"الرحامنة تتوفر على كميات مهمة من البترول، يمكن أن تتحول موادها إلى مورد مهم لساكنتها". الكلام هنا لفؤاد عالي الهمة حين غادر وزارة الداخلية وصار برلمانيا عن دائرة الرحامنة في الانتخابات التشريعية لسنة 2007، قبل أن يصير مستشارا للملك محمد السادس في 2011. كان فؤاد عالي الهمة حينها يتحدث عن نبتة الصبار التي أضحت تكسو في السنوات الماضية معظم جبال الرحامنة ومداشرها، وصار الفلاحون هناك، إلى جانب تقديمها علفا لمواشيهم، يستخرجون منها الزيت لاستخدامها في مستحضرات التجميل، التي باتت تباع بأثمنة تفوق زيت الزيتون بعشرات المرات. لكن في السنوات الثلاث الأخيرة، تعرضت هذه النبتة لهجوم كاسح من حشرة قرمزية أتت على آلاف الهكتارات، وصار معها "حلم البترول" يتبخر يوما تلو آخر. حشرة تكسر الأحلام خلال السنوات الأخيرة، قامت وزارة الفلاحة والصيد البحري بغرس حوالي 23 ألف هكتار من الصبار، وبناء وتجهيز 14 وحدة لتثمين المنتوجات المحلية، ووحدتين في طور الإنجاز. كانت هذه العملية الواسعة من طرف الوزارة فأل خير على فلاحي الرحامنة؛ إذ بدأت التعاونيات والجمعيات تنشط في مجال استخراج الزيوت والعلف من الصبار، وباتت توفر فرص شغل للعديدين، خاصة بالنسبة للنساء. وبحسب ما أكده يونس النويني، رئيس الاتحاد الجمعوي لزراعة وتحويل الصبار بالجبيلات، فإن زراعة الصبار كان ينتظر منها أن تعود بالنفع على الفلاحين، سواء باعتبارها علفا للماشية، أو من خلال استخراج بعض المنتوجات التجميلية والزيوت منها. ولفت النويني، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن الصبار في الرحامنة أصبح يعاني بشكل كبير من حشرة قرمزية تسببت في خسائر كبيرة لعدد من الفلاحين، معتبرا أن ذلك سينعكس سلبا على إنتاج المواد التجميلية والعلف والزيوت وغيرها. أضرار مادية وتهديد صحي لم يخف يونس النويني، رئيس الاتحاد الجمعوي لزراعة وتحويل الصبار بالجبيلات، قلقه البالغ من الأضرار الناجمة عن الحشرة القرمزية، بالرغم من محاولات العلاج التي تتم حاليا من طرف المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (ONSSA). الفاعل الجمعوي ذاته، الذي يشرف على مستودع تابع للتعاونية، يرى أن "الصبار إذا لم تتم معالجته، فسيتم تسجيل أضرار أكبر"، كاشفا أن "المنطقة الجنوبية بالرحامنة وحدها لم تتضرر بالشكل الذي طال باقي مناطق الإقليم". وتابع المتحدث نفسه أن الأضرار لم تقتصر فقط على مزارعي الصبار، بل إن الأمر طال أيضا مربي النحل الذين تضرروا بسبب عمليات علاج الصبار التي تجري حاليا، مشيرا كذلك إلى أن المستودع الذي يتم فيه إنتاج العلف من هذه النبتة قد توقف عن الإنتاج بالنظر إلى الوضع الراهن وغلاء أسعار الصبار وغياب المواد الأولية بسبب هذه الحشرة القرمزية. لا يقتصر خطر هذه الحشرة التي هاجمت صبار الرحامنة على أضرار فلاحية فقط، بل يتجاوز ذلك إلى تسجيل أضرار على الساكنة، حتى وإن لم تكن صحية. فبحسب ما أكده يونس النويني، فإن "الحشرة المفترسة تؤثر على الساكنة ليلا؛ إذ تتجمع بشكل لافت للانتباه على المصابيح وتزعج المواطنين". هذا الضرر عبر عنه أيضا لحسن الحمري، من ساكنة جماعة أولاد إملول، الذي أكد أن الحشرة "أتت على الأخضر واليابس من صبار المنطقة"، مضيفا أنها "تسببت للسكان في أضرار عديدة، وباتت مصدر قلق وإزعاج