النشاط الزراعي مألوف لدى عبد العزيز حريش منذ معانقته الحياة في بيئة تعتمده كمورد دخل أساسي يتأثر بمستوى جود السماء؛ لذلك ارتأى الاستثمار دراسيا في هذه الألفة الفطرية بنية الوصول إلى نجاح مكتسب. ينخرط المغربي ذاته في تجربة بحث زراعي أكاديمي وصلت موسمها الرابع في الإمارات العربية المتحدة، بعد تجارب سبقتها في كل من المغرب وإيطاليا، بينما عيناه ترصدان فرص انتقال إلى إشعاع عالمي أكبر. خريطة الطريق ولد عبد العزيز حريش سنة 1985، ومسقط رأسه دوار الزراكفة الكائن وسط جماعة الكفيفات في إقليمتارودانت، وبالمنطقة السوسية القروية نفسها تلقى تعليمه الابتدائي بمؤسسة "الدلالات". واصل حريش مشواره الدراسي الإعدادي في مؤسسة "الطبري"، ثم التحق بثانوية "عبد الله الشفشاوني" في مدينة أولاد تايمة، بينما نيل شهادة الباكالوريا كان من مؤسسة "الحسن الثاني". اختار عبد العزيز التوجه صوب معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة من أجل نيل التكوين الجامعي الذي رغب فيه، متخصصا في العلوم الزراعية، ثم أكمل المسار الأكاديمي في مركب البستنة بمدينة أكادير. التحق حريش بالمركز الدولي للدراسات العليا في الزراعة المتوسطية بمقره الإيطالي، المعروف اختصارا بتسمية "سيام"، متحصلا على "ماستر" في تدبير الموارد المائية الخاصة بالأنشطة الزراعية، ليضيفه إلى دبلوم مهندس دولة مغربي في البستنة. سير العمل انطلق عبد العزيز صوب نيل شهادة الدكتوراه من معهد الحسن الثاني في الرباط، منخرطا في مشروع يموله الاتحاد الأوروبي بهدف إدخال زراعات جديدة إلى المملكة تراعي الظروف الطبيعية المحلية. أفلح "ابن ورزازات" في نيل الدكتوراه بين أوائل الدفعة الممتثلة للنظام الجديد الخاص بهذه الشهادة العليا في المغرب، لكن تموقعه كباحث في مشروع تموله "بروكسل"، أيضا، لم يدم غير شهور قليلة هذه المرة. يقول حريش: "جاءتني فرصة خوض تجربة دولية خارج الوطن؛ لذلك قطعت التزاماتي كباحث في المغرب من أجل الالتحاق بالمركز الدولي للزراعة الملحية في الإمارات العربية المتحدة". حوافز الهجرة "لم أكن أحلم بمنصب مستقر بقدر ما رغبت في آفاق أرحب لأبحاث أنشدها؛ لذلك برزت بوادر الهجرة خلال مرحلة الماستر الذي قادني نحو الديار الإيطالية"، يكشف عبد العزيز حريش خلال استحضاره نهج سيرته. واظب الدكتور المغربي على التنقيب عن فرص التحاق بمؤسسات دولية لها صيت رفيع في الأبحاث الزراعية، إلى أن تم قبوله في المركز الدولي للزراعة الملحية المتركز نشاطه في إمارة دبي. بدأ حريش تجربته الجديدة ك"زميل ما بعد الدكتوراه"، ثم ارتقى إلى مستوى خبير، وصولا إلى موضعه الحالي الذي يجعله "خبير بستنة" متفرغا للبحث العلمي الرامي إلى تطوير الزراعات في حقول قاسية الظروف. رهانات حالية يقول عبد العزيز إن ما يقوم به يرتبط بأبحاث حول إنتاج الخضراوات والفواكه في منطقة الخليج، والعديد من أرجاء العالم ذات العوامل المناخية المشابهة لها، بالاعتماد على بيوت الإنتاج المحمية. "أعمل على مشاريع متعددة، أبرزها يرتبط بكفاءة استخدام المياه والطاقة في حاضنات الزراعة، بحثا عن الأنظمة المثالية للظفر بأعلى إنتاج كمّا وأحسن محصول نوعا"، يزيد الخبير المغربي. من جهة أخرى، يكشف حريش أن النتائج المتحصل عليها، من خلال البيوت الشبكية وأنظمة التبريد الابتكارية، يمكن اعتبارها جيدة جدا بفعل اعتمادها من قبل الإمارات العربية المتحدة لتعميمها محليا وإقليميا. يلتزم عبد العزيز بأبحاث دولية، منها ثلاثة تهم الزراعة في العيون واليوسفية والرحامنة بالمملكة المغربية، تبتغي التعامل مع زراعات بديلة في المناطق الهامشية عموما، والأراضي ذات التربة المالحة تحديدا. توسيع الآفاق يسكن الطموح الجامح روح حريش؛ لذلك يثمن ما وصل إليه في المركز الدولي للزراعة الملحية بالإمارات العربية المتحدة مع ابتغاء تطوير مكتسباته بالوصول إلى مؤسسات دولية رائدة أخرى. ويرى الدكتور عبد العزيز أن تجربته في دبي قد مكنته من التطور شخصيا ومهنيا، خاصة أن هذه الحاضرة توفر الاحتكاكات المؤثرة مع أناس من جنسيات متنوعة، لكنه يؤكد سعيه نحو المزيد من التطور متى سنحت الفرصة عبر العالم. "كلما اتسع البعد الجغرافي لمؤسسات الأبحاث غدَا ارتيادها محفزا لي كي أرفع الإيقاع وأستحضر مزيدا من الاجتهاد. هذا طموح يتصل بالقادم من السنين، في حين أبقى مركزا على أبحاثي الحالية بالإمارات"، يشدد حريش. مفاتيح المهاجرين الباحث الزراعي الثلاثيني، من خلال مساره الذي جعله بين "مغاربة العالم"، ينصح الشباب الراغب في الهجرة بحيازة الطموح إلى جانب مستوى معرفي وتقني متميز، دون إغفال الرغبة الصادقة في الاندماج ضمن المجتمع الذي يقصده. لا يستثني عبد العزيز خصلة الصبر من حزمة العتاد التي يجب أن يتسلح به المهاجرون خارج المملكة، معتبرا أن ذلك يدفع إلى ضبط عقلاني لعامل الوقت حتى يتحقق النجاح المأمول. "كل العالم أضحى مساندا للمبتكرين في أفكارهم؛ لذلك يصبح تسلق سلم النجاح صعبا على الملتزمين بالتنميط في الحياة العامة والخاصة"، يختم عبد العزيز حريش.