يدخل المنتخب المغربي الأول غمار مونديال روسيا 2018 وعينه على إنجاز دورة مكسيكو 1986، والتحدي أمام هيرفي رونار وكتيبته تجاوز هذا الإنجاز الكبير أو على الأقل معادلته. لا خلاف في أن بلوغ المغرب للدور الثاني من المسابقة هو أقصى ما حققته الكرة المغربية في تاريخها على الصعيد العالمي، احتفل المغاربة بالحدث بما فيه الكفاية؛ بل صار بالنسبة إليهم مرجعا للذكرى والمقارنة، وأصبح الآباء يحدثون به الأبناء، وتحكيه الأجيال للتي تليها، لكن بعد مضي 32 سنة على الحدث لم تخضع هذه التجربة قط للتقييم الكروي الذي يأخذ مسافة من الحدث، ليطرح أسئلة عن عوامل نجاح التجربة وأسباب توقف هذه المغامرة وعدم بلوغها لأبعد مدى كان يمكن أن تصله. تعود بداية فريق 1986 إلى ما بعد الخسارة المذلة أمام الجزائر بالدار البيضاء في 09 دجنبر 1979، حينها صدرت الأوامر بإبعاد جميع اللاعبين من جيل الهزاز وفرس وتكوين منتخب شاب، تصادف ذلك مع تألق مجموعة شابة وفوزها بدوري دولي بالصين، كان من عناصرها بادو الزاكي ومحمد التيمومي وعزيز بودربالة وعزيز الدايدي وغيرهم، وهم الذين سيشكلون مع بعض المخضرمين نواة المنتخب الذي سيتألق في نهائيات كأس إفريقيا بنيجيريا 1980، بعدها أصبحت هذه المجموعة تنقح بالزيادة والنقصان على مدار الاستحقاقات اللاحقة ومنها ألعاب البحر الأبيض المتوسط بالدار البيضاء 1983 والألعاب الأولمبية بلوس أنجلس 1984 والألعاب العربية بالرباط 1985 إلى أن تشكلت معالمها النهائية مع المدرب البرازيلي خوسي فاريا الذي تلقى المشعل من مواطنه جايم فلانتي، وكان القرار قد صدر من أعلى المستويات بالقطيعة مع مدارس شرق أوروبا وفرنسا في التدريب التي بصمت الكرة المغربية طيلة عقد من الزمن مع (فيدينيك وماردريسكو وكليزو وفونطين) والتحول إلى المدرسة البرازيلية التي قيل إن الملك الحسن الثاني كان متيما بأسلوبها في الأداء. جرت الإقصائيات المؤهلة لمكسيكو 1986 بنظام خروج المغلوب، ولم تكن سهلة بالنسبة إلى المغرب الذي اجتاز عقبات سيراليون (0-1 و 4-0) ثم المالاوي (2-0 و 0-0) فمصر (0-0 و2-0) وأخيرا ليبيا (3-0 و 0-1). وضعت القرعة المغرب في المجموعة السادسة التي ستجري مبارياتها بمدينة مونتيري، وضمت ثلاثة منتخبات أوروبية كبيرة؛ وهي بولونيا صاحبة المركز الثالث في آخر نسخة بمونديال إسبانيا 1982، والبرتغال التي تألقت ببلوغها المربع الذهبي في كأس أوربا للأمم بفرنسا 1984، ثم إنجلترا المرشحة فوق العادة للقب. اعتبرت هذه المجموعة ثاني أقوى المجموعات، بعد مجموعة الموت التي ضمت ألمانيا والأورغواي والدانمارك وإسكتلندا. أجمع كل المتتبعين حينها على أن المغرب هو الحلقة الضعيفة في المجموعة، وسيخسر جميع مبارياته. أما التفاصيل فستكون في الحصص التي ستفوز بها عليه باقي المنتخبات. كان المغرب أول فريق يصل إلى المكسيك، إذ وصل 35 يوما قبل انطلاق المنافسات؛ وهو ما أسهم في التأقلم مع الأجواء وتفادت الإدارة التقنية تكرار خطأ دورة مكسيكو 1970 حين بلغ التعب مبلغه من عناصر الفريق في النهائيات، والمفارقة هي أن الفريق الوحيد الذي وصل مع المغرب في التوقيت نفسه لم يكن سوى منتحب الأرجنتين الذي توج