لم يعد يفصلنا عن مونديال روسيا سوى أيام قليلة، لننعم بمشاركة وطنية مغربية طال انتظارها لعشرين عاما. طيلة شهر رمضان الأبرك نسرد لكم حلقات من كأس العالم: ملحمة المغرب، والتي نعرض فيها لأهم ما شهده تاريخ الكرة المغربية مع المونديال، بداية من أولى الحكايات إلى آخر القصص، سواء تعلق الأمر بالمباريات، النجوم الحية أو التي غادرت إلى دار البقاء، والمدربين الذين بالمقابل، غادروا كلهم إلى مثواهم الأخير. كانت مباراة المغرب ضد بولونيا، والتي جرت بالملعب الجامعي بمونتيري المكسيكية، أمام 19 ألف متفرج، تجديدا للعهد الذي ربط أسود الأطلس بالمونديال، وغابوا عن نهائياته منذ نسخة 1970 والتي أقيمت بالبلد نفسه. واعتبرت المباراة الثالثة التي تجمع أسود الأطلس بمنتخب أوروبي في نهائيات المونديال، بعد مباراتيهم أمام كل من ألمانيا الغربية وبلغاريا في مكسيكو 1970، بعد أن وضعت قرعة نهائيات 1986 المنتخب الوطني المغربي في مجموعة تضم ثلاث منتخبات أوروبية أخرى هي بالإضافة إلى بولونيا منتخبا إنجلتراوالبرتغال. وكما كان الشأن في مونديال 1970، استصغر الجميع المنتخب الوطني المغربي، وظنوا أنه سيكون لقمة سائغة في فم كل هاته المنتخبات الأوروبية العتيدة، وعلى رأسها المنتخب البولوني، الآتي إلى المكسيك بباع تاريخي، حمله إلى نصف نهائي النسخة السابقة، عام 1982 بإسبانيا، بل إلى المرتبة الثالثة، والميدالية النحاسية آنذاك، بعد فوز في مباراة الترتيب على فرنسا ب 3-2. الكل تخوف في بادئ الأمر من نجوم المنتخب البولوني، على رأسهم بونياك زبيكنيو، وفلودزمير سمولاريك، لكن هذا التخوف سرعان ما سينجلي ما أن بدأت المباراة، التي شهدت في جولتها الأولى اكتساحا مغربيا، لم نتابع معه أية فرصة للتهديد من طرف رفاق بونياك وسمولاريك.المنتخب المغربي، الذي دخل المباراة، بعد تحضيرات عادية، كما كان الشأن، قبل ستة عشر سنة، عندما رحل إلى المكسيك للمشاركة في المونديال لأول مرة في تاريخه، اعتمد على تشكيلة ظلت تلعب في ما بينها في السنين الأخيرة، تحت إمرة المدرب الراحل، البرازيلي، المجنس مغربيا بعد ذلك، جوزي المهدي فاريا، الذي وافته المنية في الثامن من أكتوبر عام 2013. واعتمد فاريا على العميد الأسطورة، بادو الزاكي في حراسة المرمى، وعلى كل من خليفة العابد كظهير أيمن، وعبد المجيد اللمريس كظهير أيسر، ومصطفى البياز، ونور الدين البويحياوي في قلب الدفاع، ثم على كل من عبد المجيد الظلمي، ومحمد التيمومي، ومصطفى الحداوي، وعزيز بودربالة، على مستوى وسط الميدان، وكل من الإخوان ميري مصطفى وكريمو في الخط الأمامي.أما المنتخب البولوني فدخل المباراة بتشكيلة ضمت كلا من الحارس ملينارسزيك، وبونياك، وماتيزيك، وبونكول، وماجيفسكي، وأوستروفسكي، وكومورنيسكي، وكوبيسكي، وجسيسكي، ودزيكانوفسكي، وسمولاريك. وكان أسود الأطلس أسودا حقا خلال هاته المباراة الأولى، إذ بادروا إلى التهديد، وتسيدوا الشوط الأول، فأضاعوا خلاله أربع فرص سانحة للتسجيل، عن طريق تسديدات من خارج منطقة العمليات، ثلاث منها بواسطة بودربالة، وواحدة من اليسرى السحرية للتيمومي، وكلها شهدت تصديات الحارس البولوني ببراعة كبيرة، عدا واحدة، مرة خلالها صاروخية الموسيقار داخل أرضية الميدان، بودربالة، بسنتمترات قليلة عن الجهة اليسرى من مرمى البولونيين. وإذا ما كان البولونيون أكثر احتشاما خلال تلك الجولة الأولى، التي لم يهددوا فيها قط مرمى الزاكي، فإنهم بالمقابل كانوا أكثر خطورة خلال الشوط الثاني، إذ سنحت لهم