عادت أجواءُ الاحتجاج الحاشد إلى شوارع مدينة الحسيمة، مجدداً، بعد الأحكام الصادرة في حق ناصر الزفزافي، أيقونة "حراك الريف"، ورفاقه المعتقلين في الدارالبيضاء، التي وصلت في مجموعها إلى أزيد من 200 سنة، وتفجيرها حالة من السخط والتذمر الشديدين وسط الريف، بعد الهدوء الذي خيّم على الحسيمة لقرابةَ شهور، إثر خُفوتِ حدَّة الاحتجاجات التي شهدتها المنطقة على طول ستة أشهر. وخرج عشرات من ناشطي "حراك الريف" بمدينة الحسيمة، في وقت متأخر من ليل أمس الثلاثاء، رفضاً لأحكام القضاء بإدانة ناصر الزفزافي، القائد الميداني ل"حراك الريف"، وسجنه 20 عاماً، زيادة على الأحكام الأخرى بحق الناشطين المدانين. وحسب ما أظْهرته مقاطع فيديو، عبر تقنية "المباشر" على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد رفع النشطاء شعارات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين، كما انتقدوا عدم تدخل السلطات الحكومية لحلحلة الوضع في الريف. وامتدت الاحتجاجات الرافضة الأحكام إلى مدينة وجدة، فقد خرج الطلبة والمعطلون إلى شوارع "عاصمة جهة الشرق"، وانطلقت مسيرة الطلبة الغاضبين من جامعة محمد الأول بوجدة، في "حي القدس" مرورا بشارع محمد السادس في طريقها إلى الولاية. ورفع المحتجون شعارات من قبيل: "فوسفاط وجوج بحورا ... عايشين عيشة مقهورة" و"اعتقلوهم عدموهم ...ولاد الشعب يخلفوهوم" و"الشعب يريد سراح المعتقل" و"زيد اقمع.. زيد اقمع... ما بقيتيش كاتخلع". ومن المرتقب أن تخرج، اليوم الأربعاء، مسيرات احتجاج في كل من الناظور والعروي وإمزورن وتلارواق والحسيمة والرباط، تنديدا بالأحكام الصادرة في حق الزفزافي ورفاقه. وبالرغم من حضور القوات العمومية في ساحات غالبية مدن الريف، فإن النشطاء دعوا إلى تنظيم أشكال احتجاجية داعية إلى إطلاق سراح الموقوفين والوقوف إلى جانب عائلات المعتقلين وفاء للمعتقلين وسلمية الحراك الشعبي. ودعا نشطاء الحراك الشعبي بالناظور الساكنة إلى الخروج للتعبير عن غضبهم إزاء هذه الأحكام التي وصلت، في مجموعها، إلى أزيد من 300 سنة نافذة في حق أبناء الريف، حيث أصدر نشطاء الحراك الشعبي بالناظور بيانا يدعون من خلاله إلى الخروج للاحتجاج مساء اليوم الأربعاء بساحة التحرير، تنديدا بالأحكام الصادرة في حق الزفزافي ورفاقه. نوال بنعيسى، الناشطة في حراك الريف، لم تُخفِ حسرتها من الأحكام "القاسية" التي توبع بها نشطاء الريف، وقالت: "كنا ننتظر من الدولة أن تفتح صفحة جديدة قوامها المصالحة مع الريف وطي صفحة الماضي؛ لكن العكس هو الذي وقع"، قبل أن تضيف: "كان ينتابنا أملٌ أن ندشّن مع هذا العهد الجديد مزيداً من الحريات والكرامة؛ لكن هذه الأحكام أرْجعتنا إلى عهد غابرٍ". وكشفت بنعيسى، التي اشْتهرت بقيادتها لمسيرات "الحسيمة" بعد اعتقال قائد الحراك، ناصر الزفزافي، في تصريح لجريدة هسبريس، أن "الوضع في الريف مشحونٌ، عائلات المعتقلين مَصْدُومة لم تتوقف عن البكاء منذ ليلة أمسِ"، موردة أن "دعوات الإضراب التي أطلقها بعض النشطاء لم تلق تفاعلاً كبيراً بسبب العسكرة المفروضة على الريف"، وفتضيف: "المدينة شبه خالية لا أحد يستطع الخروج إلى الساحات والشوارع، إنه وضعٌ استثنائي". من جانبه، أقر محمد الغلبزوري بأن "هناك تذمرا واسعا في صفوف السكان، وليس هناك حديث إلا حول الأحكام القاسية"، وزاد: "هناك شعور بالحزن الجماعي وبالانتقام الجماعي للدولة ضد الريف". وعن دعوات الإضراب التي تعالت داخل مواقع التواصل الاجتماعي، قال الناشط الحقوقي، في تصريح لهسبريس، إن "استجابة ضعيفة لنداءات الإضراب العام الذي دعا إليه بعض الأشخاص في الفايسبوك، وهناك مجموعة من الشباب يؤكدون عزمهم للخروج للتظاهر ليلة اليوم في الحسيمة". وأورد الناشط في إمزورن: "هناك دعوات للاحتجاج اليوم ليلا؛ ولكن لا أعتقد بأن الدولة ستسمح لهم؛ لأن هناك تطويقا أمنيا لكل نواحي المدينة"، وأضاف: "لا أحد توقع هذه الأحكام القاسية؛ لأنني شخصيا تابعت جميع أطوار محاكمات الدارالبيضاء، والنيابة لن تقدم أدلة ثابتة لإدانة المعتقلين إلا ما يدخل في الذاكرة الجماعية للريف بالإضافة إلى بعض التدوينات التي تدخل في إطار حرية التعبير". وتابع: "الاأكام الصادرة ليست ضد المعتقلين؛ بل ضد الريف وتاريخه وذاكرته الجماعية.. ولهذا، الدولة تكون قد نسفت مسلسل الإنصاف والمصالحة بنفسها، وعمقت الجرج بين الريف والمركز، وزرعت الحقد والكراهية، وعمقت الإحساس بالحكرة لدى الريفيين". بدوره، أكد إلياس الموساوي، الناشط في حراك الريف، أن "الصدمة عمت المنطقة، والكل اعتبر أن الأحكام وجهت إلى الريف كرقعة جغرافية طاهرة وممانعة، وليست موجهة إلى نشطاء الحراك"، لافتا إلى أن "الأحكام مجحفة، ولا أحد كان ينتظرها". أما فيما يتعلق بالوضع الميداني في منطقة الريف، فيقول الموساوي: "خرجت عدة تظاهرات عفوية؛ بعضها استكملت مسارها، وبعضها الآخر تعرض للمحاصرة قبل الانطلاق". وتابع الموساوي، في تصريح لهسبريس، بالقول: "ما هو كائن، إلى حد الآن، هو عسكرة رهيبة لكل من إمزورن والحسيمة؛ ففي هذه اللحظات أسطول من القوات العمومية تلتحق بتلارواق، التي ستخرج للاحتجاج اليوم، على غرار باقي قرى وبلدات الريف".