أصدرت فرقة البحث في الإبداع النسائي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية تطوان، العدد الأول من المجلة العلمية المحكمة " منارات". مجلة تعنى بالإبداع النسائي في مختلف أنماطه الخطابية ووسائطه التعبيرية. وهي بذلك تضيف قيمة متجددة إلى المشهد النقدي والفكري والإبداعي. من خلال ما تقدمها صفحاتها الحاملة معها طموح هيأة التحرير، في تعميق الموقف الإبداعي والفكري بين الباحثين والنقاد في مجال الإبداع النسائي. ولا شك أن الإبداع الأدبي المغربي عموما ، يعد مجالا حيويا وحساسا لتجليات الإنسية المغربية، وسجلا لخصوصيتها وذاتيتها، في أدق خوالجها ونوابضها، لذا فالتفكير النظري والنقدي في هذا الإبداع، يقول الناقد نجيب العوفي : يشكل الوجه الثاني من العملة، والمجال الحيوي الآخر والمكتمل الذي يتأمل فيه المغرب ذاته، ويكتشف نفسه ويجس نبض إبداعه وإشعاعه. في سياق رصد وتتبع الإبداع المغربي، ينبعث هذا المولود الجديد . ليؤكد على استمرارية عمق العلاقة بين الأدب والصحافة في المغرب، التي لا تزال وطيدة فاعلة ومتفاعلة مؤثرة ومتأثرة. فالصحافة لا تستطيع أن تستغني عن الأدب، رغم التحولات العميقة في مجال الإعلام الجديد، الذي ساهم في التدفق السريع للمعلومة، والإمكانيات الواسعة للنشر في مجال الأدب.. يحدث ذلك، والعرض الإحصائي للمشهد الأدبي في الصحافة بالمغرب، يشي بأرقام فقيرة أمام حجم ومساحة النشاط الأدبي في المغرب. بسبب ضيق مساحة الصفحات الأدبية في الصحف والمجلات وتذبذب وقلة صدورها ، واختفاء بعضها، وتلك الأرقام مؤشر سلبي يؤكد قصور المنابر في رصد ومتابعة الحدث الأدبي وتحليله وتفكيك وتقييمه ... أو بسبب محدودية مقروئية الصحافة الثقافية كعامل بارز يقف دون إشعاعها كما ينبغي؛ في بلد يعج بالمثقفين والشعراء والأدباء والمبدعين في شتى أصناف الفكر والثقافة. ويعود أول إصدار أدبي مغربي يعنى بقضايا المرأة فكريا وثقافيا إلى عام 1965، تاريخ ظهور مجلة "شروق" كأول مجلة نسائية دورية في المغرب. أشرفت عليها الأديبة خناتة بنونة، وقد اهتمت بشئون المرأة والفكر، في تركيزها وانتصارها لقضايا المرأة وأخبارها وإنتاجها الأدبي والفكري في المغرب والمشرق. في وقت كان يُعتبر فيه دخول المرأة عالم الكتابة مغامرة وتمردا، فبالأحرى إقبالها على إصدار مجلة نسائية. لا ينبغي بأي حال تقييم تجربة مجلة منارات ودراستها من خلال العدد الأول. لكن يمكن قراءة العدد الأول، باعتباره خارطة الطريق ، وما تحمله عموم عناوين المنبر الإعلامي المتخصص من رسائل . ومن أولى هذه المؤشرات استقطاب المجلة لعدد كبير من الأقلام البارزة مغربيا وعربيا في مجال الإبداع النسائي. بالإضافة إلى المؤشر المتحرك في الخط البياني لمواد العدد الأول، الذي يعبر عن خصوصية إبداع المرأة ونبضه وخياراته وقدرته على التواصل مع فكرها وأدبها وتراثها وحاضرها. فلا شك أن المواد المنشورة نقدا وكتابة وإبداعا، تحقق طموحات الكاتبات/ الكتاب والقراء معا ؛ في بعث وإرسال ضوء قوي عبر صفحات "منارات" . وتحفل المجلة بعدد من الدراسات النقدية، تخضع لمعالجات عبر حضور قوي للمقال الأدبي. وتؤكد هذا الحضور في لوحة بيانات الجهد النقدي والإبداعي. يحدث ذلك، كما جرت العادة في المجلات المحكمة المتخصصة التي تفرد الحديث عن الموضوعات المعمقة التي تلبس قالبا جاهزا هو المقال . فهذا الأخير ينتشر بقوة بين دفتي المجلة، كاشفا عن نفسية الكتاب وثقافتهم ومواقفهم النقدية وقراءاتهم المتعددة، ويمنحهم مساحة عريضة للتعبير عن فكرة ما أو قضية لإيصالها للمتلقي. ومن ثم تولد فيهم القناعة ، فيفتحون حوارا باتجاه موضوع ما، تنتج عنه مجموعة مواضيع أو يؤسسون بمقالتهم قاعدة لحوار مفتوح وخصب ومعمق؛ في قضايا شتى تلامس الإبداع النسائي. فيحاول الكتاب والأدباء