في إطار ما يسمى بالحركة الانتقالية للمسؤولين، قامت وزارة الشغل والإدماج المهني مؤخرا بنشر وتعميم مذكرة إدارية تخبر من خلالها المسؤولين بالوزارة (مدراء مركزيين وجهويين وإقليميين ورؤساء مصالح وأقسام) بعزمها تنفيذ حركة انتقالية عامة تهم كل نظرائهم الذين قضوا أكثر من أربع سنوات في مناصبهم الحالية بشكل إجباري، والذين قضوا أقل منها بناء على رغبتهم. وقد أشارت المذكرة التي تحمل توقيع السيد وزير الشغل والإدماج المهني إلى أن هذا الإجراء جاء بهدف خلق دينامية جديدة بالوزارة والرفع من مستوى تدخلها وخلق التوازن في توزيع الموظفين، ناهيك عن مد المصالح المحدثة بموارد بشرية مؤهلة وقادرة على تحقيق الأهداف المسندة إليها. والحال أنها لا تحقق أيّا من تلك الأهداف كما أنها لا تستند إلى أي مرجعية قانونية أو دستورية، سواء في طريقة تحريرها أو في محتواها؛ الشيء الذي يثير الشكوك في أهدافها الحقيقية اللهم إلا إذا كان محرروها لا يفقهون شيئا في النظام الأساسي للوظيفة العمومية أو في بنود الدستور المغربي، وخصوصا في الفقرة الثانية من الفصل الأول منه التي تنص على ضرورة الالتزام بمبدأي الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وهما المبدآن اللذان ركز عليهما الملك محمد السادس في خطابه التاريخي بمناسبة الذكرى الثامنة عشر لعيد العرش بنبرة نقدية حادة لطريقة تدبير الإدارة المغربية (خطاب 29 يوليو 2017)، لتأتي إحدى وزارات حكومته بعد ذلك التاريخ بأقل من سنة وتتغاضى عن كل التوجيهات الملكية وكل الانتظارات العامة للمواطنين كأننا نعود إلى الوراء، وسوف أشرح لماذا... فلو كانت وزارة الشغل والإدماج المهني تعتزم احترام مبدأ الحكامة الجيدة لما كانت لتربط بين الحركة الانتقالية للمسؤولين واستيفائهم لمدة أربع سنوات في المسؤولية، لأن استيفاء تلك المدة من الناحية المبدئية يعني أن ذلك المنصب _أي منصب كان_ يجب أن يخضع للتباري والمنافسة من طرف كل الراغبين في تحمل المسؤولية حتى وإن لم يكن قد سبق لهم تحملها، وبذلك سيكون هناك تكافؤ في الفرص بين الجميع بناء على شروط واضحة. ومن جهة أخرى، فإن ربط المسؤولية بالمحاسبة توجب على الإدارة إعفاء كل المسؤولين الذين قضوا أكثر من أربع سنوات في تحمل المسؤولية من مناصبهم بشكل تلقائي قبل عرضها للتباري، ولهم الحق بطبيعة الحال في ذلك التباري وهم أصحاب الامتياز بأرصدتهم العلمية وتجاربهم المهنية والإدارية، فتلك هي الطريقة السوية لخلق دينامية جديدة داخل الوزارة والرفع من مستوى تدخلها وخلق التوازن في توزيع الموظفين كما جاء في نص المذكرة. أما في ما يتعلق بالحركة الانتقالية داخل الإدارة المغربية، فهي منظمة بالفصل 38 مكرر من النظام الأساسي للوظيفة العمومية، وهو لا يرتبط بمدة تحمل المسؤولية وإنما بحالات خاصة هي الانتقال بناء على طلب المعني بالأمر، أو النقل بمبادرة من الإدارة لسد حاجياتها بعد الاستشارة مع اللجنة متساوية الأعضاء المختصة مع مراعاة السكن أو التعويض عنه. وبالتالي، فإن الربط بين الحق في التباري أو المنافسة على تحمل المسؤولية والحركة الانتقالية التي تعتزم وزارة الشغل تنظيمها حاليا ليس له أي أساسي قانوني وإنما هو مخالف لمبادئ القانون والدستور المغربي كما قلنا سابقا. إن ممارسة التعتيم على الحق في التباري والمنافسة والخلل أو الاضطراب في تنظيم الحركة الانتقالية داخل وزارة الشغل والإدماج المهني ليس وليد اليوم، كما أنه لم يكن يقع في هذه الوزارة وحدها دون سواها، وإن كانت بعض الوزارات المنتمية إلى القطاع الحكومي المهيكل (وزارة المالية على سبيل المثال) قد عرفت تقدما ملموسا في هذا الشأن. ومع ذلك، فإننا كنا نأمل في أن الحاضر والمستقبل سيكونان أفضل مما كان، خصوصا بعد ملامستنا للتوجيهات الإصلاحية العميقة التي تضمنها الخطاب الملكي المذكور أعلاه، وكذلك بعدما أسندت حقيبة الوزارة إلى رجل ذي حمولة اجتماعية ونقابية وسياسية قوية، لكن الممارسات التي تقوم بها الوزارة حاليا ومنذ مدة ليست بالقصيرة، للأسف، لا تبشرنا بالخير، بل إنها تؤكد أن دار لقمان ما تزال على حالها.