لا أرى أيّ جدوى في تغيير التوقيت وكل مرضاي يشتكون في الشهر الأول بعد تغيير الساعة من الاضطراب في النوم وشعورهم بالتعب طيلة النهار. بالإضافة إلى هذا، أرى الكل يصرخون: "وْعْلاشْ كَيْبْدْلو هادْ الساعة، هِكَيْخْرْبْقونا الدماغ وْصافي". وهذا يعني أن المواطن يشعر بأنه مجرد عقرب الساعة يحركه "صاحب الزمان" كيف شاء، وهذا يسبب قلقاً كبيراً والذي بإمكانه أن يكون سبباً في اضطراب مزاجي مثل مرض الاكتئاب. إن الساعة البيولوجية في الدماغ والغدد تشتغل طبيعياً حسب شروق الشمس وغروبها، وحسب نسبة الضوء الطبيعي الذي تلتقطه العين؛ فنظام الدماغ والغدد لهما علاقة وطيدة مع نظام النهار والليل وفصول السنة. ولهذا، نتحدث عن الزمن البيولوجي، علماً أن الجسم يتكيف مع تغييرات الفصول بشكل تدريجي وطبيعي. ولما نضيف أو ننقص ساعة نخلق تغييراً مفاجئاً وحاداً وربما عنيفاً ويصبح مُكلفا جداً على صحة البدن، إذ إن استعادة توازنه الاعتيادي تستغرق مدة زمنية طويلة. والأمر غير السهل هو العبء الذي يفرضه تغيير التوقيت على الدماغ بتكيف نفسه مع زيادة ساعة، إذ يتطلب منه في وقت وجيز الرجوع إلى ما كان عليه من توقيت سابق، ويجب عليه أن يبذل مرة أخرى جهدا آخر ليتكيف مع التغير المفاجئ في نمطه الزمني، علماً أنه بعد شهر يفاجأ مرة أخرى بتعديل التوقيت بحيث يتوجب عليه أن يتخلى للمرة الثالثة عن المجهود الذي سبق له بذله من قبل. والخطير هو أن كل هذه التغييرات تمر في ظرف وجيزة ومخالفة لنمط الطبيعي لحركة الشمس وتعاقب الليل والنهار، وهذا ما يعبر عنه بصدق المثال المغربي "طلعْ تاكْل الكْرْموس، هْبْطْ شْكون لِقالها ليك". يرى الفرد أن حريته في مسايرة توقيته وحركة زمانه مسلوبة منه، وأنه أصبح عبداً أو لعبة لقابض "التيليكوموند الزماني". وهذا، بطبيعة الحال، يؤثر سلبياً عليه بالعلم أن إرهاق نظام الغدد يؤثر على المزاج ويخلق قلقاً داخلياً ينعكس على راحته وعلاقاته مع الآخرين. أما المراهق فيشعر بأن عالم الراشدين يعبث به، خصوصا أن المراهق له حس كبير بمفاهيم العدل والإنصاف ويرفض هذا التغيير الزمني الذي لا يأخذ بعين الاعتبار رأيه ويرى أن كل الراشدين (المسؤولون والآباء والمدرسة) تستهزئ به، ويدخل بالتالي في جدال ونزاع مع أولي أمره، وبالخصوص أنه لا يدرك أهمية هذا التغيير ولا يرى فيه أي مردودية؛ نظراً أن المراهق يرى، حسب فهمه، أن كل ما نوفره مساءً من طاقة كهربائية نستهلكه صباحا بحكم الاستيقاظ في وقت لم تشرق فيه الشمس بعد. كما ألاحظ أن القلق واضطراب المزاج والإرهاق يتضاعف بسب جهد التكيف مع التغيير الزمني والذي يبقى سلبياً جدا بالخصوص عند الفرد الذي يعاني مسبقا من القلق والاكتئاب، وبالتالي تصبح له قابلية كبيرة لفقدان السيطرة على انفعالاته واللجوء إلى العنف بسرعة عند أقل أو أتفه سبب. بصفة عامة، أرى تغيير الساعة ثلاث مرات في فترة وجيزة يتسبب في انعكاسات سلبية وربما خطيرة مثل القلق وانخفاض مستوى المعنويات الشخصية والإحباط واضطراب النوم والمزاج وكل هذه الأعراض أرضية للإصابة بأمراض الاكتئاب. فلهذا، أقترح إعادة النظر في تغيير التوقيت. *خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي