بعد زواج دام أربع سنوات، انتهت علاقة محمد بزوجته الألمانية. كانت ثمرة الزواج سامي الذي يبلغ عمره حالياً 12 عاما. تحديات كبيرة يعيشها محمد في تربية ابنه، خاصة لما انتقل للعيش معه في أسرته الجديدة، بعدما تزوج الأب من ألمانية من أصل بوسني. اقترن محمد بزوجته الأولى وهو ابن 24 عاما، سنة واحدة بعد وصوله إلى ألمانيا للدراسة، قادماً من المغرب، لكن اختلاف وجهات النظر حتّم طلاقهما، ثم تعمق الخلاف أكثر حول تربية الابن بعد الفراق. قصة سامي هي مثال للتحديات التي تواجه أسر الزواج المختلط بين أزواج مهاجرين وألمان في تربية الأبناء، وتحديداً في التوفيق بين الاندماج داخل المجتمع الألماني والحفاظ على هوية البلد الأصل للطرف المهاجر أو من أصل مهاجر. وتشير شهادات استقتها DW عربية، أنه حتى ولو اتفق الزوجان على احترام كل الاختلافات بينهما، فإنها كثيراً ما تتحوّل إلى خلافات عميقة، لكن ذلك لا يعني أن الخلاف حول تربية الأبناء يوجد في كل الأسر المختلطة، فهناك منها من استطاعت تنشئة أبنائها بالشكل الذي خططت له. حكايتين لأب واحد يحكي محمد في حديث لDW عربية، أن زواجه من السيدة الألمانية ساعده في الاستقرار بعد صعوبات واجهها أوّل ما جاء إلى ألمانيا، خاصة وأن سنهما متقارب. لكن الخلافات تعددت لاحقاً: "تبيّن أن عقليتنا جد مختلفة، رغم أن زوجتي اعتنقت الإسلام، إلّا أنها حافظت على فكرها الغربي المنفتح". لم ينعكس هذا الخلاف في البداية على تربية الطفل، فقد اتفق الزوجان على تربيته وفق رؤية محمد، غير أنه مع مرور الوقت، بدأت تحديات التربية تظهر بسبب اختلاف الثقافة الألمانية عن نظيرتها المغربية. يقول محمد " تعجبني ثقافة ألمانيا في حثها على النظام. لكنني أختلف مع الانفتاح الجنسي هنا، كما أختلف مع نمط التربية التي قد يدفع الابن للمواجهة مع والده. تربينا في المغرب على القيم الإسلامية والحشمة والبر بالوالدين، وهو ما لا أجده هنا". بعد الطلاق، عاش الطفل مع والدته إلى غاية السن السابعة، قبل الانتقال للعيش مع والده. التحاق سامي بالمدرسة كان بداية التحديات الحقيقية، إذ يرى محمد أنه رغم تمكين الطفل من دراسة مادة للأخلاقيات عوض القيم المسيحية، فهناك "معلومات خاطئة عن الإسلام تدرّس له". شكّلت اللغة تحدياً آخر، فرغم إدخال الطفل إلى مدرسة عربية تعلّم فيها القرآن، إلّا أنه لا يحب الحديث بالعربية ويفضل عليها الألمانية، حتى في حديثه إلى والده، يقول محمد. عكس تربية سامي، لم يواجه محمد تحديات كبيرة مع مالك، ابنه من الزوجة البوسنية الأصل، فانحدار هذه الأخيرة من وسط مسلم سهّل مهمة الأسرة في تربية الابن، خاصة وأنها تجمع بين الثقافة الإسلامية وكذا الألمانية لترعرعها في ألمانيا. فضلاً عن استفادة محمد من تجربة زواجه الأولى، لكن رغم ذلك استمرت بعض الخلافات، خاصة وأن الأوروبيين عموما مقتنعون بترك الحرية للأطفال وليس إجبارهم على بعض القواعد، كما يقتنع محمد، خاصة منها القواعد الدينية. عندما تصرّ الأم على ثقافتها "عدد من التونسيات المتزوجات بالرجال الألمان يحكين عن معاناتهن في تربية الأطفال، إذ يكونون أكثر ارتباطا بالمجتمع الألماني وليس ثقافة الأم" تحكي منى مسعدي غربي، رئيسة جمعية الأسرة والاندماج في مدينة إيسن لDW عربية، معطية نماذج لمشاكل وقعت بين تونسيان وبناتهن بسبب إصرارهن على الحرية المطلقة عكس ما عليه الحال في تونس. يبقى التحدي هو ذاته حتى ولو صار الوالدان، اللذان تزوجا في إطار زواج مختلط، على الدين نفسه، خاصة وأن تونس كانت تُلزم مواطناتها بالاقتران فقط بالرجال المسلمين، قبل أن تلغي لاحقاً هذا القيد. الحرية الدينية هي أكبر ما يشكّل التوتر بين أمهات مهاجرات وآباء ألمان، تضيف غربي. فالكثير من الأمهات التونسيات يصرّن على أن يترعرع أبناؤهن على الدين الإسلامي، بينما يكون الأب الألماني عموماً مرناً ولا يحب إلزم الطفل على أمر ما، ممّا يخلق اضطرابات لدى الأطفال، حسب رأي الناشطة التونسية. تحاول الأمهات التونسيات الراغبات في تعلّم أطفالهن للعربية إرسالهم إلى مدارس تدريس هذه اللغة، لكن الكثير من أطفال الزواج المختلط لا يستمرون في الالتحاق غالباً، تشير غربي. فجُلّ من يتجهون لهذه المدارس هم أبناء أسر المهاجرين. السبب في ذلك يعود إلى عدم قدرة الطفل على المزاوجة بين وسط المدرسة ووسط الأسرة التي تتحدث الألمانية. وإذا كانت الخلافات الأسرية حول تربية الأبناء قد وصلت في حالات الزواج المختلط، حدّ الطلاق، وفق ما تؤكده غربي انطلاقاً من تجربتها في العمل المدني، فإن هناك حالات أخرى استطاع فيها الطرفان تجاوز العراقيل، خاصة لما تكون الأم مهاجرة أو من أصل مهاجر: "تقدم عدد من الأمهات تنازلات كبيرة تتيح الوصول إلى تفاهمات مع الأزواج لما فيه مصلحة الطفل، كما أن هناك أزواجا ألمان لا يمانعون أن يحمل الطفل ثقافة مختلطة، شرط ألّا يؤثر ذلك على اندماجه بالمجتمع الألماني". تحديات ثقافية خاصة لا يعتقد هشام عبيدي، مرشد اجتماعي يعمل بمصلحة الشباب في مدينة هينيف، في تصريحات لDW عربية، أن تحديات التربية داخل ألمانيا تكون أكثر في الزواج المختلط، إذ يلتقي يوميا في عمله بنماذج تعاني خللاً في التنشئة، بغض النظر عن جنسية وأصل الوالدين، لكنه يؤكد أن الزواج المختلط تكتنفه تحديات ثقافية خاصة، منها الدين واللغة، وأحيانا حتى اسم الطفل، خاصة عندما لا يناقش طرفا الزواج طريقة تربية الأبناء قبل اتخاذ قرار الزواج، ممّا يجعل الصراع حتميا بين ثقافتين مختلفتين تماماً، ويؤدي بالأسر إلى اللجوء إلى مراكز الإرشاد العائلي بحثا عن الوساطة. يكون تحدي الدين حاضراً بالأساس حسب تديّن الأبوين: "قد تكون نسبة التزام الطرف المهاجر بدينه قليلة في الأيام الأولى للزواج، لكن قد يصبح أكبر التزاما لما يتقدم بالسن، وهو أمر قد لا يتقبله الطرف الثاني الألماني، ممّا يؤثر على الاستقرار النفسي للطفل" يقول عبيدي. أما بالنسبة للغة، فيوجد جانب آخر أكثر أهمية: "هناك مهاجرون مغاربيون يتحدثون الأمازيغية والعربية، ويرغبون بتعليم اللغتين معا للطفل إلى جانب الألمانية. وما يقف في مصلحتهم أن الأبحاث العلمية تؤكد أن الطفل قادر على تعلم أكثر من لغة، ممّا يتيح له ثراءً لغويا". وينصح هشام عبيدي الشباب المقبل على الزواج المختلط بالاتفاق مع شركاء حياتهم المفترضين على النقاط الكبرى التي تشرح توجهاتهم في تربية الأبناء، قبل الزواج. وإن كان ذلك ضروريا، أن يتم تدوين اتفاق يتضمن كل ما من شأنه أن يثير الخلاف مستقبلا. ويشدّد عبيدي على ضرورة تشبع الأزواج بثقافة التسامح وقبول الآخر، والأهم الاستعداد لتقديم تنازلات لأجل استمرار الزواج وتربية أفضل للأطفال. * ينشر بموجب اتفاقية شراكة مع DW عربية