أقدمت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية على عقد اجتماع استثنائي مستعجل من أجل مدارسة مستجد جلل يتعلق بمشاركة أحد وزراء الحكومة « لحسن الداودي » في وقفة نظمها عمال شركة « سنترال » التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل أمام البرلمان المغربي. سلوك خلف ضجة إعلامية كبيرة داخل مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الاعلام الالكتروني باعتباره شاهدا على أول حالة لوزير حكومي يقف جنبا إلى جنب عمال محتجين، بل ويهمس في أذن أحدهم برفع شعار « هذا عيب هذا عار الاقتصاد في خطر ». مشهد منفرد يدل بوضوح لا لبس فيه، على إرادة للوزير المعني استغلال الاحتجاج سياسيا، وتقديم موقف صريح بتبني هذه الوقفة وليس فقط دعمها، مما يجعل الأمر مستفزا لأولائك الذين اختاروا أن يقاطعوا منتوجات وسلعا تباع بالسوق المحلية. لكن هل كان هذا الحادث العارض لوحده هو من أوحى للسيد الوزير بتقديم طلب الإعفاء من الحكومة بعد أن أحس متزايد الغضب الشعبي ضد فعلته التي سكيت الزيت على النار؟؟؟؟ أقول لا، إن خرجات السيد الوزير في الإعلام والبرلمان قبل الوقفة المشؤومة، كانت تتسم بفقدان الحس السياسي المستوعب لإكراهات وخطورة الوضع الاجتماعي الذي يعيشه المغاربة، كانت تتناسى وضعا انحداريا تعرفه صورة حزب العدالة والتنمية، ولم تستحضر ارتفاع الاحتقان الاجتماعي بعد فشل توقيع اتفاق بين الحكومة والنقابات والباطرونا في إطار جلسات الحوار الاجتماعي، لم تأخذ بعين الاعتبار أن أغلب مؤسسات الدولة المغربية تعاني من تشكيك في مصادقية وجودها بسبب ضعف مواقفها وهزالة حصيلتها، من اختبار حراك الريف وحراك جرادة، إلى فشل العديد من المشاريع الاجتماعية والاستثمارية، إلى تراجع الحصيلة الحقوقية، وإخفاقات تدبير ملف الصحراء….. تصرف الوزير كان منعزلا مفتقدا للروح الجماعية التشاركية مع فريقه وحزبه، في إخراج اتسم بالصرامة اللغوية وعنف المواجهة، وكأنه الجاهر بالحق ولا حق بعده. لن يشكك أحد بأن موقفك أيها الوزير بتقديم طلب إعفاءك قوي وشجاع، ولن يتهمك عاقل بأنك كنت مواليا لجهة ما، ولن يتناسى شخص حصيلة إنجازاتك في تدبير عدد من الملفات، إلى جانب إخفاقاتك. لكن هل قدر حزب العدالة والتنمية والمغاربة أن يعانوا من أثار تدبير فاشل، سرعان ما يستقيل أصحابه، وتبقى نتائجه تتردد في المجتمع مخلفة رجات اجتماعية وسياسية، ما ذنب أولئك الذين صوتوا بقناعة واحترام لفائدة حزبك أيها الوزير لتخذلهم أنت وغيرك عبر هذه المواقف المتسرعة والمتشنجة التي تنم عن نسيان وعدم استحضار الالتزام الشعبي مع الجماهير وعموم الناس؟؟ سلوك الوزير ومن قبله لا يغدو أن يكون شجرة تحجب الغابة في طريقة وأسلوب عمل حكومة وحزب أغلبي، يستلزم العودة إلى الوراء ووقف التصريحات الاعلامية والخرجات الغير المحسوبة، وهنا أستحضر قرار الأمين العام السابق « عبد الاله بنكيران » الذي منع الوزير « الداودي » من حضور برنامج « التيجيني » على القناة الأولى، في خطوة تبدو مجحفة في قراءتها الأولى، لكنها بعد هذه الصدمات الأخيرة تظهر أن رئيس الحكومة السابق كان ماهرا في إخفاء عيوب فريقه، وأن صرامته كانت تبغي حماية حكومته وقيادات حزبه من منزلقات كان يتنبأ بها… طلب الإعفاء ليس حلا ولو قدمه معظم الوزراء، ومحاولة استفزاز باقي وزراء الأغلبية لتقديم استقالاتهم إسوة بالداودي، لا يمكن اعتباره إلا موقفا واهما لا يعي طبيعة التحولات السياسية في هذه المرحلة الدقيقة من عمر المغرب، والأجدر هو تسريع خطوات التحول السياسي داخل حزب العدالة والتنمية من ديمقراطية لا تتعدى حدود الشكل والمساطر إلى ديمقراطية حقيقية تتفاعل مع هموم الشعب وإكراهاته، قادرة على مواجهة التحديات والصعوبات بدل الانحناء للعواصف، ديمقراطية مجددة لخطابها وسلوكها السياسي بدل الارتكان للجمود ونبرة المحافظة التي لن تزيد الحزب إلا تراجعا وانحدارا… ويبقى السؤال الذي ننتظر إجابته: وماذا بعد استقالة الداودي؟؟؟؟ هل سيستقيل آخرون أم سيستقيل الحزب بأكمله؟؟؟؟