باللقب. مباراة اكتساب الثقة وكفى خاض المغرب أول مبارياته أمام بولونيا يوم 2 يونيو 1986 بملعب أونيفيرسيتاريو بمدينة مونتيري تحت قيادة الحكم خوصي لويس مارتينيز بازان من الأورغواي أمام قرابة 20 ألف متفرج. مصطفى الحداوي في صراع مع نجم المنتخب البولوني بونياك دخل المدرب خوسي فاريا المباراة بهاجس وحيد هو تفادي الهزيمة مهما كلف الثمن، واعتمد في أغلب أطوار اللقاء على شاكلة دفاعية صارمة هي 4-5-1 التي تتحول إلى 4-4-2 في وضعية الهجوم، اعتمد فاريا تشكيلته الجاهزة منذ الإقصائيات والمشكّلة من الزاكي بادو حارسا وخليفة العبد وعبد المجيد لمريس ظهيرين ثم مصطفى البياز ونور الدين بويحياوي في قلب الدفاع وعبد المجيد الظلمي ومصطفى الحداوي في متوسط الميدان الدفاعي ثم عزيز بودربالة ومحمد التيمومي في متوسط الميدان الهجومي ثم عبد الكريم ميري (كريمو) وشقيقه مصطفى ميري في الهجوم هذا الأخير كان يعود في أغلب أطوار اللقاء لمساندة خط الوسط في تفعيل لشاكلة 4-5-1 . كان الصبغة الدفاعية بادية من اعتماد تقنية "دفاع المنطقة"، وحظر فاريا على الظهيرين (خليفة ولمريس) اعتماد نهج أتقناه في الإقصائيات وهو الصعود لمساندة الهجوم، لم تُفرض الحراسة اللصيقة إلا على بونياك نجم أس روما الإيطالي والذي كان يتناوب الجميع على مراقبته دون تخصيص لاعب معين لهذه المهمة. كان بناء العمليات المغربية يبدأ من الخلف من رجل الربط عبد المجيد الظلمي، وبرز محمد التيمومي في مهام الموزع، وأسهمت انطلاقات عزيز بودربالة السريعة ومراوغاته في تخفيف الضغط على الدفاع المغربي؛ لكن الهجوم المغربي كان غائبا وظل كريمو معزولا في الأمام داخل غابة من اللاعبين البولونيين. اعتمد الفريق البولوني نهج 4-4-2، وكان في بناء العمليات يشبه الفريق المغربي، كانت العمليات تبدأ من الخلف من بونكول وماتشيك إلى رجل الارتكاز بونياك الذي كان يحاول اختراق الدفاع المغربي من الوسط أو ينقل الكرة يمينا إلى زيكنوفسكي أو يسارا إلى سمولاريك دون خطورة كبيرة على الدفاع المغربي. أحكم المغرب سيطرته على وسط الميدان، وكان في أغلب مجريات المباراة الأكثر احتكارا للكرة باستثناء فترات قصيرة في نهاية الشوطين، حين اندفع الفريق البولوني لتحقيق السبق. لم تكن فرص التسجيل وافرة من الطرفين، وسجلت من الجانب المغربي قذفة واحدة في الإطار من جانب التيمومي خلال الشوط الأول، فيما كانت أبرز محاولات الفريق البولوني قذفة مركزة من بونياك أخرجها الزاكي بصعوبة إلى الزاوية. تميز عبد المجيد الظلمي كأحسن لاعب داخل رقعة الملعب، لدوره الكبير في تكسير اللعب البولوني وفي إمداد زملائه بالكرة؛ لكنه ارتكب خطأ فادحا خمس دقائق قبل الختام، حين أخطأ في تمرير الكرة فتلقاها اللاعب البولوني إيربان الذي قذفها لترتطم بأسفل القائم الأيمن وترتد أمام المرمى، وكان بالإمكان أن تتحول إلى الهدف القائل لولا وجود نور الدين البويحياوي الذي كان أسرع من زيكنوفسكي، لتنتهي المباراة بالبياض. في العمق، لم تكن بولونيا بالقوة الكبيرة التي كان يعتقدها المغاربة، وكانت في المتناول أمام فريق مغربي متماسك أحكم سيطرته على الوسط؛ إلا أن الخطة التي انتهجها المدرب