تحسست عائشة (اسم مستعار لشخصية حقيقية) مقعدا موضوعا ببهو مركز تأهيل المرأة القروية بأولاد الطيب ثم جلست منتظرة المناداة عليها لولوج قاعة خلية الإنصات، كانت تنظر، في توجس، لكل من يلج تلك المؤسسة متعددة الاختصاصات؛ فكلما اقترب منها أحد الزوار لملمت برقعها، الذي لم يكن يظهر إلا عينيها، وراقبته إلى أن يختفي بين ردهات هذا المركز الاجتماعي المتواجد ضواحي مدينة فاس. كانت عائشة تنتظر دورها لتلج قاعة خلية الإنصات للبوح بمأساتها التي غيرت حياتها رأسا على عقب، المتمثلة في تعرض ابنتها القاصر للاعتداء الجنسي من طرف والدها، آملة أن تجد لدى أطر المركز الدعم والمساندة لإخراجها، هي وابنتها، من الوضع النفسي الذي خلفه لديهما هذا الفعل، الذي ساءت معه الحالة النفسية للطفلة الضحية التي أصبحت تفكر في الانتحار. قصة الأم عائشة مع أب استباح عرض ابنته واحدة من بين قصص كثيرة لزنا المحارم ترد على هذه الخلية، التي أكد أطرها، في لقائهم بهسبريس، أن "مركز اولاد الطيب لتأهيل المرأة" يسجل أرقاما مخيفة لسلوك التحرش الجنسي بالمحارم الإناث وهتك عرضهن، مبرزين أن الضحايا يصعب علاجهن بسهولة ويحتجن إلى فترة طويلة من الدعم النفسي حتى يتسنى لهن نسيان ما وقع لهن في الماضي. آباء يستبيحون أعراضهم "كان تعامله تعامل الأب مع ابنته، هو لا يتناول المخدرات ولا يشرب الخمور، لكنه تحرش بها وهتك عرضها"، تقول الأم عائشة التي قبلت سرد قصة تعرض ابنتها، البالغة من العمر حاليا 17 سنة، للاعتداء الجنسي على يد من المفروض عليه حمايتها. وتضيف، في حديث لهسبريس والحرقة تعتصر قلبها، قائلة: "وقع هذا لابنتي في يوم أسود لم أكن حينها في المنزل عندما كان عمرها 12 سنة، لحظة بوحها لي بما جرى لها مع والدها، ونحن متعانقتان ونتبادل الدموع، اقترب منا زوجي وأقر بما وقع له مع ابنته وطلب منها ومني مسامحته عما صدر منه، لم نقبل الصفح عنه فبدأ يضرب رأسه مع الجدار". "انقطعت ابنتي بعد هذا الحادث عن الدراسة، وبدأت حالتها النفسية تسوء سنة بعد أخرى، حتى إنها دائما تهددني بالانتحار أو مغادرة البيت"، تكشف الأم عائشة وهي تحبس دموعها بصعوبة، مبرزة أن ابنتها تتناول الأدوية المهدئة وتعيش حالة اكتئاب حادة، وتفضل العزلة وترفض رفضا مطلقا فكرة الزواج. قصة عائشة لا تختلف كثيرا عن مثيلتها لرحمة (اسم مستعار لأم تستفيد من خدمات المركز المذكور)، التي تتهم هي كذلك زوجها، الجندي السابق، بالاعتداء الجنسي على ابنتهما، البالغة حاليا من العمر 18 سنة، منذ أن كان عمرها ثماني سنوات، كاشفة لهسبريس أنه دأب على هتك عرضها، كما أفصحت لها بذلك ابنتها، على مدى خمس سنوات متواصلة. "كان زوجي يعتدي على ابنته وهي صغيرة، لم تكن تفهم معنى ذلك، وكان ينصحها بأن لا تفصح لي عن ذلك مغريا إياها ببعض النقود، لكن عندما كبرت وعت بخطورة ما وقع لها فحكت لي كل شيء، وأصبحت بعدها تعاني من اضطرابات نفسية حادة، فانقطعت عن الدراسة واختارت حياة العزلة"، تقول الأم رحمة التي أبرزت أنه سبق لها أن اكتشفت تحرش زوجها بابنتهما في سنة 2009، لكن فضلت الصمت محذرة زوجها من فعلته، مضيفة: "بدأت أراقبه ولا أتركها وحيدة معه، واعتقدت أن صغر سن ابنتي سيجعلها لا تتذكر الحادث، ويا ليتني تكلمت حينها، فربما تغيرت الكثير من المعطيات". استرسلت رحمة حاكية قصتها، وهي تتجرع مرارة ما تعرضت له ابنتها على يد والها الذي نهش لحم فلذة كبده، موردة لهسبريس أنه كان يأمر الصغيرة بأن تتجسس عليه في فراش الزوجية، ليلا، لترى ما يفعله بأمها، موردة: "قبل سنة غادر زوجي بيت الزوجية بعد أن فضحته ابنته، خصوصا أن لي منه ولدان ذكران، يبلغان من العمر أكثر من 22 سنة، عرفا القصة كاملة، وصدما