عاشت لجنة الداخلية واللامركزية والبنيات الأساسية بالبرلمان الأسبوع الماضي أسبوعا طويلا وصعبا وشاقا لا بالنسبة لوزارة الداخلية او بالنسبة للفرق البرلمانية أثناء مناقشة مشروعي القانونين التنظيمين المتعلقين بمجلس النواب وبالأحزاب السياسية ، هذه المناقشة التي أبانت عن اختلالات منهجية وسياسية عند النخب البرلمانية وعن ثبوتية خطاباتها وسلوكاتها و تبعيتها لثقافة الأوامر والتعليمات .لقد أثبتت مناقشة هذين المشروعين التنظيمين عن عبثية وبؤس الثقافة السياسية حيث أبانت فرق الأغلبية وفرق المعارضة بمجلس النواب عن غياب أي تنسيق لا بين فرق المعارضة ولا بين فرق الأغلبية حيث رأينا فريقي حزبي التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية من الأغلبية الحكومية يقدمان تعديلات مع فريقي حزبي الأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري من المعارضة وتقديم فريق تحالف القوى التقدمية الديمقراطية الذي يقوده حزب التقدم والاشتراكية تعديلات وحده وليس مع فرق الأغلبية . ومن المؤسف ان تكون مداخلات جل أعضاء اللجنة أثناء مناقشة مشروعي القانونين التنظيمين المتعلقين بمجلس النواب وبالأحزاب السياسية سياسيوية أكثر منها قانونية بل هناك من الفرق البرلمانية من استغل هاته النقاشات لتصفية بعض الحسابات السياسوية اما مع بعض الأحزاب او مع وزارة الداخلية. وكان فريق حزب العدالة والتنمية هو نجم هذه النقاشات أثناء مناقشة هاذين المشروعين التنظيمين حيث انه أبان عن تنظيم ممنهج وتكتيك سياسي ذكي مستفيدا في ذلك من ارتباك فرق الأغلبية البرلمانية والحكومية التي بدت جد مرتبكة وشبه تائهة خصوصا حول بعض مواد بعض هذين المشروعين حيث لم تفلح فرق الأغلبية الحكومية والبرلمانية توحيد خطاباتها ومواقفها او تقديم تعديلات موحدة حول هذه المشاريع وهو ما أحرج كثيرا وزير الداخلية الذي وجد نفسه أمام أغلبية برلمانية مبلقنة وتائهة وهو يتلقى سيلا من الانتقادات والتساؤلات المحرجة من حزب العدالة والتنمية الذي انسحب يوم الأربعاء مساء من اللجنة احتجاجا على تأخير الجلسة إلى الساعة 19س و30 مساء بدل الساعة 16س و.30 زوالا نتيجة تضارب المواقف بين فرق وأحزاب الأغلبية خصوصا بين حزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال من جهة وبين حزبي الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار من جهة أخرى حول الفقرة الثانية من المادة 5 التي جاء فيها "لا يؤهل للترشح للعضوية في مجلس النواب برسم الدائرة الانتخابية الوطنية كل شخص سبق انتخابه عضوا في المجلس المذكور برسم نفس الدائرة الانتخابية".وهي الفقرة التي كادت ان تفجر فرق الأغلبية البرلمانية والحكومية. والمطلع على تعديلات فرق الأغلبية البرلمانية حول هذه الفقرة سيلاحظ درجة النفاق السياسي عند الأحزاب السياسية اليمينية واليسارية وازدواجية خطاباتها اتجاه اللائحة الوطنية المتعلقة بالنساء والشباب. فجل تعديلات فرق الأغلبية والمعارضة قفزت عن المادة 5 من مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب رقم 11-27. ومن سوء فرق الأغلبية البرلمانية التي بدت مشتتة وتائهة أثناء مناقشة القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب ان يتزامن ذلك مع السحب المفاجئ للحكومة لمشروع قانون المالية الذي على إثره تم تعديل المرسوم المتعلق بالدورة الاستثنائية الحالية للبرلمان لإيداعه بالبرلمان ،و إبلاغ أعضاء لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمكان وتوقيت اجتماع اللجنة وإيصال الوثائق الى مقر البرلمان لكنها سحبت في آخر لحظة دون أي إخبار مسبق ، والغريب في الأمر ان يتم تعامل الحكومة مع البرلمان بهذا الشكل في ظل الدستور الجديد .وأمام هذا الوضع الشاذ وجد وزير الداخلية و الأغلبية البرلمانية أنسفهم في مأزق حقيقي لان لا احد منهم عرف بالتحديد ماذا حصل وكيف تم سحب هذا المشروع ، ولذلك طالب حزب العدالة والتنمية دعوة رئيس الحكومة عباس الفاسي للبرلمان لتفسير ما وقع لأن المقتضيات القانونية تقتضي ان يكون السحب بخطاب من رئيس الحكومة مبررا فيه أسباب السحب . لكن ما راج هو ان عباس الفاسي لا علم له بما حدث، وهو ما يعني أن الحكومة لم تسحب رسميا المشروع من البرلمان .