كانت محتشمة. والدليل على أن بولونيا أعطيت أكثر من حجمها هو أنها انهارت في مباراتيها الأخيرتين في المونديال واستقبلت شباكها سبعة أهداف في خسارتين لتخرج من الباب الضيق للمونديال. الدفاع المغربي يتحمل ثقل مباراة هي الأصعب للمغرب في المنافسة جرت المباراة الثانية أمام إنجلترا يوم 06 يونيو 1986 بملعب تيكنلوجيكو بمونتيري تحت قيادة الحكم غبرييل كونزليس من البارغواي أمام 20 ألف متفرج، كانت ثاني مباراة تجرى في شهر رمضان المعظم، وقبلها نازلت إنجلتراالبرتغال في المباراة الأولى، وخرجت بخسارة بهدف من تسجيل كارلوس مانويل، فتذيلت الترتيب بعد أول مباراة؛ وهو ما جعل أي نتيجة غير الفوز في غير مصلحة الإنجليز. مصطفى البياز يحاول منع قلب هجوم انجلترا مارك هاتلي من التسديد دخل فاريا المباراة بنفس تشكيلة مباراة بولونيا مع تعديل بسيط هم تعويض مصطفى الحداوي بعبد الرزاق خيري في الوسط، وظل وفيا لخطته الدفاعية الصارمة التي ترتكز على شاكلة 4-5-1. اعتمد الإنجليز أسلوبهم التقليدي بالاعتماد على الكرات العرضية الطويلة، وكانت تنطلق إما من الظهيرين ستيفنس وسانسوم أو من الوسط عن طريق برايان روبسون وغلين هودل وويلكنز أو عبر الجناح النشيط كريس هودل، وتتجه كلها إلى رأسي الحربة مارك هاتيلي وكراي لينكير. وأسهم هذا الأسلوب، الذي صاحبته السرعة في التنفيذ، في إرهاق الدفاع المغربي الذي تحمل ثقل المباراة، وتميز منه مدافعي الوسط مصطفى البياز ونور الدين البويحياوي اللذين تفوقا على اللاعبين الإنجليز في قطع الكرات وفي الضربات الرأسية. على مستوى فرص التسجيل، لم يقم المغرب بمحاولات تذكر اللهم قذفة لخليفة خارج الإطار وأخرى لمحمد التيمومي داخل الإطار؛ وهو ما أثار تساؤلات عدة عن الهجوم المغربي، خصوصا أن المغرب لعب بتفوق عددي لمدة 50 دقيقة كاملة بعد طرد لاعب وسط أس ميلان راي ويلكنز منذ الدقيقة ال42؛ نقص عددي لم يستثمره الفريق المغربي كما لم يستثمر خروج صانع ألعاب المنتخب الإنجليزي برايان روبسون. والحقيقة أن الهجوم كان نقطة ضعف هذا المنتخب الكبير، ففي التصفيات المؤهلة جاءت أغلب الأهداف من أقدام لاعبي الوسط، أما في النهائيات فسجلت عدة مؤاخذات على الهجوم المغربي منها غياب الهجمات المرتدة السريعة التي تصنع الفرق في هذه المنافسات، وغياب الأطومتيزمات الهجومية والتبادل الكروي السريع الذي يربك الخصم في منطقته، وغياب القدرة على الاختراق إذ إن اللاعب الوحيد الذي كانت هذه الميزة كان هو عزيز بودربالة؛ إلا أن أسلوبه كان استعراضيا ولم يسهم في خلق فرص لزملائه. أما رأس الحربة كريمو فعلاوة على أنه كان في أغلب المباريات معزولا عن باقي زملائه، فقد كان يفتقد إلى التقنيات العالية، وكانت كل سمعته في فرنسا أنه كان متمم عمليات ممتاز. انتهت المباراة على وقع البياض، وكانت أصعب المباريات التي خاضها المغرب في المنافسة. وحتى نعلم قيمتها وقيمة الخصم، يجب أن نستحضر العروض القوية التي قدمتها إنجلترا بعد ذلك، إذ لم يوقف زحفها إلا البطل الأرجنتين في دور الربع بفضل لمسة يد لماردونا وخطإ تحكيمي قاتل للتونسي علي بناصر. المغرب يفوز في المباراة الوحيدة التي دخلها بالرغبة