يلعب الاقتصاد دورا محوريا في دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى انتخابات مبكرة، في وقت تلف الضبابية المستقبل الاقتصادي للبلاد، مع أن النمو فيها هو الأسرع في "مجموعة العشرين". وسجلت تركيا نموا يعد ممتازا في العام 2017 بلغت نسبته 7,4 بالمائة. إلا أن هذه النسبة فشلت في تخفيف حدة المخاوف بشأن وضع الاقتصاد، الذي يسجل تضخما كبيرا وسط عجز كبير في الحساب الجاري وضعف قيمة العملة. ولطالما كان الاقتصاد بشكل عام ورقة رابحة بالنسبة إلى أردوغان على مدى سنواته ال15 في السلطة، حيث ينسب رجل تركيا القوي إلى نفسه الفضل في إنقاذ بلاده من الفوضى، التي أوصلتها إلى شبه انهيار مالي خلال أزمة عامي 2000 و2001. ومن خلال تقريب موعد الانتخابات بعام ونصف عام إلى 24 يونيو، يسعى أردوغان إلى اقتناص خمسة أعوام إضافية في السلطة، مستفيدا من الاقتصاد وهو في ذروته قبل حدوث أي ركود، حسب المحللين. ومع تجاوز نسب البطالة والتضخم 10 بالمائة، ستسعى المعارضة التركية، كذلك، إلى الاستفادة من مشاعر الاستياء المتزايدة جراء الوضع الاقتصادي في الانتخابات. وأكد المتخصص في الشأن التركي في مؤسسة "غلوبال سورس بارتنرز" باسطنبول، أتيلا يشيلادا، لوكالة "فرانس برس"، أنه "كان من المستحيل المحافظة على وتيرة (النمو) هذه حتى نوفمبر 2019"، مضيفا أن الاقتصاد "يمضي بسرعة كبيرة جدا" قد تحمل تداعيات سلبية. تفاقم نقاط الضعف ولا يمكن لأي زائر لاسطنبول وغيرها من المدن التركية تجاهل الوتيرة المتسارعة التي تجري بها أعمال البناء. وتعمل الحكومة على مشاريع ضخمة مرتبطة بالبنى التحتية، انطلاقا من مطار جديد ضخم باسطنبول يتوقع افتتاحه في وقت لاحق هذا العام، وصولا إلى قناة ملاحية على نسق السويس بمحاذاة البوسفور. لكن التقارير، التي أشارت إلى سعي اثنتين من أكبر الشركات التركية إلى إعادة هيكلة ديونهما، أثارت قلق الأسواق، في مؤشر على أن الطموحات قد تكون تجاوزت الواقع بأشواط. وأفادت تقارير إعلامية أن مجموعة "دوغوش"، التي تملك مصرف "غارانتي" ومطاعم للملحمة التركية الشهيرة "سولت باي"، و"يلدز القابضة"، التي تملك علامتي "غوديفا" و"ماكفيتيز" التجاريتين للحلويات، طلبتا من البنوك إعادة هيكلة ديون بمليارات الدولارات. وقال الخبير الاقتصادي الرفيع في الأسواق الناشئة في معهد "كابيتال إيكونوميكس"، وليام جاكسون، إن "البيانات الاقتصادية كانت قوية للغاية حتى الآن، لكن من الواضح أن هذا يتسبب في تفاقم نقاط الضعف". وأوضح لوكالة "فرانس برس" أن التضخم، الذي تجاوز 10 بالمائة، وزيادة العجز في الحساب الجاري، الذي يعد مقياسا لحجم الديون التركية من الخارج، يشكلان مصدر قلق أساسي. غير أن الخبير الاقتصادي تشارلز روبرتسون، من مصرف "رينيسانس كابيتال" الاستثماري، أشار إلى أن مشاكل الاقتصاد التركي ليست خطيرة بما فيه الكفاية لتؤثر سلبا على أردوغان في الانتخابات. وقال لوكالة "فرانس برس" إن معدلات "البطالة لا تزال في مستوى مقبول، وبما أن الكثير من الأتراك يدخرون بعض المال بالعملات الأجنبية، فإن الطبقة المتوسطة لا تشعر كثيرا بتداعيات ضعف الليرة". تعافٍ "لم يدم طويلا" وفقدت الليرة التركية نحو 10 بالمائة من قيمتها أمام الدولار منذ مطلع العام قبل إعلان أردوغان إجراء انتخابات مبكرة، وهو ما جعلها بين أسوأ عملات الأسواق الناشئة في العالم. لكن عبر وضعه حدا للضبابية بشأن إجراء انتخابات مبكرة، وهي مسألة أثارت تكهنات على مدى شهور، أعطى أردوغان دفعة لليرة، حيث ارتفعت قيمتها، الأربعاء، إلى أعلى مستويات تبلغها، مؤخرا، وحافظت على معظم مكاسبها مذاك. إلا أن جاكسون شكك في إمكانية المحافظة على ذلك، نظرا إلى حجم العجز في الحساب الجاري، الذي يترك تركيا رهينة تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، وهو أمر بإمكانه التأثير سلبا على العملة المحلية والضغط عليها، مشيرا إلى ظروف مشابهة في الماضي شهدت تحسن العملة التركية، لكن ذلك "لم يدم طويلا، حيث إن الاتجاه المجمل بالنسبة إلى الليرة كان هو انخفاضها"، يضيف جاكسون. وتترقب الأسواق بحذر اجتماع لجنة السياسة النقدية، التابعة للبنك المركزي التركي، الأربعاء، والتي ستقرر بشأن زيادة معدلات الفائدة أم لا. وفيما يدعو خبراء الاقتصاد إلى زيادة معدلات الفائدة لخفض التضخم، يدافع أردوغان عن وجهة النظر الرافضة لذلك. وفي هذا السياق، أكد روبرتسون أنه "لتثبيت التعافي، على البنك المركزي رفع معدلات الفائدة، لكن أردوغان يقف عقبة في طريق تحقيق ذلك". *أ.ف.ب