تحظى البرامج الفنية التي تتناول جوانب الأغنية السودانية، في شهر رمضان، باهتمام قطاع كبير من المشاهدين، محلياً وخارجياً، لكن في الموسم الحالي اتجه الإنتاج الدرامي بشقية الإذاعي والتلفزيوني لتقديم قضايا وطنية، وجدت حظاً كبيرا من المتابعة. ورغم تعدد الوسائط الإعلامية، يهتم السودانيون بالدراما التي تنتجها الإذاعة بشكل عام، حيث مازال "الراديو"، هو الوسيلة الإعلامية الأهم في البلاد. وتقدم الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون (حكومية)، عبر إذاعة (هنا أم درمان)، مسلسلاً إذاعياً باسم (السفر على أجنحة السراب)، ويتناول قضية الهجرة والاتجار بالبشر التي تستحوذ على اهتمام وسائل الإعلام المحلية في الآونة الأخيرة. فيما قدمت فضائية (سودانية 24) الخاصة، مسلسلاً بعنوان "عشم"، تطرق للمشكلات والقضايا التي تخص الأبناء الشباب للأسر السودانية المهاجرة. وقبل حلول شهر رمضان، روجت إذاعة "بلادي" المدعومة من جهاز الأمن والمخابرات، لمسلسل إذاعي بعنوان "رمال وأصداف"، يتناول قضية النزاع السوداني المصري على مثلث "حلايب، شلاتين وأبو رماد"، بيد أنها أوقفت بثه دون إبداء أسباب. الهجرة غير الشرعية يقول كاتب سيناريو مسلسل (السفر على أجنحة السراب) معاوية السقا، إن المسلسل يتطرق لقضية الهجرة غير الشرعية وتجارة البشر، حيث يرى العديد من الشباب السوداني في الهجرة مخرجاً من سوء الأوضاع الاقتصادية. ويضيف السقا في حديثه للأناضول" المسلسل في مجملة يعالج قضية الهجرة، ويتناول قضايا البطالة، وعدم توفر فرص العمل للخرجين الجامعيين". وتبدأ أحداث المسلسل بقصة حب بين شاب حديث التخرج ينتمي إلى أسرة فقيرة، وفتاة من طبقة غنية، لكن سرعان ما تنهار تلك العلاقة، لعدم قدرة الشاب على إتمام مراسم الزواج، لتبدأ أحداث المسلسل في الصعود والهبوط مع الحلول التي سيتبعها الشاب لإيجاد معالجات لضائقته الاقتصادية. ويشير السقا إلى "لجوء الشاب الباحث عن معالجات لوضعه الاقتصادي، لبيع كليته، ويقبض ثمنها، لكنه سرعان ما يدخل السجن لأن المشتري منحه مبلغاً مالياً مزوراً". وتبدأ أحداث المسلسل في التحول إلى قضية الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، حيث تقود أحداثه بطل القصة للاتصال بمهربي بشر يقومون بدورهم بتقديم حلول له للسفر بصورة غير شرعية. ويعتبر كاتب السناريو قضية "تهريب البشر من القضايا التي باتت هماً وطنياً في الفترة الأخيرة، ولا تنحصر معالجتها على الحكومة وحدها". وتنشط عصابات تهريب البشر في الحدود الواسعة للبلاد، رغماً عن الجهود الحكومية لمحاربة الظاهرة. وتبرر الحكومة ذلك بضعف إمكاناتها مقارنة بالتكلفة الكبيرة لملاحقة العصابات، ولا توجد إحصاءات رسمية بأعداد المهاجرين غير الشرعيين. ويعتبر السودان معبرا ومصدرا للمهاجرين غير الشرعيين أغلبهم من دول القرن الإفريقي، حيث يتم نقلهم عبر ليبيا إلى السواحل الأوروبية. المغتربون السودانيون في الخليج يحظى مسلسل (عشم)، بدرجة مشاهدة عالية، وأثار عبر تقديمه لقضايا جيل الشباب من أبناء المغتربين السودانيين في دول الخليج العربي، موجه من النقاشات المحلية بين الرفض والقبول لطريقة العرض والتمثيل. ويشير الكاتب الصحفي والمختص بالشأن الثقافي والفني ، موسى حامد، إلى أن المسلسل "تجاسر وطرح بجراءة قضايا وهموم أجيال أبناء السودانيين المقيمين في الخارج". ويضيف في حديثه للأناضول" المسلسل تطرق لقضايا العنوسة والتأخر في الزواج، ويحاول في مضمونة الاجابة عن تساؤلات تلك الفئة". وحول النقد الذي واجهه المسلسل، والمتعلق بملابس الممثلات، ولهجتهم المتغيرة في بعض الأحيان، يقول حامد "يعد ذلك من أحد أهم عوامل نجاح المسلسل وتحقيقه تلك الدرجة العالية من المشاهدة، حيث التقرب من تلك الفئة بتجسيد واقعهم كما هو بالثقافات التي اكتسبوها من المجتمعات التي