في الفوز جرت المباراة الثالثة أمام البرتغال يوم 11 يونيو 1986 بملعب خليسكو بغوادلاخارا (واد الحجارة) أمام جمهور بلغ 28000 متفرج، وقاد المباراة الحكم آلان سنودي من إيرلندا الشمالية. دخل الفريقان برصيد نقطتين لكل منهما؛ البرتغال من فوز يتيم والمغرب من تعادلين سلبيين، مما يعني أن نتيجة المباراة لن تقبل القسمة على اثنين، ويجب على كل منتخب أن يفوز لينتقل إلى الدور الموالي. كان الضغط على البرتغال كبيرا، فقد دخلت المباراة بإعاقتين تمثلت الأولى في فقدان حارسها الكبير مانويل بينتو لاعب بينفيكا الذي أصيب وانتهت مسيرته في المونديال منذ المباراة الأولى، فيما كانت الثانية الهزيمة المفاجئة أمام بولونيا، بالمقابل دخل المغرب بثقة أكبر بعد تعادلين مستحقين أبرزا صلابة دفاعه وقوة وسط ميدانه. حافظ خوسي فاريا على التشكيلة نفسها التي خاضت مباراة إنجلترا مع استعادة مصطفى الحداوي وتعديل في الخطة أظهر ميلا أكبر إلى الهجوم مع شاكلة 4-4-2، ظهرت النوايا الهجومية للمغرب منذ البداية مع قذفة عزيز بودربالة من 25 مترا مرت قرب القائم الأيمن للحارس البرتغالي. لم تمض إلا تسع عشرة دقيقة من اللعب حتى فاجأ عبد الرزاق خيري الجميع بهدف من قذفة مركزة من بعيد استقرت في أسفل القائم الأيمن من المرمى البرتغالي بعد تلقيه تمريرة خاطئة من أحد لاعبي الخصم، كان وقع الهدف مفاجئا على الفريق البرتغالي الذي تحرك للتعديل فانكشفت خطوطه. عبد المجيد الظلمي في صراع على الكرة مع اللاعب البرتغالي ألفارو ماغاليس وبعد أقل من عشر دقائق، سيرفع خليفة العابد كرة عالية إلى المعترك بعد تمريرة من كريمو، وسيتلقفها خيري هذه المرة بالقدم اليسرى قبل أن تنزل على الأرض مسجلا هدف صنف ضمن أجمل أهداف الدورة. ظهر لجميع المتتبعين أن مهمة البرتغال صارت شبه مستحيلة أمام حارس كبير أظهر براعة كبيرة في صد قذيفة صاروخية لانطونيو دو سوسا ودفاع صلب ووسط متماسك. في حدود الدقيقة ال62 من الشوط الثاني، وبينما كان الفريق البرتغالي يضغط للرجوع في النتيجة، نفذ المغاربة كرة جماعية أنهاها بودربالة بتمريرة للتيمومي الذي لاحظ وجود كريمو في وضعية مثالية فما كان أن رفع إليه الكرة وتلقاه قلب هجوم الأسود لينفرد بالحارس ويودع الكرة في يمين القائم الأيمن. ألقت البرتغال كل ثقلها على نصف الملعب المغربي، وبعد بناء جماعي انطلق من الخلف في الدقيقة ال82 انتهت الكرة بالمعترك المغربي ولم يستطع الحارس الزاكي الذي تعثر ودفاعه إبعادها فارتدت إلى اللاعب ديمونتينو الذي استغل خروج الحارس ليرفع الكرة على الجميع مسجلا هدف البرتغال الوحيد. بالنسبة إلى المغرب كانت المباراة الثالثة والأخيرة الوحيدة في المونديال التي دخلها باندفاع هجومي فكان ذلك سر فوزه. أما البرتغال فقد كانت تسع دقائق في منتصف الشوط الأول كافية لتنهار. انتهت المباراة بثلاثة أهداف لواحد، وبات المغرب أول بلد إفريقي وعربي يتأهل للدور الثاني في كأس العالم بعد تصدره للمجموعة السادسة بأربع نقط دون هزيمة أمام إنجلترا بثلاث نقط المتقدمة بالنسبة العامة على بولونيا التي مرت أيضا إلى الدور الموالي ضمن أفضل أصحاب المراتب الثلاث في البطولة، فيما تذيلت