صدر عن مطبعة سيلكي إخوان طنجة سنة 2010 كتاب عن سيرة مولاي الطاهر الاصبهاني عضو مجموعة جيل جيلالة تحت عنوان "لما غنى المغرب" مع عنوان فرعي "مولاي الطاهر الأصبهاني و جيل جيلالة" و هو عبارة عن سيرة ذاتية للأصبهاني موقعة من طرف كل من مولاي الطاهر الاصبهاني صاحب السيرة، و العربي رياض الصحفي بجريدة الاتحاد الاشتراكي و مؤلف الكتاب. يقع الكتاب في 163 صفحة مقسمة إلى كلمة شكر و تقديم و ورقة حفظ موقعة باسم المؤلف، أما المتن فقد ضم 21 عنوانا هي عبارة عن مقالات تراوح حجم كل واحد منها بين 2 و 4 صفحات لذلك يصعب تصنيفه في مجال السيرة الذاتية أو السيرة الغيرية و خصص حوالي ربع محتوى الكتاب لشهادات في حق الاصبهاني و ذلك و ابتداء من الصفحة 127 و هي شهادات لكل من الطيب الصديقي و مولاي عبد العزيز الطاهري و محمد شهرمان و عبد الكريم القسبجي و عمر السيد و الدكتور زهير قمري و عبد القادر العلوي ثم شهادة لمحمد حمادي. ضم الكتاب أيضا ملحقا بكلمات بعض القطع التي غنتها جيل جيلالة تحت عنوان "الأغاني الخالدة" و التي حصرها المؤلفان في ثمان قطع هي: "جلاتني رياحك" و "الناس فالهوى نشدات" و "آش بيك دارت لقدار" لمولاي عبد العزيز الطاهري، و "الشمعة" و "مزين وصولك" و "ناكر لحسان" من ثرات الملحون، و "القدس" لابن عيسى الفاسي ثم "الدورة" لمحمد شهرمان. كما احتوى الكتاب على أربعين صورة فوتوغرافية منها أربع على الغلاف بما فيها صورة المؤلف، و 36 الباقية موزعة على صفحات الكتاب. انطلق الكتاب من مراحل الولادة ثم النشأة فولوج عالم الفن و جيلا جيلالة، و ضم انطباعات حاول من خلالها المؤلف عرض مشاهد من طفولة مولاي الطاهر الاصبهاني و وسطه العائلي و نشأته في مدينة مراكش، ثم دخول عالم جيل جيلالة، حيث يقدم كمؤسس للمجموعة التي ظهرت ستة أشهر بعد ظهور مجموعة ناس الغيوان. ينقل العربي رياض أن الاصبهاني كان يلحن أغاني لمسرحيات من إنجاز الطيب الصديقي و حميد الزوغي، الشي الذي دفع الأخير إلى طرح فكرة تأسيس مجموعة غنائية خاصة بالتراث الشعبيعلى مولاي الطاهر ليشرعا في جمع باقي أعضاء المجموعة و منهم محمد الدرهم. يفرض محمد الدرهم نفسه على قارئ هذا الكتاب بشكل ملح، فيترقب الخبر عن هدا الرجل عند قراءة كل فقرة من فقراته، لكنه كثيرا ما يصاب بخيبة الأمل، إذ لم يحضر الدرهم في مذكرات رفيق دربه بالشكل المنتظر. حتى في السطور القليلة التي أورد فيها الكتاب محمد الدرهم، لا يكاد القارئ يستوعب لغة الخشب المستعملة، إذ غلب عليها البرود فكانت خالية من أي تقدير أو عرفان بأدوار هذا الهرم الخالد الذي طبع تاريخ جيل جيلالة إلى درجة اقتران إسمه و رسمه بصورة المجموعة خاصة، و المشهد الفني المغربي عامة. ورد الدرهم في سياق "إخبارات" سريعة حمالة لتأويلات مفتوحة حسب اجتهادات القارئ؛ من أمثلة ذلك الحديث عن كونه ملتحقا بالمجموعة أو مؤسسا؟ كذا تأليفه لبعض القطع أو إتمامه لها، إذ يتحدث الكتاب عن إتمام المقاطع الأخيرة من "الكلام المرصع" و "العار آبويا" دون تعيين المقصود ب "المقاطع الأخيرة"... لم يكلف الكاتب نفسه عناء إيراد شهادة في حق الدرهم كما فعل مع الفنان عبد الكريم القسبيجي و عبد العزيز الطاهري، واكتفى في المقابل بترديد مقولات فرضها محمد الدرهم بفنه و حضوره في الساحة بل و يعرفها القاصي و الداني، فإذا كان الأصبهاني يرى أن عبد الكريم قد أضاف بالتحاقه للمجموعة "نكهة أخرى ستمدها بنفس جديد" و أن أشعار مولاي عبد العزيز الطاهري "ستضفي جمالية أخرى على أداء جيل جيلالة" فإن الدرهم في المقابل و إن كان "زجال متميز" فهو صاحب "الغضبات" الذي كان يمارس "الغنان" على "المستضعفين" مولاي الطاهر الأصبهاني و عبد الكريم القسبجي و هو المزاجي الذي يرحل عن المجموعة متى شاء و يطلب العودة إليها متى شاء فلا يلاقى من أصحابه سوى الترحيب و القبول. يقدم الدرهم أيضا كمثير ل "الأزمات" و"المآزق" إلى جانب الطاهري، فقد كانت للرجلين مصادر دخل أخرى تجعلهم في مأمن من عوادي الزمن، في حين كان الاصبهاني و القسبجي يتحملان تبعات الأزمات التي يخلفها انسحاب الدرهم من المجموعة في المقابل عمل الكتاب على تأكيد علاقة المصالحة مع الغيوان في شخص المرحوم بوجميع، و في الحقيقة عندما يصل الحديث إلى بوجميع فالجميع يجمع على علاقة الصداقة الطيبة مع هذا الرجل، بل تلمس أن الكل يحاول محو تهمة معاداة بوجميع أو حتى تبني موقف تجاهه... وقد ذهب مولاي الطاهر الأصبهاني مذهبا بعيدا في هذا الشأن، بل أن الرغبة في تثبيت حالة الصداقة بين بوجميع و الاصبهاني جعل الأخير يجزم أن الغيوان و جيل جيلالة متساويتين من حيث التعامل مع الإيقاعات التراثية و في هذا تبخيس واضح لقدر جيل جيلالة كأحسن مجموعة تعاملت مع الأنماط الإيقاعية المغربية المختلفة و تفننت فيها. لا يمكن لأحد أن ينكر أن بروز جيل جيلالة مباشرة بعد الغيوان في شكل متميز و خاص يبرز غنى الثقافة الشفهية المغربية الزاخرة بالايقاعات التي لا تعد و لا تحصى، و التي تترك مجالات واسعة لتوالي الأشكال الموسيقية المتنوعة، إذ كلما ظهرت مجموعة غنائية لاحقة إلا و تميزت عن السابقة في إبداع فريد، هذا الأمر حدث مع جيل جيلالة بعد الغيوان و المشاهب بعد جيل جيلالة و لرصاد بعد لمشاهد و السهام بعد لرصاد... إذ كانت كل مجموعة مشتبهة و غير مشابهة للتي قبلها. كان ظهرو جيل جيلالة مناسبة برز فيها شباب عشريني لينبه الكهول و الشيوخ الذين تاهوا في انبهار تام بالموسيقى الشرقية و برموزها، فحقق هؤلاء الشباب مفارقة عجيبة لما نبهوا إلى ظرورة العودة إلى التراث الموسيقي المغربي الأصيل، و أعادوا الاعتبار للنصوص الصوفية و قصائد الملحون، و رفعوا من شأن القصيدة الزجلية بكلماتها العامية الأصيلة و ما تتضمنه من أمثال و أقوال شعبية، لكنها في المقابل على غرار باقي المجموعات الغنائية عانت من لعنة الاختلاف و الانقسام بشكل أثر في مسارها و مستويات إبداعها، و إذا كان الانقسام قد ظل عصيا عن الالتحام من جديد، فقد أعطى في المقابل تجارب أخرى إما فردية أو رفقة مجموعات أخرى أغنت الساحة الفنية بتجارب جديدة.