مما فهم منه ان جهات نافذة هي من كان سحب هذا المشروع دون علم رئيس الحكومة وهذا خرق واضح لمقتضيات الدستور الجديد ومؤشر خطير على ان النخب السياسية والبرلمانية والحكومية ما زالت لا تمارس اختصاصاتها وفق مقصيات الدستور الجديد ولم تمتلك الشجاعة السياسية والأخلاقية بعد لرفض هذه الممارسات وكأن مغرب ما بعد دستور 2011 هو مغرب ما قبل هذا الدستور. ومن المؤسف ان هذا الارتباك لم يبق حكرا على الحكومة بل امتد حتى للأحزاب التي أبانت أثناء مناقشة القوانين المؤطرة للانتخابات التشريعية المقبلة ان الكثير منها ما زال لا يمتلك سلطة القرار ولا يتوفر على بعد النظر وهذا ما تجسد في مواقف التحالف الرباعي المكون من:" الاتحاد الدستوري – التجمع الوطني للأحرار – الحركة الشعبية – الاصالة والمعاصرة" الذي اتخذ موقف صلبا من الفقرة الثانية من المادة 5 التي كادت ان تفجر الأغلبية الحكومية والبرلمانية لولا التغيير المفاجئ لأحزاب هذا التحالف التي قدمت عشية الأربعاء 28 شتنبر تعديلات تجاهلت فيها الفقرة الثانية من المادة 5 لتعود صبيحة يوم الخميس لتقدم تعديلات من أهمها انه لا تطبق مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 5 لهذا القانون التنظيمي على انتخابات أعضاء مجلس النواب المقبل تفاديا للتعارض مع الدستور ومع المبدأ الدستوري المتمثل في عدم رجعية القوانين ، وهنا نقول ياللعجب .. كيف لأحزاب لها اطر عليا وأساتذة جامعيين وخبراء في القانون ان تقع في هذه الأخطاء القانونية البسيطة، بل لماذا ما زالت الأحزاب السياسية تقبل تدخل وزارة الداخلية في أمورهم الداخلية وفرض بعض المواد؟. ان سحب مشروع قانون المالية بدون علم رئيس الحكومة وقبول الأحزاب إدخال تعديلات مفروضة عليهم من جهات أخرى وفي آخر لحظة والطريقة التي تناقش بها مشروعي قانون الأحزاب رقم 11-29 قانون مجلس النواب رقم 11-27 تبين ان الحكومة الحالية والأحزاب السياسية لا تتوفر على رؤية شاملة وإستراتيجية لتنظيم انتخابات مبكرة وفق مقتضيات الدستور الجديد، بل انها لم تتخل بعد عن ممارساتها السابقة اتجاه الانتخابات. وغياب هذه الرؤيا جعلت المهتم يتخوف من تمس أدوات وأساليب التلاعب عملية الانتخابات بغرض تحقيق مقاصد غير تلك التي تُرجى من هذه الانتخابات التي يتمنى الكل ان تكون ديمقراطية. وعلى هذا الأساس فالاستعداد الجيد لإجراء الانتخابات النزيهة هو "ذروة الديمقراطية وليس بدايتها"، فالانتخابات النزيهة لا تسبق الديمقراطية، لان الانتخابات الديمقراطية هي آلية من آليات تطبيق المبادئ الرئيسية للديمقراطية، وليس هدفاً في حد ذاتها. كما تعد الانتخابات الديمقراطية شرطاً ضرورياً لكنه ليس كافياً لدمقرطة النظام والمؤسسات ، فمجرد إجراء الانتخابات الديمقراطية لا يعني أن نظام الحكم بمؤسساته أصبح نظاماً ديمقراطياً. وعليه ، ان التهييئ القانوني واللوجستيكي والسياسي للانتخابات المبكرة أفرز مؤشرات مقلقة يجب الانتباه إليها خصوصا في سياق انتخابي دقيق ومتميز بمؤشرين: الأول حكومة مرتبكة وأحزاب تائهة واستعداد قبلي غير مقنع.والثاني اتساع دائرة المقاطعين لهذه الانتخابات والمشككين في اختلافها عن باقي التجارب الانتخابية السابقة. لذلك حذاري من تضييع فرصة هذه الانتخابات المبكرة التي هي في حاجة ماسة لتجنيد سياسي حقيقي يعيد للمواطن ثقته في هذه العملية الانتخابية، ان للانتخابات متطلبات هي في جوهرها المبادئ الرئيسية للدستور الديمقراطي ومجموعة من الإجراءات والقوانين والإرادات التي توضع بغرض تطبيق تلك المبادئ، وهذا ما يجعلنا ننبه الحكومة والأحزاب السياسية بان تركز على إنجاز تلك المتطلبات قبل إجراء الانتخابات لتترك مساحات الأمل تتسع على حساب مساحات التشاؤم لان هناك أكثر من مؤشر مقلق على ان انتخابات الدستور الجديد ستغتال نتيجة غياب الإرادة السياسية الحقيقية عند الدولة وعند الأحزاب السياسية.، وهذا من شانه ان ان يجعل مستقبل المغرب مرهونا بكل الاحتمالات ....