في وقت يشتكي المغاربة من الارتفاع الصاروخي لأسعار الخضر والفواكه والأسماك، خاصة في شهر رمضان، ثمّة فارق كبير بين الأسعار التي تُباع بها هذه المواد في أسواق الجملة وبين الأسعار الذي تُباع بها في الأسواق مباشرة للمستهلكين. في مدينة الرباط، على سبيل المثال، يصل الفارق بين أسعار الخضر والفواكه والأسماك في سوق الجملة، وفْق ما هو مبيّن في جدول أسعار مديرية الإستراتيجية والإحصائيات، إلى حواليْ ثلاثة أضعاف، مقارنة مع السعر الذي تُباع به هذه المواد بالتقسيط للمستهلك. سمَك السردين، مثلا، الذي حددت مديرية الإستراتيجية والإحصائيات التابعة لوزارة الفلاحة والصيد البحري سعر بيعه بالجملة، يوم 17 مايو الجاري، في 12.50 درهما، يُباع في السوق المركزي وسط العاصمة الرباط ب30 درهما، كما عاينت هسبريس. ورغم أنَّ السوق المركزي بالرباط لا يبعد سوى ببضع كيلومترات عن سوق الجملة، فإنّ الفارق بين أسعار الخضر في السوقيْن يبدو كبيرا جدا. سعر القرع الأخضر، مثلا، في سوق الجملة حدد في 3.50 درهما، وفي السوق المركزي يُباع ب9 دراهم. سببُ التفاوت الكبير بين الأسعار التي تُباع بها الخضر والفواكه والأسماك في أسواق الجملة، والأسعار التي تُباع بها للمستهلك، حسب عبد الكريم الشافعي، رئيس الفدرالية الجهوية لحقوق المستهلك بجهة سوس ماسة، هو المضاربة التي يقوم بها من يوصفون ب"الشناقة". ويحمّل الشافعي الحكومة مسؤولية عدم ضبْط أسعار المواد الاستهلاكية في السوق المغربية، قائلا: "الحكومة تخرج مع كل رمضان بتصريحات عن تعاملها بصرامة مع المتلاعبين بالأسعار، لكنّ هذا ليس سوى كلام فارغ، لا يطبّق على أرض الواقع". الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة أصدرت اليوم الجمعة بلاغا قالت فيه إنّ "أسعار جل المواد عرفت انخفاضا ملحوظا، وخصوصا الخضر، كالطماطم، البصل والبطاطس". البلاغ الوزاري قُوبل بردّ سريع من طرف رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بنشر لائحة أسعار الأسماك والفواكه والخضر التي وصفت ب"الفلَكية". واعتبر عبد الكريم الشافعي أنَّ المشكل الأساسي هو وجود لوبيات تتحكم في السوق المغربية، معتبرا أنّها هي التي دفعت إلى تطبيق القانون 12.104، المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، والذي أخرجته الحكومة السابقة إلى الوجود بهدف تمكينها من بيع المواد الاستهلاكية بالثمن الذي تريد. وينص قانون حرية الأسعار والمنافسة، في المادة 2، على أنّ أسعار السلع والمنتجات والخدمات تُحدد "عن طريق المنافسة الحرة"، لكن المادة 4 من نص القانون نفسه تقول إن حرية الأسعار والمنافسة "لا تحول دون إمكانية قيام الإدارة، بعد استشارة مجلس المنافسة، باتخاذ تدابيرَ مؤقتة ضد ارتفاع أو انخفاض فاحش في الأسعار...". تطبيق ما تنصّ عليه هذه المادة من قانون حرية الأسعار والمنافسة يصطدم بعقبة ظلت قائمة منذ سنوات، وهي أنَّ الاستشارة مع مجلس المنافسة أصبحت غير ممكنة، بعد أن انتهت ولاية رئيس وأعضاء هذا المجلس منذ سنوات، دون أن تتمّ إعادة تجديد تركيبته، إذ ظلّ بدون أي اختصاص. الحكومة المغربية وضعت رهن إشارة المستهلكين رقما أخضر للتبليغ عن حالات ارتفاع الأسعار أو الاحتكار، لكنَّ هذا الإجراء، حسب عبد الكريم الشافعي، ليس كفيلا بالحد من ارتفاع الأسعار، مبرزا أنّ ما يجب على الحكومة أن تقوم به هو أن تضرب بيد من حديد على المضاربين، وعلى المتلاعبين بالأسعار، وأنْ يكون عملها على مدار السنة، وليس بشكل موسمي.