داخل المجلة ، استثمار فن المقالة للتعبير عن التناغم مع قضايا أدبية نسائية، يجعلون منها مفتاحا لقضية من قضايا الأدب النسائي. أما في شكل البناء الفني فالمقالة الأدبية في المجلة، ترتكز على الغوص في المعاني والبعد عن الخيال ورصانة العبارة وجمال الذوق ، وتروم من وراء ذلك التعبير عن الذات القريبة من الإبداع النسائي. فهي تغوص بالقارئ إلى أعماق نفس الكاتب أو الشاعر أو القاص .. ويتغلغل في ثنايا روحه لتعبر عن درجة الدفء والحرارة التي كتب بها النص. وقد يجد القارئ في المجلة مساحة واسعة للمقالات العلمية المحكمة، لا تختلف عن بقيتها من المجلات العلمية الأخرى، تعتمد على أقلام وأسماء لها حضور قوي في ساحة الإبداع والنقد الأدبي في الكتابات النسائية. ومن المتوقع أن تثير تلك الكتابات نقاشا مستفيضا داخل الأوساط الأدبية المهتمة في المغرب وخارجه. وعلى الرغم من تمحور الخط التحريري في جانبه الإبداعي ، يستشف المتلقي من محتوى العدد الأول، حضور قوي للدراسات النقدية والإبداعات مع غياب المتبعات الصحافية. وبين هذا وذاك، يلاحظ المتتبع التنويع إلى أقصى الحدود الممكنة، وتحديدا في استخدام اللغة، فيستشف إشارات قوية عن كفاءاتهم وعاداتهم وقدراتهم وميولهم وأسلوبهم .... وهكذا تحولت صفحات المجلة إلى مواد ممتعة للقارئ، معتمدة على الكتابة الخلاقة التي هي نوع من التواصل الإنساني بين الكاتب والقارئ. ولترجمة ذلك، تصر في افتتاحيتها على تجاوز أحكام القيمة، والتوصيفات الجاهزة ، بمعايير تحتكم إلى الجودة والخصوصية الإبداعية والأسئلة الوجودية الخاصة بكل مبدعة ، مهما تعددت الأصوات والتشكلات، وتنوعت التوجهات والموضوعات. ينتظر أن تساهم المجلة في اغتناء المشهد الأدبي في مجال الكتابة النسائية بالمغرب وخارجه، رغم تباين واختلاف الكتاب / الكاتبات. معتمدة على تنوع درجة الإسهام، ومدى تأثيرهم الفاعل في تعميق قناعات ومفاهيم ثقافية وأدبية، في معالجة أهم القضايا الأدبية الإبداعية النسائية. وعلى سبيل الختم، تكشف صفحات العدد الأول، التزام الكتاب عموما في مجلة" منارات " بالتفكير في نقاط رئيسة وجوهرية، ترتكز على الإبداعي النسائي كعنوان رئيس مسطر من الجهة المشرفة على التحرير. ورغم تنوع الموضوعات، ترتبط المجلات بين أجزائها المختلفة، عبر تنسيق الأفكار وصياغتها صياغة فنية مؤثرة. فتتحول تلك الكتابات إلى مركز ثقل في دائرة الحركة داخل النص، الذي تدور حوله القضايا المعالجة. ونظر للعلاقة القوية بين الصحافة والأدب، هل يحتاج الباحث في زحمة المناهج النقدية، إلى اعتماد النقد الصحفي في مقاربة النص الأدبي ؟ وقد سبق للناقد نجيب العوفي أن دعا إلى نقد صحفي، لقراءة محتوى الصحيفة على مستوى الشكل والمضمون، يتجه وفق استراتيجية نقدية ومنهجية محددة، تطول أو تقصر، تتعمق موضوعها أو تلامسه لمسا في قضايا تعلق بالأدب ومشكلاته وظواهره وشؤونه وفنونه. تشكل الملاحق والصفحات الثقافية والمجلات الأدبية المتخصصة المجال الحيوي لهذا النقد. موضحا أن النقد الصحفي بدوره، يعد المجال الحيوي لحركية النقد الأدبي بوجه عام. هذا ما سنسعى إليه؛ في مقاربة الأعداد القادمة بحول الله، انطلاقا من زاوية النقد الصحفي، معتمدين على مقاربة نستشفها معالمها من دراسة علمية أكاديمية أنجزناها حول المشهد الأدبي في المنابر الصحافية المغربية 1970 – 1980. ذلك أن النقد يعد النافذة القديمة الجديدة التي يطل على الأدب جميعه، ليأخذ حصته في هذا الموضوع كونه المختبر التحليلي له والفاحص لقيمته الشكلية والموضوعية، التي تؤهله لان يأخذ مساحة النشر في الصحافة المغربية، وليأخذ دوره الفني المطلوب في تعزيز وتعضيد وترصين النتاج الأدبي في الصحافة المغربية ، وهذا ما يذهب إليه العديد من النقاد المغاربة. *إعلامي باحث في الصحافة والأدب