أواسط شهر أبريل 2016، أقدمتْ سيّدة تُدعى "مي فتيحة" على صبّ قارورة من مادة حارقة على نفسها، أمام الملحقة الإدارية السادسة بمدينة القنيطرة، وأوقدت النار في جسدها، بعد أن تمّت مصادرةُ بضاعتها في سوق شعبي، وصفعها من لدن عون سلطة، لينتهي هذا المشهد الدرامي بوفاة "مي فتيحة"، متأثرة بحروقها. بحر الأسبوع الماضي، عاد موضوع اعتداء أعوان السلطة على المواطنين ليطفو على سطح النقاش العمومي في المغرب، إثر اعتداء "قائد" بمدينة طنجة على شاب في الثامنة عشرة من عمره، بعد أن نعته بالكلب، مسببا له في إعاقة حركية واهتزاز نفسي، حسب التصريحات التي أدلى بها والداه للصحافة. وزارة الداخلية عمدت، في خطوة احترازية، إلى توقيف قائد الملحقة الإدارية ال12 بمغوغة عن مزاولة مهامه وإلحاقه بمصالح عمالة طنجةأصيلة بدون مهمة، في انتظار ما ستسفر عنه الأبحاث القضائية قصد اتخاذ الإجراءات المناسبة، بعد التحقيق الذي أمرت النيابة العامة بطنجة بفتحه حول واقعة الاعتداء التي أثارت غضبا كبيرا على الشبكات الاجتماعية. الإجراءات التي تتخذها وزارة الداخلية في حق المسؤولين عن إنفاذ القانون، المتورطين في الاعتداء على المواطنين، تثير علامات استفهام حول جدواها في ردْعهم، بالرغم من إحالة بعضهم القضاء؛ لكن الرأي العام لا يعرف، عادة، مصير هذه القضايا. عبد الرزاق بوغنبور، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، قال، في تصريح لهسبريس، إنّ أصل المشكل يعود إلى أنَّ عددا من المسؤولين عن إنفاذ القانون يفهمون مبدأ "الحفاظ على هيبة الدولة" بشكل خاطئ، حيث يعتبرون أنَّ من حقهم أن يعتدوا على المواطنين، مشيرا إلى أنّ ما يشجعهم على ذلك هو عدم التعامُل معهم بالصرامة اللازمة. واعتبر بوغنبور أنَّ حالات الاعتداء على المواطنين من لدن المسؤولين عن إنفاذ القانون في المغرب ليست مُمنهجة؛ "لكنها تتنامى بشكل مثير للقلق، ويجب على الدولة أن تقطع معها"، مضيفا "حين يتعرض أحد أعوان الدولة لاعتداء من لدن مواطن تُسرع الجهات المعنية إلى إصدار عقوبات ثقيلة في حقه بسرعة، بينما لا تتحرك بالصرامة نفسها حين يحدث العكس. عدد من النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي اعتبروا القرار الصادر عن ولاية جهة طنجة، توقيف قائد مغوغة، الذي بات يُعرف ب"قائد هز عليا هاد الكلب"، مجرد محاولة لامتصاص الغضب الذي أثاره اتهامه بالاعتداء على شاب كان يجلس أمام دكانه حين كانت القوات المساعدة تطارد بائعين جائلين، متسائلين عن مصير القائد المتهم بصفع "مّي فتيحة" بالقنيطرة، ما دفعها إلى إحراق نفسها قبل سنتين. ويعود عبد الرزاق بوغنبور إلى سنة 2013، حين عملت قوات الأمن على تعنيف مجموعة من النشطاء الحقوقيين والمواطنين، جراء احتجاجهم أمام مقر البرلمان بالعاصمة الرباط على تمتيع مغتصب الأطفال الإسباني دانييل كالفان بالعفو الملكي، حيث رفعت جمعيات حقوقية دعاوى ضدّ المسؤولين الأمنيين المتهمين بتعنيف المحتجين؛ لكن لم يتمّ تحريك الدعوى إلى حد الآن. ويرى بوغنبور أنَّ ما يجعل المواطنين يشكّكون في مدى رغبة الدولة في وضع حدّ لتعسفات بعض المسؤولين هو عدم تعاطيها بالصرامة اللازمة معهم، قائلا "لدينا كل الدلائل التي توثق الاعتداء الذي طالنا خلال الوقفة الاحتجاجية ضد العفو عن "كالفان"؛ لكننا لم نستطع تحريك الدعوى التي رفعناها إلى المحكمة إلى حد الآن، علما أن الدعوى رفعتها ثلاث جمعيات حقوقية، فما بالك بالمواطن العادي".