لأنها تتساقط وسط مأكولاتهم وتقض مضجعهم في النوم". وبالرغم من شروع مصالح "ONSSA" في اقتلاع الصبار المتضرر، فإن البرلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة زهور الوهابي، وفي ظل غياب البرلمانيين عن دائرة الرحامنة، أكدت في سؤال كتابي وجهته إلى وزيري الفلاحة والصيد البحري والصحة، أن الحشرة "تهاجم الوجبات الغذائية ويصعب فرزها عن الطعام، فتتسرب إلى أكل المواطنين ويتم شربها في المياه، مما يهدد صحتهم". اقتلاع الأضرار أكد عبد القادر ابن عبد العزيز، مدير المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بجهة مراكش-أسفي، أن هذه الحشرة القرمزية التي هاجمت صبار الرحامنة وغيره بالجهة، "خلفت أضرارا عديدة للفلاحين". وبحسب المسؤول نفسه، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، فإن مشكلة هذه الحشرة انطلقت منذ سنة 2015، غير أنه جرى اتباع خطوات طبقا لخطة العمل الوطنية التي كانت جهة مراكش تحظى فيها بالأولوية، وتتضمن "إجراءات استعجالية، مثل التصديق على مبيدات الحشرة، والمكافحة الكيماوية من طرف القطاع الخاص، ثم القلع واجتثاث المتضرر أكثر". وأضاف: "لمواجهة هذه الحشرة، تم البحث عن طرق بديلة لمقاومتها، عبر جلب أصناف من الصبار مقاومة لها، ثم المكافحة البيولوجية عبر حشرة تتغذى على الحشرة القرمزية"، لافتا إلى أنه "تم تحقيق نتائج مهمة، فهناك 8 أصناف مقاومة للحشرة بعدما تم تجريب 300 صنف"، ينضاف إلى ذلك عملية قلع الصبار المتضرر. ولفت بن عبد العزيز إلى أنه "جرى اقتلاع أكثر من 2300 كلم من الصبار الأكثر إصابة، ومعالجة أكثر من 35000 كلم، وتوزيع أكثر من 9000 لتر من المبيدات". وأشار إلى وجود برنامج تحسيسي لفائدة الفلاحين من أجل حثهم على ضرورة اتباع الخطوات الصائبة في مكافحة هذه الحشرة القرمزية، والعمل على علاج النبات المتضرر باستمرار، لتفادي عودتها. ونفى المسؤول نفسه أن تكون لهذه الحشرة تأثيرات على صحة المواطنين، مؤكدا أنها فقط تقوم "بإزعاج المواطنين، ولذلك نقوم بتوزيع مبيدات للقضاء عليها". وبالرغم من الأضرار التي لحقت بالمحصول من الصبار بالرحامنة، فإن المسؤول الجهوي ذاته دعا إلى عدم رسم صورة سوداء عن الموضوع، بل "يجب أن نظل متفائلين لمواجهة هذه الحشرة، وإعادة الاعتبار للصبار الذي يعد هوية لإقليم الرحامنة"، وفق تعبيره. حشرة أمريكية تستنفر المغرب تشير المعلومات المتوفرة عن الحشرة القرمزية إلى أنها تصيب نبات الصبار، وتترك لونا أحمر به وبكل من أصابته أو علقت به من إنسان وغيره. هذه الحشرة التي تستوطن أمريكا والمكسيك في الغابات الاستوائية وشبه الاستوائية، ظهرت بالمغرب منذ سنة 2014، وأصابت كل المحاصيل الفلاحية بالمملكة. وسبق لوزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات أن رصدت، على إثر انتشار هذه الحشرة القرمزية، غلافا ماليا قدر بحوالي 80 مليون درهم، كخطوة لتعزيز تدابير محاربتها، وأعلنت عن إحداثها لجنة لليقظة تتولى تدبير وتتبع برنامج اقتلاع ودفن الأغراس الأكثر تضرراً. والسؤال الذي يبقى مطروحا في ظل هذه الخسائر المادية الكبيرة، التي ضاعت معها ثروة كانت تستعمل في العلف وغيره وتعود بأرباح مالية عن طريق استخراج زيوتها التي تستعمل في التجميل، هو: "هل سيعوض الفلاحون عن هذه الأضرار الناجمة عن هذه الحشرة؟".