أن نكتب لا نحتاج إلى ربطة عنق، نحتاج إلى مزيد من الإبداع. هذه الفكرة المركزية التي تسيطر على الكاتبة المغربية سعيدة لقراري وهي تعيش غربة ثقافية، لأن المرأة المغربية في زمن غير بعيد مُجهضة في مهدها، يلفها التجاهل واللامبالاة، ولأن الكتابة لا تعبأ بعلب في نظرها، وتعتبر أن النقد الرصين يقوم على تطويع الأثر الأدبي وإمداده بقراءات متجددة تنساب آفاقا دالة أمام عين القارئ، وتعتقد أن المثقفين المغاربة لا يلبسون الجلباب ذاته، وأن الأضواء لا تصنع المثقف. في هذا الحوار، نكتشف قاصة مغربية سعادتها في جنون القراءة... على صفحات هسبريس الإلكترونية. ماذا يعني لك تكريم الكاتبة المغربية في غياب نقد رصين وفي ظل مجتمع لا يقرأ؟ وكيف تنظرين لهذه المعادلة؟ التكريم تكليف، ونجاح على كفة المسؤولية يُلقى .نجاح، الركود سيتربص به إذا توقف عند معنى التتويج الذي يعني الوصول . تكريم المبدعة المغربية اعتراف جميل، ومبادرة تُعلي من شأن الساحة الثقافية في بلادنا، وتنمي الوعي بتواجد طاقات إبداعية نسائية تبرز قدرات فكرية مشرقة، كانت في زمن غير بعيد مُجهضة في مهدها يلفها التجاهل واللامبالاة. لكن تكريم المبدعة، قاصة كانت أو شاعرة ... في ظل غياب نقد رصين، يقوم على تطويع الأثر الأدبي وإمداده بقراءات متجددة تنساب آفاقا دالة أمام عين القارئ، وفق مشروع نقدي قوي، فاعل وواضح الملامح والأهداف، يفسح المجال واسعا أمام نقد متخم بالتنظير المتصلب، المطنِب في استدعاء الإحالات ومفردات المناهج النقدية، بعيدا عن الأساس العلمي المتين القائم على المصداقية والجدية، مما يجعل العمل الإبداعي يتأذى ويتجرد من جاذبيته المرسومة لديه من طرف المبدع أو المبدعة؛ الأمر الذي يزيد طين هاته الصورة الأخيرة بلة، ويجعلها تتفشى، أثناء ولادة المنجز الأدبي في مجتمع لا يهتم بفتح كتاب والاطلاع عليه، لتستفحل غربة ثقافية، يتعاطى من خلالها إلى التعامل والتفاعل مع السطحي والمستهلك. تحضر الأستاذة سعيدة لقراري في أغلب النقاشات على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي وتتفاعل بشكل جيد.. كيف تثمنين هذا الحضور؟ وما جديد إصداراتك؟ حضوري بمواقع التواصل الاجتماعي لا يمت إلى العبث بصلة، أو إلى الانجذاب إلى الأضواء، بقدر ما هو مسؤولية، ورسالة أرضها صدق وسماؤها وضوح، أتجنب الابتذال والتصنع، ربحا للوقت وتقصيرا للمسافات بيني وبين المتلقي، لا أستسيغ في ذلك مجاملات بها سكر زيادة، ولا مدحا يراد به ذما عن قصد أو عن غير قصد. يسعدني كثيرا توقف القارئ عند ما أكتب، ويسعدني أكثر تفاعله الموضوعي واستقراؤه الجاد لتدويناتي، وهنا لا أنسى الإشارة إلى قارئات وقراء يطلعون على ما أكتب دون ترك أثر يشير إلى ذلك، وأحرص من هذا المنبر أن أعبر عن اعتزازي بتواجد أصدقاء أدباء وأديبات أسعد بالقراءة لهم والاستفادة من تجاربهم ومسار مشوارهم الإبداعي، وأذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، شيخ القصة القصيرة أستاذنا أحمد بوزفور، الأديب، أبو يوسف طه، شاعرنا الكبير عبد الكريم الطبال، المبدعتين لطيفة باقة ولطيفة لبصير، الشواعر نعيمة لخليفي، دامي عمر، فدوى الزياني.. كان ميلاد أول إصدار لي -وهو عبارة عن مجموعة قصصية عنوانها "وداعا أحلام الغد" - سنة 2016، بعده كتبت العديد من النصوص القصصية، أغلبها نُشر بجرائد وطنية وأخرى عربية، ستكون جاهزة كمجموعة ثانية مكتملة قريبا إن شاء الله، بالإضافة إلى مشروع لإنجاز أدبي ثالث خارج عن إطار جنس القصة القصيرة، أتمنى له أيضا أن يرى النور ولو كان على مدى بعيد نسبيا. ماهي علاقتك بطقوس القراءة والكتابة؟ كطالبة لجوء سلام روحي أسعى إلى القراءة. في غمرة زحام اليومي وضجيج الالتزامات، أجدني بحاجة ماسة إلى الاطلاع على كتاب، أن أتحسس دفتيه وأشتم رائحة أوراقه هي من طقوس جنون القراءة الذي ينتابني أيضا ويستبد بي، كتبي ليست حبيسة الرفوف، فأينما وليت وجهي ببيتي أجدني قد وضعت كتابا أو اثنين رفقة قصاصات ورقية أو أجندة، أبث ببياضهما ما قد يتبادر إلي من خربشات قد يكون حتفها التشطيب، أو إقحامها بعالم من عوالم نص من نصوصي، بالنسبة لي - وكما أشرت في تدوينة سابقة- لا حاجة للكتابة إلى ربطة عنق، ولا إلى لباس ضيق يقيد حركاتها، ولا إلى آخر فضفاض يحجب عنا مواطن الجمال فيها، الكتابة تأتيها الحرية من داخلها، ما تحتاجه من هواء، ماء، وتربة، منها يصدر وإليها يتوجه، ماسح الأحذية فيها يرفع رأسه ناثرا اللمعان في القلوب قبل الأحذية، عامل النظافة سيد الشوارع يكنس ما بالصدور من نفايات، الكتابة لا تعبأ بعلب، نهر جار محتواه نحو مصب، يتجدد فيه الجريان صعودا ونزولا، جمالها بساطة تخلو من السذاجة، وعمق ينأى عن التعقيد، عملية الكتابة لا تخضع لمبدأ العرض والطلب، قد تكون نزلة صقيع، أو موجة حرٍّ، أو زوبعة كاسحة. هل بالفعل المثقف المغربي ينأى بنفسه عن خوض الصراعات السياسية والمجتمعية ويخصص معظم وقته للمشاركات في التظاهرات الثقافية والفنية كترف فني؟ إذا قال الجاحظ إن المعاني على الطريق ملقاة، فأنا أجيبك على غرار قول الجاحظ أن الأحكام الجاهزة تملأ الأرصفة كما تغمر الطرقات، فتعميم الأحكام تهور واندفاع، وإطلاق الحكم على ظاهرة كالتي تشير إليها يلزمها تبصر في تناول مناقشتها، وبالتالي سأحاول الإدلاء برأيي المتواضع على قدر ما يتأتى لدي من معطيات. المثقفون المغاربة ليس الجلباب نفسه يرتدون، فلا يكفي أن تكون مثقفا حتى تعي حيثيات ما يجري على الساحة السياسية والمجتمعية؛ إذ إن هناك شبه المثقف الذي يدعي ما لا يفعل، وهناك المثقف الذي يعي مجريات الأحداث، لكن وعيه يتوقف عند القول المجرد من الفعل والتفاعل، ويبقى النوع الثالث الذي أعتبره العمود الفقري للمجتمع والركيزة التي ينهض بفضلها ويتحضر، وهو المثقف المتشبع بالإدراك العميق بما يدور حوله من تحولات سياسية ومجتمعية، يترجمها بوعي إلى انخراط جاد وفاعل في رصد المخاضات والإدلاء فيها بدلوه كفاعل وليس كمتفرج، وأظن أن هذا النوع هو مصدر تشريف لأي تظاهرة ثقافية يحضرها وليس زيادة عدد. وإذا عدنا إلى الساحة الثقافية المغربية، سنجد للأسف أن هناك الكثير من المثقفين من يتناسون أو يتجاهلون أن الأضواء لا تصنع المثقف، بل المثقف هو مصدر الأضواء والإشعاع، وبالتالي يظنون أن التظاهرات الثقافية منها والفنية هي المؤشر الذي يمنح لقب المثقف.