الأحزاب الذي ينفِّر الإنس والجن من السياسة والانتخابات وصناديق الاقتراع. آخر استطلاعات الرأي في فرنسا قالت إن الأسلوب الحضاري والديمقراطي والراقي الذي اعتمده الاشتراكيون الفرنسيون في انتخاب من يمثل حزب الوردة في الانتخابات الرئاسية للعام القادم، والذي اعتمد على إشراك أعضاء الحزب والمتعاطفين معه والقريبين من أفكاره في العملية الانتخابية، ساهم في رفع شعبية فرانسوا هولاند والحزب الذي يعيش بعيدا عن قصر الإليزي منذ خروج الزعيم التاريخي للاشتراكيين، فرانسوا ميتران، سنة 1995. إن الصورة التي تعطيها الأحزاب اليوم عن السياسة والانتخابات والبرلمان والشأن العام صورة قبيحة ومنفرة. ما معنى هرولة رؤساء الأحزاب نحو أضرحة الأعيان طلبا للبركة الانتخابية؟ ما معنى استعمال المال والهدايا والأعطيات للحصول على التزكية البرلمانية؟ ما معنى كل هذا العنف الذي انفجر في مقرات أحزاب كانت مهجورة طيلة السنة والآن فجأة دبت فيها الحركة والنشاط؟ ما معنى تسابق الأحزاب على أصحاب المال والجاه والمخدرات والمشبوهين لوضعهم على لائحة المرشحين للانتخابات؟ لقد تحولت «المؤسسة الحزبية» إلى نكافة تزف العروس إلى مخدعها دون أن تسأل عن ماضيها وحاضرها، وكل ما يهمها هو أن تقبض الثمن في آخر العرس. الذين يدعون المغاربة الشباب اليوم إلى المشاركة في الانتخابات عليهم أن يضمنوا لهم أن أصواتهم لن تُسرق، وأن أظرفتهم لن تختلط بالمال السياسي الذي يتأهب للنزول بقوة إلى الميدان بأشكال جديدة وأساليب متطورة يوم 25 نونبر القادم... إنها مأساة.. مستقبل بالكامل يعبث به «تجار السياسة» في ظل صمت الطبقة الواعية. العملة لها وجهان.. النخب التي تقامر بأحلام الوطن.. والشعب الذي يصمت أو يتقاضى مقابلا للصمت، لكن الطريق نحو الهاوية له وجه واحد.