يقيمون فيها". ويرى حامد في تلك المعالجات الفنية محاولات تقريبية، ويوضح ذلك بقوله "هذا الجيل من أبناء السودانيين المقيمين في الخارج تعودت عينه على دراما متقدمة مثل السائدة في المسلسلات التركية والهندية إضافة إلى الشامية والمصرية، لذلك قد لا يقبل أن تجسد شخصية تعبر عنه بواقع الدراما المحلية". ويعتبر حامد أن العمل الدرامي التلفزيوني (عشم) قضية وطنية بامتياز، قد لا تكون من اهتمامات فئات مجتمعية داخل الوطن إنما هي مسار اهتمام لتلك الفئة التي اغتربت عنه". من جانبه يعتبر الكاتب معاوية السقا أن مسلسل (عشم)" هو نتاج للتحولات التي يشهدها المجتمع السوداني مثل الاغتراب (..) وفي جانبه الفني كسر قاعدة كانت سائدة في الدراما السودانية، والتي تظهر المرأة بزيها السوداني القومي (التوب) أثناء تواجدها في المنزل ومع زوجها وهو ما أثار تلك الموجة من الانتقادات". رمال وأصداف ومؤخراً أعلنت إذاعة "بلادي" بث مسلسل (رمال وأصداف) الذي وصفته بأنه الأضخم من نوعه في تاريخ الدراما الإذاعية في السودان، والذي يتناول قضية النزاع الحدودي بين السودان ومصر على مثلث حلايب. ووقعت الإذاعة المدعومة من جهاز الأمن والمخابرات، اتفاقا مع الكاتب الصحفي والسيناريست معاوية السقا لكتابة سيناريو المسلسل. ورغم ضخامة الترويج له، إلا أن المسلسل لم يبث خلال شهر رمضان الجاري دون إبداء أسباب. وأوضح السقا للأناضول أنه "لم يحط بأسباب وقف المسلسل"، مضيفا أنه "لا يستبعد وجود تدخلات سياسية من الجانب السوداني مرتبطة بمسار العلاقات مع الجارة مصر". ويتناول المسلسل وفقاً لكاتبه "الموروث الثقافي السوداني في منطقة حلايب عبر الحقب التاريخية المتعددة والذي يؤكد سودانية المنطقة المتنازع عليها". وعمد الكاتب إلى إبراز اللهجات المحلية السودانية في تلك المنطقة والانصهار بين سكان ولايات السودان المختلفة مثل ولاية الجزيرة (وسط) مع قبائل "البجا" التي تعد المكون الرئيس لسكان تلك المنطقة. ويحمل المسلسل رمزية في اسمه، يوضحه السقا قائلاً إن "الرمال تشير إلى الطبيعة الجغرافية في حلايب، فيما تشير الأصداف إلى الطبيعة الساحلية لمنطقة شلاتين". ووفق مصدر مقرب من الإذاعة، تحدث للأناضول، وفضل عدم الكشف عن اسمه، كونه غير مخول له الحديث للإعلام، أن" المسلسل جاهز ومكتمل ومن المتوقع بثه خلال شهر رمضان أو بعده"، دون توضيح أسباب ذلك. وبين الحين والآخر، تشهد العلاقات بين السودان ومصر توترًا، ومشاحنات عبر وسائل الإعلام، على خلفية عدة قضايا خلافية، من أهمها النزاع حول المثلث الحدودي "حلايب وشلاتين وأبو رماد". ورغم نزاع الجارتين على هذا المثلث الحدودي منذ استقلال السودان عام 1956، لكنه كان مفتوحًا أمام حركة التجارة والأفراد من البلدين دون قيود حتى عام 1995، حين دخله الجيش المصري وأحكم سيطرته عليه. الدراما كمبعث للتوتر ولفت احتجاج الخارجية السودانية، في الثالث من رمضان الجاري، على المسلسل المصري (أبو عمر المصري) اهتمام متابعي الدراما الأجنبية بالبلاد، وبدأت شريحة كبيرة من السودانيين في متابعته. وقالت الخارجية السودانية، في بيان، إن الوزارة استدعت في 16 ماي الجاري، السفير المصري بالخرطوم وأبلغته احتجاجاً رسمياً كما سلمته مذكرة بذلك لسلطات بلاده، بشأن المسلسل. واعتبر البيان أن المسلسل يروج ب"صورة عكست إصرار البعض على اختلاق وتكريس صورة نمطية سالبة تلصق تهمة الإرهاب ببعض المواطنين المصريين المقيمين أو الزائرين للسودان". ويقوم ببطولة مسلسل "أبو عمر المصري" الفنان أحمد عز، وتدور أحداثه، حول محام مصري يدعى "فخر الدين" ينجو من محاولة اغتيال يُقتل فيها ابن خالته، ليقرر الهرب إلى فرنسا، ومنها إلى السودان، وهناك يتحول إلى كادر مهم من كوادر الجماعات الإسلامية المسلحة، وعينه على العودة والثأر من قاتل ابن خالته. *وكالة أنباء الأناضول