النزاع على إقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب قائم منذ نهاية 1975، وجربت فيه كل وسائل الحسم العسكرية والسلمية، ومع ذلك لازال مستعصيا على الحل، في أفق إيجاد حل يرضي جميع الأطراف. والتراضي يفترض تناسبا بين الأطراف في المنفعة والمضرة، أي إنه يفترض درجة من التوازن. فهل أطراف النزاع متوازنة يا ترى؟ قرأت منذ أيام في موقع هسبريس عن التقرير الإستراتيجي للمغرب 2014-2018، الذي أصدره المركز المغربي للدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، وساهم في إنجازه 47 باحثا، واستغرق إعداده ثلاث سنوات. وذهب المركز إلى أن الصراع حول الصحراء هو صراع بين النظامين المغربي والجزائري بالأساس، بُغية تحقيق تزعُّم إقليمي مفترض، وأنّ البوليساريو ليست سوى أداة يستعملها النظام الجزائري لتحقيق هذا الغرض. وهكذا يبدو من نظرة حسابية أن التوازن مختل بين الأطراف بحكم أن هناك خصمين (الجزائر والبوليساريو) ضد واحد (المغرب). أما على الأرض فإن المغرب يستحوذ على القسم الأكبر، إذ قسم اتفاق وقف إطلاق النار الأراضي الصحراوية المتنازع عليها إلى ثلثين، وهما في حوزة المغرب، مقابل ثلث لدى خصومه، وهو عامل مخل بالتوازن المطلوب للحل التوافقي. من حيث تواجد الأشخاص المرتبطين بحل النزاع (العنصر الصحراوي تحديدا)، يكاد يكون مناصفة بين المغرب والجزائر. ويظهر العامل البشري متوازنا حسابيا بين الأطراف، لكنه مع بقية العوامل يجسد حقيقة اختلال التوازن المطلوب للحل التوافقي؛ فنصف السكان لديه ثلث الأراضي (الخالية) المتنازع عليها، والنصف الآخر لديه الثلثان النافعان. ولكي نصل إلى التوازن المطلوب للحل التوافقي فهذا يتطلب أمرين اثنين: - إما أن تنتزع الجزائر والبوليساريو من المغرب ثلث الأراضي الصحراوية النافعة التي يحوزها، ويكون لكل طرف نصف الأرض ونصف سكانها؛ وهذا الحل يحول دونه اتفاق وقف إطلاق النار الذي يمنع على أي طرف التقدم شبرا واحدا داخل المنطقة العازلة بين القوات.. وسبق أن تقدمت به الجزائر لحل للنزاع ورفضه المغرب. - وإما أن ينتزع المغرب من الجزائر ثلث الصحراويين الذين يشكلون الأداة (البوليساريو) التي تستخدمها ضده، فيصبح هناك توازن بين الأطراف، كل طرف يحوز شطرا من الأرض بقدر سكان الإقليم لديه، ومن خلاله يستطيع المغرب تمرير مقترحه في الحل (الحكم الذاتي) دون الحاجة إلى استفتاء، فلديه ثلثا الأراضي وثلثا السكان. ولكن الوصول إلى هذا الحل يحتاج تفكيك الأداة (البوليساريو)، وأن يكون شطر الإقليم المتنازع عليه الذي يحوزه المغرب جاذبا يغري بالعودة إليه. ولهذا أرى أن الحل الوحيد يتمثل في دعم حرية اختيار سكان المخيمات في أن يختاروا الشكل الذي يرونه مناسبا بشكل ديمقراطي؛ ذلك أني أرى أن الديمقراطية في المخيمات وسيلة لتفكيك البوليساريو وإضعاف موقف الجزائر في النزاع للأسباب التالية: - حضور الجزائر في ملف النزاع بالرغم من أنها لا تحوز شيئا من الأراضي المتنازع عليها مرتبط ومرهون ببقاء سكان المخيمات تحت قبضتها ويأتمرون بأمرها، ما يفرض عليهم أن يكونوا على درجة كبيرة من الانضباط، وهو أمر لا تحققه غير الديكتاتورية والشمولية المتمثلة في الحزب الواحد (البوليساريو). - وبما أن الاختلاف طبيعة بشرية وحق من حقوق الإنسان التي تعطي لأي مجموعة بشرية الحق في التجمع وتشكيل الجمعيات للتعبير عن طموحاتها وتطلعاتها وتحقيق مصالحها، فإن أداة الجزائر في المخيمات (البوليساريو) تمنع على سكان المخيمات تشكيل الجمعيات والأحزاب السياسية؛ فالتعددية ستنتج أكثر من ممثل ومخاطب ومتكلم باسم الصحراويين، ولا تستطيع الجزائر ضبطهم وتأطيرهم كلهم لخدمة أجندتها في النزاع. لأن التعددية السياسية ستفرز في ساحة المخيمات راديكاليين مع ما تقوله الجزائر، ودعاة الواقعية السياسية والبحث عن حل مشرف ينهي معاناة الصحراويين، ووسطا متذبذبا بين أولئك وهؤﻻء. - أعتقد أن هذا المخاض السياسي سيضعف موقف الجزائر حتما في النزاع، وقد يحصل منه الثلث الذي يحتاجه المغرب لتحقيق التوازن المطلوب للوصول إلى الحل التوافقي، بشرط أن تشهد الأقاليم الصحراوية في المغرب تنمية حقيقية، وأن تدار بحكامة جيدة وصارمة تضمن تكافؤ الفرص بين الجميع لتحقيق عدالة اجتماعية تضمن للفرد حقوقه برابطة المواطنة في الدولة التي تساوي بين الجميع، لا برابطة الوﻻء لفرد أو حزب أو جهة إدارية معينة. - وبناء على ما سبق أعتبر أن الحلول المحلية أيسر وأقرب إلى التحقيق من الحلول الدولية، فالحل المحلي مرتبط بحقوق على الدولة، كالحق في التنمية وعيش الإنسان بكرامة، وأن ينعم بكافة حقوقه، بما فيها الحق في تشكيل الجمعيات والأحزاب السياسية، يشكل استفاءها قيمة مضافة للدولة، فستخفف من اﻻحتقان اﻻجتماعي المستغل خارجيا، وتبني الثقة المهزوزة بسبب تأثيرات إدارة النزاع، وهي ذات الثقة المطلوبة للحل التوافقي. على سبيل الختم خلاصة الفكرة أننا كلما تقدمنا في الحل المحلي سنقترب حتما من الحل النهائي للنزاع، ونخفف من الضغط الدولي الذي يستنزف مقدرات المنطقة بمساوماته بمواقفه المؤيدة أو المعارضة لهذا الطرف أو ذاك. *قيادي سابق في جبهة البوليساريو الانفصالية