يراهن المغرب بشكل كبير على انضمامه إلى المجموعة الاقتصادية "سيدياو" كعربون وفاء للتاريخ المشترك الذي يربطه بالقارة السمراء، وهو انضمام يحمل لا محالة رهانات مشتركة مع عدد من بلدان إفريقيا، والهدف هو تنمية الاستثمارات ورفع مستوى التبادل التجاري الذي ما يزال ضعيفا. ومنذ أن تقدم المغرب بطلب رسمي للانضمام إلى المجموعة في فبراير من العام الماضي، كثرت الندوات والتحليلات الراصدة للأسباب الكامنة وراء رغبته في تقوية تعاونه مع دول غرب إفريقيا، التي تعتبر أقوى وأنجح تكتل اقتصادي في القارة السمراء بسوق استهلاكية تقدر ب350 مليون نسمة. وعكس ما يعتقد حول رغبة المغرب في الاستفادة أكثر بدخوله سوق "سيدياو"، فإن الرباط لديها أيضاً فرص كثيرة لاستقطاب الاستثمار من دول هذه المجموعة الاقتصادية، كما أن الأمر ذو فائدة للطرفين معاً وللقارة الإفريقية أجمع، بهدف الرفع من التجارة البينية وخلق سلاسل قيمة إقليمية لمواكبة السوق الدولية. وفي هذا الصدد، قالت سناء لحلو، مديرة دولية بالوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، إن اندماج المغرب في "سيدياو" سيتيح تعزيز الاستثمارات والصادرات بين مختلف الدول، إلى جانب تموقع المجموعة في المرتبة السادسة عشر عالمياً من الناحية الاقتصادية. ويناط بالوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، المحدثة مؤخراً، دور كبير في ما يخص تنمية العلاقات التجارية بين المغرب ودول القارة الإفريقية، بعدما تم دمج الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والمركز المغربي لإنعاش الصادرات. وترى لحلو، في حوار أجرته معها جريدة هسبريس الإلكترونية على هامش مشاركتها في ندوة نُظمت الأسبوع الماضي بأبيدجان حول رهان انضمام المغرب إلى "سيدياو"، أن الأمر يمثل أيضاً فرصة جيدة للمستثمرين من هذه الدول لاستغلال الفرص المتاحة في المملكة. وأوضحت المسؤولة بالوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات أن هذا الانضمام المرتقب يشكل أيضاً فرصة لربط المنطقة بسلاسل القيمة العالمية عبر تحقيق التكامل الصناعي بين المغرب والدول الخمسة عشر المكونة للمجموعة الاقتصادية. وترى لحلو أن "سيدياو" ب16 دولة، أي بانضمام المغرب، سيكون ناتجها المحلي الإجمالي قرابة 730 مليار دولار، كما أن توسيع أعضاء المجموعة سيساهم في تعزيز الاستقرار الماكرو اقتصادي في المستقبل وتحقيق التكامل والتقارب بين الاقتصادات. ويعتبر أبرز مكسب سيتحقق بهذا الانضمام هو تموقع المغرب كحليف لمواجهة الدول الناشئة مثل الصين والبرازيل وبعض البلدان الأوروبية، إضافة إلى زيادة جاذبية الاستثمار في المجموعة، ورفع حجم التجارة البينية الإفريقية التي لا تتجاوز حالياً 13 في المائة، وتسهيل الولوج إلى القروض والأسواق المالية. وخلافاً للأفكار الرائجة، تعتقد سناء لحلو أن انضمام المغرب إلى "سيدياو" سيكون فرصة لمستثمري المجموعة للاستثمار في المملكة، مشيرةً إلى أن المغرب وضع في السنوات الأخيرة عدداً من الإجراءات والتدابير لتنويع مصادر الاستثمار الأجنبي المباشر بهدف جذب أكثر للمستثمرين من القارة السمراء. وأوضحت في هذا الصدد أن اقتصاد المغرب يتميز بالاستقرار والانفتاح، ويقر تدابير ضريبية محفزة وحماية حقوق المستثمرين الأجانب عبر إتاحة ترحيل الأرباح إلى الخارج، إضافة إلى تبسيط مساطر إنشاء المقاولات عبر نموذج "one stop shop". وما يحفز أكثر الاستثمار الإفريقي في المغرب هو الهيكلة التي يتميز بها الاقتصاد المغربي بإعطاء أولوية للصناعات الناشئة ذات القيمة المضافة العالية؛ أهمها صناعات السيارات والطيران والكهرباء، والصناعات الإلكترونية، والنسيج، وتقنيات الاتصال والتواصل. ومن بين المستثمرين الأفارقة المتواجدين في المغرب، نجد دولة نيجيريا عبر مجموعة "Dangote"، من خلال شركاتها المتخصصة في اللوجستيك والأسمدة، إضافة إلى الكونغو عبر مجموعة "Etoka" المتخصصة في النفط والغاز ومواد التشحيم. كما يستثمر الملغاشيون في المغرب عبر مجموعة "IliasAkbaraly"، من خلال شركتها "Sipromad" التي تعتبر أكبر مجموعة صناعية من مدغشقر. أما جنوب إفريقيا، فهي حاضرة بقوة بعدما اشترت مجموعة "سانلام" مجمل أسهم "سهام للتأمين"، بالإضافة إلى "Investec" المشتغلة في مجال النقل واللوجستيك، و"Mara" في مجال العقارات. أما الجارة الجنوبيةموريتانيا، فتستثمر في المغرب في قطاع العقار والفندقة عبر مجموعة "Bo Amatou". وتلاحظ لحلو، وهي التي راكمت تجربة كبيرة في مجال التنمية الاقتصادية ومواكبة المقاولات، أن حضور البلدان الإفريقية في سلسلة القيمة الصناعية العالمية ما زال ضعيفاً جداً، وهو ما يمكن للمغرب أن يعلب فيه دوراً لكي تتموقع مجموعة "سيدياو" في هذا المجال دولياً، وتحقيق معدل اندماج إقليمي مرتفع من خلال التكامل الصناعي الأوسع. كما تؤكد لحلو على أهمية التفكير في منتجات تحمل علامة "صُنع في سيدياو" عبر خلق منظومات قطاعية إقليمية إفريقية؛ وذلك بتخصص كل بلد في فرع من فروع سلسلة الإنتاج، وتعطي مثالا على ذلك بقطاع السيارات بالنسبة للمغرب وكوت ديفوار ونيجيريا، والحوامض من خلال عصير الأناناس والمانغو، ومستحضرات التجميل باستغلال ثروة زبدة الشيا، إضافة إلى قطاعي النسيج والخشب.