قال كريم التاج، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، إن الوزراء الذين أَطْلَقُوا العنان لكلمات وعبارات جارحة للشعب المغربي، في تفاعلهم مع حملة المقاطعة، عليهم أن يضعوا طلبات إعفائهم، أسوة بما يحدث في الدول الديمقراطية، مطالبا الحكومة الحالية بضرورة إيجاد أجوبة لكل المشاكل التي يعاني منها المغاربة. وأضاف التاج، في هذا الحوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن الحكومة عليها ألا تستهين بمطالب الناس المشروعة، وأن تركز على تخليق الحياة الاقتصادية المغربية بإخراج مجلس المنافسة إلى الوجود، من أجل محاربة الغلاء والاحتكار وكل مظاهر الفساد الاقتصادي، فضلا عن القطع مع الفئات التي تغتني على ظهر الشعب المغربي. وذَكَّرَ التاج في معرض حديثه بأن ما يجمع حزبه بحزب العدالة والتنمية هو "المعقول"، لكنه لم يخف أن ال "PPS" قد أدى ثمن التحالف مع التنظيم الاسلامي على عدة أصعدة، خصوصا في علاقته مع الأحزاب الأخرى، وكذلك على مستوى تصويت العديد من الأطراف التقدمية للحزب الإسلامي من أجل قطع الطريق على أطراف أخرى، مشيرا إلى أن حزبه مستعد للتحالف مع مختلف الأحزاب شريطة الوفاء والتعهد بمواصلة المشوار نحو الإصلاح المنشود. وإليكم نص الحوار: بداية مع المؤتمر الوطني العاشر وإعادة انتخاب نبيل بنعبد الله أمينا عاما للحزب، كيف يمكن قراءة هذا المعطى في ظل سقوط العديد من القيادات الحزبية التي رافقته في مرحلة ما بعد دستور 2011؟ أولا، لا مجال لمقارنة ما حدث في مؤتمرات باقي الأحزاب السياسية الأخرى مع حزب التقدم والاشتراكية، فانتخاب نبيل بنعبد الله جاء في سياق طبيعي جدا، ما كان مهما بالنسبة لنا هو أننا في حزب شارك في الحكومات بعد 2011 وتحمل المسؤولية، ثم جاء المؤتمر بعد ذلك من أجل اقناع المناضلين بالخط نفسه، وذلك ما تم. أنطلق من الخط نفسه الذي انتهيت منه، أظن أن كل الأحزاب تفاعلت مع الخطاب الملكي الذي انتقد الزعامات السياسية، حيث أجرت العديد من التنظيمات تغيرات في قياداتها، باستثناء التقدم والاشتراكية، ما قولكم؟ بالنسبة لنا عمق الخطاب الملكي كان يُرَكِزُ على الدفع بعدم تبخيس العمل السياسي والحزبي، وجعله مؤطرا بضوابط لضمان ممارسة سياسية تحتكم للأخلاق والبرامج والتدافع الشريف، من أجل استعادة ثقة المواطنين، لأن الممارسة السياسية السليمة مبنية أساسا على تقديم التضحيات، وليس في الخرجات السياسوية والضرب تحت الحزام وغيرها من السلوكيات. هذه المعطيات بالنسبة لنا يجب أن تُسْقَطَ كذلك على المستوى الانتخابي؛ إذ يجب العمل على أن تكون انطلاقة جميع الفاعلين السياسيين متساوية، والأصلح هو من اختاره المواطنون؛ وذلك ما يتطلب فاعلا حزبيا جادا ومن مستوى معين. ألا يمكن اعتبار إعادة تزكية الأمين تكريسا لمقولة غياب النخب السياسية الجديدة على المشهد السياسي المغربي؟ الحزب دائما له نخب، وعليك أن تدري أننا لا نولي أمرنا لمن يطلب ذلك، الأعضاء وافقوا على بنعبد الله أمينا عاما، وهي إرادة حزب، فبموجب القانون التنظيمي للمؤتمر، مطلوب ممن أراد الترشح أن يتقدم بعريضة مساندة فيها على الأقل ب10 في المائة من المؤتمرين، وعريضة نبيل فيها 700 توقيع، بمعنى أن الحزب اتخذ قراراه بعيدا عن التجديد الشكلي للنخب، لأن التجديد الشكلي للنخب قد لا يفي بالغرض. ألا تخشون أن تصير صورة بنعبد الله هي صورة الحزب، وبرحيله يرحل الحزب؟ الدوام لله، وهذا كلام غير صحيح وغير واقعي، لأن هناك قيادات تاريخية للحزب قبل نبيل بنعبد الله وهي التي كانت تدعمه، لكن طبيعة العمل الحزبي الحالي في المغرب، وفي الخارج، أصبحت تقتضي وجود قيادات كاريزمية، ونرى ذلك حتى في أعتد الدول الديمقراطية، مثل فرنسا، وكان الأمر كذلك في بدايات استقلال المغرب مقاطعاً، لكن في السياق الحالي هل الأمر سليم؟ أنا أرى أنه لا ضرر في ذلك إذا كان شخص يَتَمَتَّعُ بشخصية كاريزمية، ويَضْمَنُ أن تَمُرَّ الأمور بشكل ممتاز، في ضمانٍ تامٍ لوحدة الحزب، فهذا السؤال غير مطروح بالنسبة لنا. بخصوص الديوان السياسي للحزب، اعتبر العديد من المتابعين أنه يضم الكثير من أعضاء الدواوين ومن وزراء حكومة العثماني، ألم يعد للأعضاء الآخرين مكان داخل أجهزة الحزب؟ بلا، هناك أعضاء كانوا في الديوان قبل أن يكونوا وزراء، وأُحِيلُكُمْ على المؤتمرات السابقة والعديد من الشخصيات مثل عبد الواحد سهيل وبنعبد الله وخالد الناصيري، وكذلك القيادات الشابة، إضافة إلى أنني أظن أنه من الطبيعي أن يتم التصويت على أن يكون مسؤول حكومي في الديوان الحزبي، لإيصال صوت الحكومة إلى الحزب، والعكس كذلك، وحتى إن لم يكن عضوا داخل الديوان، فالحزب يُلْزِمُ عليه الحضور بصفة استشارية. في تحالفاتكم المستقبلية، هل مازلتم محتفظين بالتوجه نفسه بالتحالف مع حزب العدالة والتنمية رغم التغييرات التي طالت قيادته؟ مقاربتنا للتحالفات تعتمد على منطق خاص، فبعد انتخابات 2011، أردنا أن نتحالف مع القوى التي تريد الإصلاح والجدية، وهذا ما هو ثابت بالنسبة لنا إلى حدود الساعة، ولا نربطه بالأيديولوجيا، فلكل واحد أفكاره.. تحالفنا قائم على برنامج حكومي، وهو المهم في الوقت الراهن. أنا أقصد التحالف السياسي؛ إذ سجل المتتبعون تعاونا بين الحزبين خلال التحالفات في الجماعات وفي الانتخابات الجهوية الماضية. طبعا، كانت هناك تفاهمات، في الوقت الذي يتعلق فيه الأمر بشخصيات كبيرة من الطرفين، لكن خارج ذلك واسمح لي على هذا التعبير "كلا كيضرب على عرامو، مكنديرو ليهوم الطريق مكيديروها لينا"، إضافة إلى أننا أدينا ثمن هذا التحالف، فالعديد من الأحزاب كانت تَلُومُنَا على التحالف مع "البيجيدي"، وبعض الأوساط التقدمية التي كانت تصوت بشكل سياسي فضلت أن تدعمهم لقطع الطريق على أطراف أخرى، وهذا الأمر شكل لنا صعوبة في الانتخابات الماضية. لكن المهم بالنسبة لنا هو المحافظة على مبادئ وثوابت حزبنا وهدفه الذي يطمح إلى المغرب العادل، ووقت ما وجدنا حليفا مستعدا لكي يقطع معنا جزء من الطريق، فنحن مستعدون للتحالف معه على أساس الوفاء و"غانديرو ايدينا فيديه، لأنه معندناش المناورة والممارسة السياسوية". بعد رحيل العديد من الشخصيات "الصدامية" داخل المشهد وانتخاب أخرى "مهادنة" لم نسمعها يوما تنتقد حزب التقدم والاشتراكية، هل يمكن اعتبار الحزب منفتحا على هذه التنظيمات كذلك؟ الحزب منفتح على جميع الأحزاب السياسية الوطنية، لأن هناك ثوابت وطنية تجمعنا، وبالتالي لا نملك أي موقف عدائي رافض لفاعل سياسي وحزبي معين، فمثلا حزب الاستقلال ليس فقط حليفا، بل أكثر من ذلك، والعبرة بما سيجمعنا مستقبلا. وبالنسبة للأحرار؟ نحن أساسا معه في تحالف حكومي، ونراعي الواقع السياسي الحالي، هناك أغلبية وتحالف، لكن في أفق الانتخابات المقبلة، سنرى. من داخل هذا التحالف وهذه الأغلبية الحكومية لا نسمع كثيرا عن الحزب، كثيرا ما يهتم المتتبعون بأحزاب معينة غير التقدم والاشتراكية. أظن أن حزبنا كان هو الأول الذي عبر عن موضوع المقاطعة مثلا، في حين هناك أحزاب "خاشية راسها فالتراب بحال النعامة"، ووزراء آخرون يجب أن يضعوا طلبات إعفائهم بسبب العبارات التي وصفوا بها الشعب المغربي. الفاعل السياسي عليه أن يتخذ موقفا واضحا وأن يتحمل مسؤوليته، والمواطن يؤيد أو يعاقب في المستقبل، وأهم شيء من داخل الحكومة هو العمل والمساهمة في إيجاد حل للمشاكل التي تواجه المواطنين بشكل مستمر. أُوَضِّحُ أكثر، هناك أصوات عالية داخل الحكومة يسمعها المواطنون بشكل مستمر يغيب عنها التقدميون، ما قولكم؟ القطاعات التي يشرف عليها الحزب فيها أمراض مزمنة منذ عقود، ولا يمكن أن نبخس مجهودات التقدم والاشتراكية في قطاع الصحة مع تجربة الوردي، وقطاع الاسكان مع نبيل بن عبد الله. صحيح هناك مشاكل، لكن هناك تصورات داخل الوزرات من أجل العمل، ويلزمها الصبر والاجتهاد، بمعنى أن الحكم على أداء الحزب داخل الحكومة من خلال هذه القطاعات غير صحيح. أظن أن هذا يؤثر كثيرا على الحزب. فرغم تبوئكم لقطاعات تتوجه بشكل مباشر للمواطن، إلا أن وزراءكم يلاحظ غيابهم على لسان المواطنين، ألا تتفقون معي؟ لا أتفق مع هذا الطرح، لأن الوزيرة شرفات أفيلال أصبحت وجها مألوفا لدى المغاربة بعد عملها الكبير في قطاع الماء، إضافة إلى أن تحركات وزير الصحة أنس الدكالي بدأت تؤتي أكلها، وأتابعها بشكل كبير من خلال الإعلام، وأظن أن الإشكال أكبر ولا يمكن مقاربته بهذا الشكل. ال"بي بي اس" لطالما اشتكى من سحب عدد من المقاعد منه في التشريعيات الماضية، وكرر الأمين العام هذا المعطى في المؤتمر الماضي، من يدعم هذه الأطراف؟ ومن استفاد من مقاعدكم؟ ومن له مصلحة الإضرار بالتقدم والاشتراكية؟ لا وجود لنية الإضرار بحزب التقدم والاشتراكية لأنه حزب تاريخي ووطني، وباعتباره حزب مؤسسات ونضال ديمقراطي. كل ما في الأمر أننا نبهنا إلى أن بلادنا عليها أن تستمر في المسار الذي أخدته منذ اعتلاء الملك محمد السادس للعرش، وتقوى بكيفية أكبر بعد دستور 2011، لتعزيز الممارسة السياسية السليمة للذهاب في منطق المؤسسات. وهذه الممارسة لن تأتي إلا عبر انتخابات شفافة تعكس تمثيلية المواطنين، لكن هناك من له رأي مغاير؛ إذ إن الأمر سار في الاستحقاقات الماضية إلى غير ذلك، فالعديد من الأطراف ترى أن الخريطة السياسية يجب أن تذهب في هذا الاتجاه، وبالتالي "شي حد نحيدولو شوية ونزيدو لهذا شوية، وشي حد مزيان اوقف فهاد المستوى"، وهذا الأمر لا يعني بالنسبة لي أن أوساط داخل الدولة هي المسؤولة عنه. الأمر يتعلق بشبكات، كما يقع الفساد في التجارة يقع في السياسة بواسطة مسؤولين وسياسيين ومواطنين، وشيئا فشيئا تكبر هذه الشبكة لتصبح نفعية مصلحية، وتفضي بنا إلى هذا التشوه في الحياة السياسية. ويمكن قياس هذا من خلال أجواء الانتخابات التي تَغِيبُ في مكاتبها الحرمة، ولوائح