البرتغال الترتيب بنقطتين. بيكنباور يتفوق على فاريا في التكتيك وفي الكوتشينغ اقتضت القرعة المرتبة مُسبقا أن يقابل المغرب متصدر المجموعة السادسة ثاني المجموعة الخامسة، الذي لم يكن سوى منتخب ألمانيا الغربية التي سبق لها أن قابلت المغرب في أول ظهور له في المونديال بالمكسيك 1970 وفازت عليه ب2-1. نظريا، دخل المغرب المباراة بامتياز كبير؛ فهو يلعب في مدينة مونتيري التي استأنس بها وبأجوائها لما يقارب الشهرين وفي درجة حرارة مرتفعة لا شك ستشكل عائقا بدنيا أمام الألمان؛ لكنه دخل بغياب وازن في شخص قلب الدفاع ورجل الأمان مصطفى البياز. في الندوة الصحافية التي سبقت المباراة، أبدى فرانز بيكنباور إعجابه باللاعب التيمومي ربما لأنه ذكره بأناقته الكبيرة في الميدان حين كان لاعبا؛ ولكن أيضا بالحارس بادو الزاكي الذي قال إنه يصعب التسجيل عليه إلا من كرة ثابتة، والوقوف على هذه التفصيلة مهمة فيما سيأتي من أحداث. جرت المباراة يوم 17 يونيو 1986 بملعب أونيفيرسيتاريو بمدينة مونتيري على الساعة الرابعة بالتوقيت المحلي أمام ما يقل عن عشرين ألف متفرج تحث قيادة الحكم اليوغوسلافي زوران بيتروفيتش. حافظ على فاريا على ذات المجموعة التي حققت نصر البرتغال مع تعديل وحيد هم إشراك لحسن الوداني (حسينة) محل البياز المصاب. حسب ما صرح به أكثر من لاعب مغربي من الذين شاركوا في المباراة، كانت خطة خوسي فاريا تستهدف إنهاء المباراة بالبياض محاولا إنهاك الألمان الذين يلعبون تحت درجة حرارة مرتفعة وجرهم إلى الأشواط الإضافية ولما لا ركلات الترجيح. وحكى الصحافيون المغاربة الذين رافقوا المنتخب أن اللاعبين تدربوا على تنفيذ ركلات الجزاء، وقد رأى كثيرون في الرهان مغامرة غير مأمونة العواقب؛ لأن المنتخب الألماني يستطيع أن يفاجئ الخصم في أي لحظة قبل أن تنتهي المباراة، وإذا سجل صعب على الخصم الرجوع في المباراة. وحتى على فرض الوصول إلى ضربات الترجيح، فإن المهمة ستكون مستحيلة أمام منتخب يتوفر على أفضل منفذي ضربات الجزاء في العالم وحارس مرمى من أفضل المتخصصين في صد ضربات الجزاء ألا وهو هارالد شوماخر. كان خطأ فاريا أنه لم يستثمر نصر البرتغال ويزرع في اللاعبين الثقة بإمكانية تجاوز ألمانيا في 90 دقيقة، وعاد للانكماش الدفاعي الذي ميز المباراتين الأولييين أمام بولونياوالبرتغال. عبد الرزاق خيري في التحام مع النجم الالماني كارل هاينز رومينيجه في الجانب الألماني، شاهد بيكنباور جميع مباريات المغرب في الدور الأول، وكوّن فكرة عن الخطة الكفيلة بوقف المنتخب المغربي، وركز على مكامن الخطورة في المنتخب المغربي، كانت خطته المراقبة اللصيقة لعزيز بودربالة وعبد الرزاق خيري وعدم ترك مسافات حرة أمامهما، تناوب كارل هانز فورستر وياكوبس على مراقبة بودربالة فنجحا في إبطال خطورته فقدم أسوأ مبارياته في المونديال. وخلافا للخصوم السابقين، عمد الألمان إلى نهج الضغط على حامل الكرة ولم يتركوا خيارات كبيرة للاعبين المغاربة. وبالإجمال، سجل تفوق ملحوظ للاعبين الألمان على نظرائهم المغاربة بدنيا وتقنيا؛ تجلى ذلك في نجاحهم في كسب أغلب النزالات الفردية داخل الميدان، ولم يقدم أغلب اللاعبين