شكل فوز سعاد عبد الرحيم، مرشحة حركة النهضة في تونس، بمنصب "شيخة المدينة" مفاجأة من العيار الثقيل داخل تونس وخارجها، بالنظر إلى أن هذه المرأة الصيدلانية وعضو المكتب السياسي لحزب إسلامي لا ترتدي الحجاب، كما أن هذا المنصب الذي تبوأته سعاد عبد الرحيم ظل محصورا في فئة الرجال منذ تأسيس النظام البلدي في تونس سنة 1858. وتمكنت سعاد من الحصول على 26 صوتا مقابل 22 لمنافسها كمال إيدير، مرشح نداء تونس، والذي كان مسؤولا محليا في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بصور سعاد عبد الرحيم وهي ترفع إشارة النصر احتفالا بالفوز، حيث وصفت "شيخة تونس العاصمة" فوزها بالمنصب بأنه "فخر للمرأة التونسية وفوز لنساء تونس"، كما وصف نشطاء ومغردون تونسيون باختلاف توجهاتهم الحزبية فوز سعاد بالتاريخي، واعتبروه انتصارا للمرأة التونسية وللثورة والديمقراطية. وأثار ترشح سعاد عبد الرحيم لمنصب "شيخة العاصمة"، منذ بداية الحملة الانتخابية للبلديات، جملة من الانتقادات والجدل، ولا سيما من حزب نداء تونس العلماني، حليف حزب النهضة الحكومي. واعتبر فؤاد بوسلامة، القيادي من حزب نداء تونس، خلال حضوره في برنامج تلفزيوني، إبان الحملة الانتخابية، إن "التقاليد تمنع من أن تتولى امرأة منصب شيخ مدينة تونس"، معتبرا أن تونس "بلد مسلم ولديه تقاليد ولا يمكن أن تجلس المرأة في المسجد بجانب الرجال في المناسبات الدينية". ويبدو أن بوادر الخلاف بين الحليفين، النهضة ونداء تونس، تصاعدت وتيرتها بعد فوز سعاد عبد الرحيم لمنصب "شيخة تونس"، إذ أكد منجي الحرباوي، الناطق الرسمي باسم حركة "نداء تونس"، اليوم الأربعاء، أن التحالف بين حزبه وحركة "النهضة" انتهى. وتعليقا على فوز سعاد عبد الرحيم، مرشحة "النهضة"، بمنصب شيخ مدينة تونس؛ قال الحرباوي، في تصريحات له لإحدى الإذاعات التونسية المحلية، إن "الديمقراطية هي القبول بنتيجة الانتخابات.. ونحن نهنئها على الفوز.. هناك رمزية كبيرة في وصول حزب إسلامي لمنصب شيخ مدينة تونس.. وكنا نأمل أن يؤول المنصب إلى حزب ديمقراطي حداثي". ولفت الحرباوي الانتباه إلى أنه "كانت للنداء مشاورات واتفاقات مع الجبهة الشعبية المعارضة" وأطراف لم يسمها، قال إن "لديها احترازات على سياسة حركة النهضة للتحالف في انتخابات شيخ المدينة"، مبرزا أن "التحالف في البلدية المذكورة كان مع الأحزاب الرافضة لأن تؤول رئاسة بلدية تونس إلى حركة النهضة". وأشار إلى أن "نداء تونس يواجه آلة حركة النهضة التي تملك المال والعتاد والعدة والتنظيم إضافة للاستحواذ على مفاصل الدولة". وشدد القيادي في "النداء" على أن "تشتت الطيف الديمقراطي الحداثي والمعاصر أسفر عن هذه النتائج"، على حد تعبيره. ويُشار إلى أن حزب حركة "نداء تونس" كان قد أعلن، بعد أسابيع قليلة من هزيمته في الانتخابات الجزئية في دائرة ألمانيا، عن نهاية التوافق مع حركة النهضة وتحوله إلى تنافس انتخابي. وكان سفيان طوبال، رئيس كتلة نداء تونس بمجلس نواب الشعب (البرلمان التونسي)، قد اتهم كلا من محسن مرزوق أمين عام حزب حركة "مشروع تونس" ورضا بلحاج رئيس الهيئة السياسية لحزب حركة "تونس أولا" بالتحالف مع حركة "النهضة" لتسهيل فوز مرشحتها سعاد عبد الرحيم في منصب شيخ مدينة تونس. وحذر الكاتب والإعلامي التونسي كمال بن يونس النخب السياسية والإعلامية في بلاده من سيناريوهات انقلاب على المسار الديمقراطية، في حال استمرار التجاذب السياسي بين السياسيين بعيدا عن مراعاة أولويات البلاد. ويتزامن الجدل بشأن استمرار التحالف الحكومي بين "النهضة" و"النداء"، الذي حكم البلاد منذ انتخابات العام 2014، بسبب نتائج الانتخابات البلدية، ولا سيما فوز سعاد عبد الرحيم بمنصب شيخة العاصمة" لأول مرة في تاريخ تونس الذي زاد من مخاوف تفكك التحالف الحكومي. كما أن التحالف الحكومي عرف تصدعا سياسيا في السنة الماضية على خلفية تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، التي كان الرئيس التونسي قد شكلها العام الماضي، وما تضمنه التقرير من أطروحات وصفها البعض ب "الصادمة لجهة تعارضها مع الثابت من النص الديني".