الناخبين "كيوقع فيها العجب"، وتُعْلَنُ نتائج المكاتب قبل أن تُفْرَزَ الأصوات، ما يَجْعَلُ الناس يفقدون الثقة في الانتخابات ككل، وهذه المعطيات هي التي أفقدتنا مجموعة من الدوائر الانتخابية التي اعتبرناها للتقدم والاشتراكية. هذه الشبكات التي تتحدث عنها لا يمكن فقط أن يتسبب فيها مسؤولون ومواطنون لأن الصراع في مستوياته الدنيا مفهوم أن يطرح بهذا الشكل، لكن أن تعطى ل"هاذا هاكا وتحيد لهذا هاكا"، يقتضي تدخل أطراف قوية، أليس كذلك؟ شوف كاينين منتخبين لسنوات يكون شغلهم الشاغل هو الهندسة، لا يوجدون لا في مستويات عليا ولا متوسطة، هؤلاء يدافعون عن مصالحهم، في جماعتهم وبلادهم، ومصالحهم تقتضي أنهم "تابعينك تا في الانتخابات التشريعية". ومن وجهة نظري، المشكل يَكْمُنُ في أن الأطراف التي تَتَنَافَسُ بكيفية شريفة، لا توفر لها الدولة الحماية بالشكل اللازم، وهنا مكمن الخلل؛ لذلك لا يمكن أن نسمح بالفوضى وبالحياد السلبي. أنتم تنظيم تقدمي، ألا تجدون حرجا في علاقتكم مع التنظيمات اليسارية الأخرى في تحالفكم مع "البيجيدي" في مواضيع الحريات الفردية؟ حزب التقدم والاشتراكية كان دائما يَدْخُلُ في نقاشات في الجامعات والنقابة وغيرها مع ما يسمى باليسار الجذري، ونسميه نحن بالمتطرف لأنه ينعتنا بالإصلاحي. عندما نقول إننا ماركسيون نطبقها بالتحليل الملموس للواقع الملموس، عبر استحضار سياق البلاد وواقعها، وأخذا بعين الاعتبار خصوصيات الشعب. في علاقتنا مع "البيجيدي"، لم نسمع منه ما يعادي الحريات الفردية، على عكس بعض التجارب الإسلامية في بعض الدول الأخرى، ويجب أن يستحضر الجميع أن الحريات الفردية تتجاوز الأطراف الحزبية إلى المؤسسة الملكية التي هي الضامن لها. بالنسبة ل"البيجيدي" سبق له وهاجم الحريات الفردية من خلال مجموعة من التصريحات، آخرها وصف الرميد للمثلين ب"الأوساخ" لي كال شي حاجة يتحمل مسؤوليته، أنا شخصيا لم أطلع على التصريح، لكنني ضده بطبيعة الحال، ونحن بالأساس داخل التقدم والاشتراكية نناقش المعطيات المطروحة بشكل ملح على المغرب، فهذا الموضوع هل هو مطروح أساسا على الوطن، وإن كان مطروحا ففي أي مستوى هو موجود. الشعوب لا تتطور بافتعال الأشياء، بل بالتفاعل العادي الطبيعي مع الأمور، وبالتالي أهم شيء في مثل هذه الأمور هو البحث عما يمكننا من الاستقرار داخليا وتجنب الفتنة. إذا كان هذا يجنبنا الفتنة داخليا، فهو يحرجنا بشكل كبير أمام الرأي العام الدولي. بكيفية واقعية يتعين أن نراعي صورتنا في العالم، لكن في الوقت نفسه هذه اختيارات وطنية، يجب فقط أن نتأكد أنها اختيارات وطنية، وبالتالي فلا أحد سيفرض أشياء لم يصلها بعد مجتمعنا. لا يجب أن تكون لنا عقدة في علاقتنا بالعالم، خصوصا في حالة تداخل العوامل الثقافية والحضارية، وغيرها. ختاما موقفك من حدثين بارزين وقعا هذا الأسبوع: انتخاب حكيم بنشماش أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة: هنيئا له وأتمنى أن يتمكن من جعل "البام" حزبا عاديا. مرور سنة على اعتقال ناصر الزفزافي ومعتقلي حراك الريف: نتمنى أن يدخل المغرب إلى مرحلة جديدة سمتها الانفراج والتعامل الجدي والمسؤول المُحْتَكِمْ إلى القانون، والمتجاوب مع المطالب التي ستَرْفعُ الحيف عن بعض المناطق.