قال الأكاديمي والمؤرخ الإثيوبي آدم كامل فارس إن ما أظهره الملك النجاشي من "تسامح" تجاه المسلمين، يمكن أن يشكل نموذجاً للعالم في التعامل مع أزمة اللاجئين في الوقت الراهن. جاء ذلك خلال مقابلة مع الأناضول تطرق خلالها "فارس" إلى أعماله الأكاديمية المتعلقة بالتاريخ الإسلامي، ومساهمات الملك النجاشي - أو "أصحمة بن أبهر" الذى حكم أرض الحبشة في الفترة بين عامي 610 و630 ميلادية - لنشر الإسلام في المنطقة. وأوضح المؤرخ الإثيوبي، البالغ من العمر 59 عاماً، أنه عقب فقده لأسرته وهو ابن سبع سنين، انتقل للعيش مع شقيقه في السعودية ليسخر حياته بعدها في البحث والدراسة حول التاريخ الإسلامي، وأنشطة المسلمين في منطقة القرن الإفريقي بشكل عام. وأضاف "فارس" أن الملك النجاشي وسكان الحبشة احتضنوا المهاجرين من المسلمين في عهد النبي محمد (خاتم المرسلين)، مشيراً إلى إمكانية اتخاذ هذا الموقف نموذجاً لإيجاد حل لأزمة اللاجئين في الوقت الحالي. كان النبي محمد طلب من صحابته الهجرة إلى أرض الحبشة، في السنة الخامسة من البعثة (615 ميلادية)، بعد أن حوربت رسالته بضراوة في مكةالمكرمة بالجزيرة العربية؛ وهنا أحسن النجاشي ضيافتهم، بل وأسلم بعد أن تأثر بالمسلمين المهاجرين، حسب ما تقول المصادر التاريخية. ومن مظاهر التسامح الديني كذلك في إثيوبيا، وفق المؤرخ الإثيوبي آدم كامل فارس، استضافتها للديانات السماوية الثلاث، والتشارك بين أتباع تلك الديانات في الأفراح والأتراح، والتهادي في أوقات المناسبات، والتشارك في الجمعيات التعاونية وفي بناء المساجد والكنائس أحيانا. وأشار إلى دخول الإسلام إلى منطقة الحبشة، سنة 615 للميلاد، أي قبل دخوله المدينةالمنورة ب7 سنين، وفلسطين ب21 عاماً، وسوريا والعراق ب18 عاماً ومصر ب24 عاماً. واعتبر "فارس" أن أرض الحبشة كانت نقطة البدء لنشر الدعوة الإسلامية حول العالم، مبيناً أن المهاجرين الأوائل من المسلمين وصلوا إلى قصر الملك النجاشي في أكثوم، بعد مرورهم بميناء مصوع القديم الواقعة بإريتريا حالياً. وكانت الحبشة تطلق، آنذاك، على المنطقة الواقعة شمال شرقي أفريقيا، وتشمل كل من إريتريا والصومال والسودان وجيبوتي وإثيوبيا حاليا، وأصبح الاسم اليوم قاصرا على إثيوبيا.وأرجع "فارس" عدم القدرة على حماية الإرث الإسلامي في إثيوبيا، وعدم انتشار الإسلام في سائر أرجاء المنطقة، إلى الحروب التي شنها حكام إثيوبيا المسيحيين ضد المسلمين، مؤكداً أنه رغم ذلك كانت إثيوبيا في المرتبة الثانية من حيث الأهمية على مدى التاريخ، بعد مكةالمكرمة. وأشار إلى مساعي الحكام المسيحيين لتنصير المسلمين في أرجاء إثيوبيا، ودفعهم إياهم إلى الفقر والجهل. ووفقاً للمؤرخ الإثيوبي، فإن 14 بالمئة من سكان البلاد في الوقت الحالي، يقطنون في المدن، بينما يعيش 86 بالمئة منهم في القرى والأرياف، موضحاً أن المسلمين يشكلون 60 بالمئة من مجموع سكان إثيوبيا، على عكس ما تروج له الجهات الرسمية من قلة عددهم. ولفت إلى دور العلماء في حماية الدين الإسلامي وتوجيه السكان، وبالأخص القاطنين منهم في القرى والأرياف. ونوه "فارس" إلى أن مدارس "الخلوة" توشك أن تنقرض اليوم، مبيناً أن هذا النوع من المدارس كان منتشرا جداً في إثيوبيا قبل 50 عاماً من اليوم. والخلوة هي مدارس قرآنية انتشرت في إفريقيا، وهي أشبه بالكتاتيب في مصر؛ حيث كان لها دور مهم وأساسي في تاريخ التعليم الديني. ودعا "فارس" إلى ضرورة حماية الإرث الإسلامي في بلاده، وإنشاء متاحف لحماية بعض الآثار النادرة من النهب، وتطوير مدارس "الخلوة". واختتم المؤرخ الإثيوبي، حديثه، بالإشارة إلى اعتزامه الاستمرار في جمع المصادر الإسلامية.