فيه أربع كرات مهمة، تصدى لأولاها الحارس العملاق، بعد تسديدة من داريوس دزيكانوفسكي، تلتها محاولة ثنائية انتهت بتسديدة خارج المرمى، قبل أن يقوم الزاكي بأحلى التصديات، ولربما واحد من أعظمها خلال المونديال بأكمله، بعد إخراجه للكرة إلى الركنية بطريقة ولا أجمل، يتذكرها المغاربة منذ ذلك الوقت، ليهدد بعد ذلك بونياك بالتسديد في القائم الأيمن من مرمى الحارس العملاق، دون أن تجد الكرة بعد ذلك سوى الدفاع المغربي الذي أعادها إلى حارسه. بالمقابل، لم يقف الأسود، الذين أخطؤوا في مرات قليلة خلال مباراة بولونيا، نتيجة ضغط المباراة، وهي المرات التي كادت أن تتسبب في الهدف، لولا براعة الزاكي، مكتوفي الأيدي، إذ سنحت لهم هم الآخرين محاولتين خلال الشوط الثاني، كادتا تهديان الانتصار والفرحة للمغاربة بواسطة كريمو، الذي مرر كرة عرضية في الوهلة الأولى، أخرجها الحارس البولوني بصعوبة إلى الركنية، قبل أن تتاح للاعب نفسه فرصة أخرى من رأسية جميلة، بعد تلقيه لكرة من رجل اللمريس، غير أنها مرت محاذية لمرمى الخصوم، بسنتيمترات قليلة أيضا.وقام فاريا بإجراء تغييرين عند نهاية المباراة، كان الهدف منهما كسب الوقت لا أقل ولا أكثر، في سبيل الخروج على الأقل بنتيجة التعادل السلبي، الذي يعتبر نتيجة مرضية جدا للأسود، في أولى مبارياتهم بمكسيكو 1986، وأمام خصم من العيار الثقيل، إذ أشرك عزيز السليماني مكان الحداوي في الدقيقة 87، وعبد الرزاق خيري مكان التيمومي في الدقيقة 88. ويصفر حكم المباراة نهايتها بتعادل سلبي، أفرح اللاعبين على مستوى رقعة الميدان، وأفرح المغاربة كثيرا بالمغرب وخارجه، ليعلن عن أول نقطة في رصيد الأسود، ضمن المجموعة السادسة من مكسيكو 1986، علما بأنه يوما بعد ذلك سيتمكن البرتغاليون من حسم الأمور لصالحهم في مباراتهم أمام إنجلترا، إذ فازوا فيها بهدف اللاعب مانويل كارلوس. النقطة التي أحرزها المغرب كانت هي الثانية في تاريخه مع المونديال، بعد التعادل المحصل عليه في آخر مباراة برسم مكسيكو 1970، أمام بلغاريا بهدف لمثله، وفي الآن ذاته كانت هاته النتيجة أول تعادل سلبي لأسود الأطلس في مباراة لهم بالمونديال تاريخيا دائما. 6 فاريا.. فخر الكرة المغربية خوسي فاريا أو مهدي فاريا كما يحب المغاربة المناداة عليه بعد دخوله الإسلام، من المدربين القلائل الذين حفروا اسمهم بأحرف من ذهب في تاريخ الكرة المغربية، سواء مع المنتخب الوطني.مهندس ملحمة مكسيكو 1986 التي ظلت عصية على كل المدربين الذين تعاقبوا على تدريب الأسود إلى يومنا هذا. وافته المنية يوم 8 أكتوبر 2013، عن عمر يناهز 80 عاما، بعد معاناة طويلة مع المرض، ليسلم روحه إلى بارئها، بعد مسار حافل من الإنجازات الكروية رفقة الجيش الملكي ووفي ما بعد مع المنتخب الوطني.ذو الأصول البرازيلية يعد رمزا وذاكرة الكرة المغربية، سواء مع الجيش الملكي الذي صنع معه فترة ذهبية كللت بمجموعة من الألقاب المحلية والقارية، يبقى أبرزها كأس إفريقيا للأندية البطلة سنة 1985، أو مع المنتخب الوطني.فاريا بلمسته البرازيلية كون جيلا ذهبيا للمنتخب الوطني ضم الزاكي، وبودربالة، والظلمي، والتيمومي.. بصموا في مونديال مكسيكو 1986 على مشاركة ظلت مدونة في تاريخ الكرة المغربية بحبر من ذهب، وصفق لها العالم بأسره، بعدما أهل «الأسود» إلى الدور الثاني متصدرا لمجموعة ضمت أعتد المنتخبات على غرار البرتغال، وإنجلتراوبولونيا، ليصبح منتخبنا الوطني أو منتخب إفريقي وعربي يبلغ الدور الثاني لنهائيات كأس العالم.