المغاربة كبير عطاء مقارنة بالمباريات الأولى باستثناء مصطفى الحداوي لاعب لوزان السويسري الذي لعب مباراة كبيرة، جعلت كثيرون يعتقدون بأن فاريا أخطأ حين وقع في حب اللاعبين، ولم يقم بالتغييرات اللازمة لإرباك الألمان ومنها إقحام عز الدين أمان الله لاعب بوزنسون الفرنسي مكان عبد الرزاق خيري الذي لم يقدم شيئا يذكر، ربما لأن تجربة أمان الله الاحترافية ولياقته واندفاعه البدني كانت كفيلة بإعادة نوع من التوازن داخل الميدان. لم يخلق المغاربة أية فرصة سانحة للتسجيل باستثناء قذفة التيمومي فوق القائم في آخر أنفاس الشوط الأول، بعدها مباشرة ستأتي هجمة ألمانية ضد مجرى اللعب انتهت معها الكرة أمام رومينغيه الذي انفرد بالمرمى وقذف كرة مباغتة تلقفها الزاكي بإعجاز. اندفع الألمان في الشوط الثاني بكل ثقلهم تجاه المرمى المغربي، إلا أنهم اصطدموا بدفاع متماسك، ضربة مقص بديعة لكارل هانز رومينغيه فوق القائم، وتمريرة خاطئة للحداوي انتهت عند لوثر ماتيوس في الجهة اليسرى الذي انفرد بالمرمى ومرة أخرى أنقذ الزاكي مرماه بما يشبه الإعجاز. وبينما كانت المباراة تتجه إلى نهاية وقتها الأصلي في الدقيقة ال87، اقترف حسينة خطأ ضد رومينغيه، احتسب الحكم على إثره ضربة خطأ مباشرة تقدم لتسديدها لوثر ماتيوس، تشكل الحائط المغربي من أربعة لاعبين، قبل أن يقذف ماتيوس خرج البويحياوي من الحائط مرتدا إلى الخلف، وكان ماتيوس قد اختار بعناية أن يقذف من المكان الخالي من التغطية في الحائط، وقبل أن تصل تسديدته مربع خمسة أمتار ارتطمت بالأرض فتغير اتجاهها لتفاجأ الزاكي الذي أتى رد فعله متأخرا. لم يستطع اللاعبون المغاربة فعل أي شيء في أقل من دقيقتين، ليصفر الحكم اليوغسلافي معلنا نهاية الحلم المكسيكي بالنسبة إلى المغاربة. بعد 32 سنة من الحدث، ما زالت الأسئلة تتناسل عما إذا كان بالإمكان أبدع مما كان، يعتقد البعض بأن منتخب مكسيكو 1986 كانت منتخبا متماسكا في أغلب خطوطه: حارس عملاق؛ دفاع صلب ومتماسك؛ وسط ميدان منظم ومتكامل المهارات، كان هنالك بعض النقض في الهجوم، إلا أن ذلك لم يكن ليمنع هذا المنتخب من الذهاب بعيدا في المنافسة، ولو آمن بقدراته لبلغ على الأقل دور النصف و كان هو الذي سيواجه فرنسا في المربع الذهبي، على النقيض يرى البعض الآخر أن هذا المنتحب تتوفر فيه كل المقومات المذكورة، لكن الذهاب بعيدا في مثل هذه المنافسات لا يتاح عادة إلا للمنتخبات التي تمتع بحس المغامرة والاندفاع الهجومي، بينما لعب المنتخب المغربي في مجمل المنافسة بنهج دفاعي محافظ وأن مسيرته توقفت بشكل منطقي بعد أن واجه فريقا أقوى منه. لا شك في أن جيل الثمانينيات كان أفضل أجيال الكرة المغربية على الإطلاق، فقد حقق أفضل نتائج المغرب في كأس إفريقيا عدا مشاركتي 1976 و2004، فانتزع المرتبة الثالثة في نيجيريا 1980 والرابعة في مصر 1986 والمغرب 1988، وفاز بالميدالية الذهبية في ألعاب البحر الأبيض المتوسط بالدار البيضاء 1983 وبلغ الدور الثاني في كأس العالم، يؤسف فقط أن هذا الجيل لم يختتم مشواره بلقب كبير، وكان سيكون كأس إفريقيا للأمم بالمغرب 1988 لولا أن جرت الرياح بما لا تشتهيه سفن المغاربة.