بدورهما بما وقع لشقيقتهما". آثار مدمرة مدى الحياة "زنا المحارم سلوك مقلق تداريه العديد من أسر المنطقة في صمت خوفا من العار والفضيحة"، تقول لبنى بالخير، المساعدة الاجتماعية المسؤولة عن خلية الإنصات بمركز تأهيل المرأة القروية بأولاد الطيب، مضيفة في حديث لهسبريس: "بحكم عملي كمساعدة اجتماعية بهذا المركز، أستقبل حالات كثيرة لضحايا زنا المحارم، وإن كانت الأرقام تبقى مظلمة، يجب الوعي بوجود هذه الأفعال، والخطير في الأمر أن الضحايا غالبا ما يحاولن الانتحار". بدوره، محمد غريبة، مرافق اجتماعي بالمركز ذاته، أوضح أن التحرش الجنسي وهتك عرض المحارم موجود في جميع المجتمعات وفي جميع أنحاء المغرب، مبرزا أن الضحايا من الإناث يجدن بمركز اولاد الطيب لتأهيل المرأة الفرصة للبوح عما تعرضن له من اعتداءات جنسية أو تحرش من طرف المحارم. "الغريب في الأمر أن أغلب ضحايا زنا المحارم، اللواتي تردن على المركز، نجد تورط الأب في المرتبة الأولى بنسبة حوالي 70 في المائة، والأخ الشقيق ب 20 في المائة، والباقي أبطاله الأقارب الآخرون، والمشكلة هنا هو ما يتركه ذلك من آثار نفسية على الضحايا"، يقول غريبة، مؤكدا أن الضحايا يفقدن الشعور بالأمن الأسري. وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن الفتاة التي تتعرض للعنف الجنسي من طرف المحارم، "تعيش اضطرابا نفسيا دائما، وانعداما للثقة في الذكور بصفة عامة؛ ما يؤثر على مسيرتها الدراسية"، مشيرا إلى أنها "تظل في توجس مستمر أن يعرف الآخرون بقصتها، وحتى عندما تتزوج تعيش في قلق خوفا على بناتها من التعرض لما تعرضت له، سواء على يد زوجها أو من طرف أحد آخر من القارب". من جانبه، أوضح نبيل شكوح، أخصائي نفسي إكلينيكي متطوع بالمركز متعدد الاختصاصات لإدماج المرأة بأولاد الطيب، أن المقاربة النفسية تعمل، بعد تعرض ضحايا زنا المحارم لمحنتهن، على استعادة نموهن والانطلاق في الحياة من جديد، معتبرا أن "هذه المهمة ليست بالبسيطة، ونحن نساعد الضحية على المقاومة واستعادة نموها النفسي الذهني بعد المحنة ونعرف أنه إذا تعرض الإنسان إلى محنة، فإن نموه النفسي يتوقف، وهذا ما يسمى بالبلوتروماتيزم، يعني أن الإنسان يبقى في صدمة ولا يقو على الخروج منها". وقال في تصريح لهسبريس: "شخصيا، أشتغل في عدة مناطق، وأجد بكل منطقة طابعها الخاص من المشاكل، هنا العنف وزنا المحارم يتكرران بشكل ملفت للنظر، والنسبة الأكبر من المعتدين هم الآباء"، مبرزا أن للتحرش والاعتداء الجنسي الآثار نفسها، المتمثلة أساسا في "تذمر الجهاز النفسي للضحية عند تعرضها للخيانة في الأمن من طرف شخص يمثل صورة لهذا الأمن"، وذلك يدفعها إلى تبنى بعض الأفكار، "من قبيل أن الكل يريد استغلالها، وهذه الفكرة من الصعب نزعها منها، لكونها ترسخت وتخزنت لديها بشحنة انفعالية لا يمكن إزالتها بنقاش بسيط". شكوح أكد أن توقع اعتداء الأب، أو أحد الأقارب، على الأبناء أمر صعب، مبرزا أن الكلام عن موضوع التحرش والاعتداء الجنسي على المحارم مهم ويمكن أن يساهم في التوعية بخطورة هذه الأفعال، وقال: "نحن في مرحلة انتقالية، تتميز بتفكك المجتمع أكثر وزيادة الاضطرابات النفسية، وهنا يجب الحذر؛ فهذه السلوكيات لا تقتصر على الإناث فقط، بل تسجل كذلك ضد الذكور، وهذا يتطلب منا حماية الأطفال وتحصينهم نفسيا". وأجمع المتدخلون النفسيون بمركز اولاد الطيب لإدماج المرأة على أنه يفترض في حالات الاعتداء الجنسي على المحارم أن يكون الفاعل يعاني من اضطرابات نفسية عميقة؛ ما يستوجب عرضه على طبيب مختص من أجل تحديد الأسباب الحقيقية التي دفعته إلى ارتكاب هذا الفعل الجرمي، ومن ثم إخضاعه للعلاج النفسي حتى لا يسقط في حالة العود.