عبد الوهاب الرامي واحد من أعمدة الصحافة المغربية. تخرج على يديه مئات الصحافيين من المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط. وصدر له كتاب "دليل الصحفي المهني، الأجناس الصحفية مفتاح الإعلام المهني"، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو). وهو إلى جانب أنه أستاذ جامعي، فهو شاعر يعزف على وتر الكلمِ والحرف. أغراض قصائده الشعرية تختلف، من بينها تلك الموجهة إلى الصحافيين والإعلاميين. تتضمن أبياتاً للانضباط لأخلاقيات المهنة، وكذا قواعد الاشتغال المهني. تكونت بالمعهد العالي للإعلام والاتصال على يدِ أعمدة الإعلام، وبعد ذلك صرت أستاذاً بالمعهد نفسه درسَ على يديك المئات من الصِّحافيين، وفي الآن ذاته تكتب القصائد والروايات. لو أردت أن تعرف بنفسك للناس، هل كنتَ لتختار صفة "شاعر" أولا، أم صفة "الأستاذ الجامعي"؟ يعني أيهما أقرب إلى شخصك؟ شاعر جامعي أو جامعي شاعر، كلاهما يؤديان إلى المعنى نفسه، ولا أريد أن أفصل بينهما. الشعر أقرب إليّ حين أكون في مقام الشعر، وعلاقتي بالطلبة لا تخلو كذلك من شاعرية. لأنني لا أومن بالشعر إلا إذا كان منه شيء في سلوك الشاعر، وإلا كان مروقا عن نواميس الخلق التي تميز الذات الشاعرة. يلاحظ القارئ لقصائدك جلياً أنّ عدداً مهما منها يتوجه إلى الإعلاميين، فبعدما ألفت كتاب "الأجناس الصحافية" الذي يضع قواعدَ الاشتغال الصحافي، توجهت نحو الأشعار المرتبطة بالعمل الإعلامي. لماذا كان لك هذا التوجه؟ قصائدي المرتبطة بالإعلام هي مرافعة حول النزاهة والصدق والالتزام بالحقيقة، وغيرها من الفضائل المهنية. وهي قيم مشتركة بين بني الإنسان من أجل السمو به، ودمقرطة الحياة عامة. وهناك أمران يهمانني في مسألة النظم الشعري حول قضايا الإعلام. أولهما إثارة هذه القضايا خارج القوالب المسكوكة، على اعتبار أن تميّز الحامل -الشعر العمودي هنا- باعث على الانتباه، وله أصلا قوة تحسيسية بفعل وزن الشعر التاريخي في التحسيس بقضايا مختلفة تمس حياة الناس . والشعر العربي له باع طويل في هذا الباب. وثانيهما يكمن في أن الشعر وعاء جيد للأخلاقيات، نظرا لقيامه على التسامي وتجاوز كل ما هو رديء، تصورا، وسلوكا، وممارسة. في قصيدة "عربدة قطة"، التي خصصتها للحديث عن الإثارة الإعلامية، وظّفت لغة حديثة تتعلق بالإثارة التي توظفها بعض المواقع الإلكترونية اليوم، لجذب القارئ، وهو ما اعتبرته في ذات القصيدة أمراً ينبغي تجنبه. نعم. عالم اليوم هو، أصلا، مثير. وهناك صناعة عالمية لا تفصح عن نفسها، يمكن تسميتها "صناعة الإثارة"، يتم تصريفها بدواعي الفرجة، والترفيه، والتشويق، إلخ. وقصيدة "عربدة قطة" تستلهم خبرا عن قطة في إحدى الحانات تشرب الخمرة وتدخن السيجار. وكان الخبر قد ورد في الصفحة الأولى لأسبوعية بالمغرب، مع صورة للقطة المنتشية بالكحول والدخان. والمشكل مع الإثارة هو أنها تمرر جملة من التصورات الخاطئة مجتمعيا، وقد تعصف بحس التوازن الذي هو أساس "عقلانية" الصحافة. والواقع ينبئ بأن العالم يتجه نحو مزيد من الإثارة، خاصة حين لا تستطيع الصحافة الإلكترونية الفكاك من أسر جمهور شبكات التواصل الاجتماعي، وهيمنة انتظاراته عليها. هل تفكر في إصدار ديوان كامل موجّه إلى الصحافيين؟ لا أفكر في إصدار ديوان كامل حول الإثارة الإعلامية؛ لأن الأمر سيكون في حد ذاته مثيرا ! لكن بإمكاني، وحسب مزاجي الشعري الذي هو بوصلتي الأساس، نظم جملة من القصائد حول الصحافة وإدراجها ضمن ديوان شعر كغرض شعري. على فكرة، أخبرني جملة من أصدقائي الإعلاميين أنهم وضعوا داخل هيآت التحرير قصيدتي "صانع الأخبار" التي كانت فاتحة قصائدي العمودية حول قضايا الإعلام، وذلك من أجل الاستئناس، ولأنها تذكر الممارسين، بمنطقها الشعري الخاص، بأهم مفردات أخلاقيات الصحافة. تهتمّ باللغة كثيراً في قصائدك، وهي كما قلت لغةٌ حديثة. ما موقفك من اللغة الإعلامية المتداولة اليوم؟ اللغة الإعلامية في المغرب في حاجة إلى صقل. طبعا، هذا لا ينفي وجود أقلام كفؤة؛ لكن أهم ما يمكنني أن أنعيه إجمالا على اللغة الإعلامية اليوم هو عدم الاشتغال على التعبيرية، لرفع منسوبها في كل الأجناس الصحافية. فمثلا، كثير من الصحافيين الذين يكتبون أعمدة صحافية لا يطوعون لغتهم لتتماشى وهذا القالب الصحافي، وقس على ذلك لغة باقي الأجناس الصحافية. وهناك ملمح ثانٍ يمكن الإشارة إليه هنا، وهو الإنشائية المفرطة في كثير من الكتابات الصحافية، التي يجب أن تقوم أصلا على مبدأين قد يبدوان لغير العارف متنافرين، وهما الاقتضاب والاكتمال، ناهيك عن الوضوح والدقة والملموسية. في قصيدتك "صانع الأخبار"، توجهت نحو الإعلاميين بمجموعة من التوصيات. هل تعتبرها أخلاقيات المهنة، لو غابت بطُل العمل الصحفي؟ نعم، قصيدة "صانع الأخبار" تخوض في أخلاقيات مهنة الصحافة؛ ومنها التحقق من صحة الأحداث، وعدم نقل المعلومات دون تمحيصها، والالتزام بالحقيقة، وتجنب الابتزاز والرشاوى، والتمكن من أدوات العمل، وغيرها من البنود الأخرى. والأخلاقيات في، عمقها، تفعيل لحقوق الإنسان؛ لأننا نصون من خلالها حقوق الآخرين ومشاعرهم وكرامتهم، هم وذويهم. والصحافة أشبه بالآلة التي يجوز استعمالها في الدفاع عن النفس؛ لكنه من غير الأخلاقي أن نبطش عبرها بالآخرين من أجل مكاسب ما شخصية أو فئوية غير مشروعة. أؤكد: لا صحافة دون أخلاقيات، مهما كان باع الصحافي مهنيا. الصحافة جسد، روحه الأخلاقيات. ما يدهشنا في مسارك هو أن الإعلامي الذي بداخلك ما زال يسكن قصائدك الشعرية. من خلال ما تكتبه يظهر أنّك كنتَ إعلاميا تنضبط لأخلاقيات المهنة كثيراً. فإلى من يرجع الفضل في ذلك؟ بعد التفكر في هذا الأمر خلصت إلى شيء أساسي، وهو أن أخلاقيات مهنة الصحافة، كما باقي أخلاقيات المهن الأخرى، لا تستقيم إلا إذا وجدت لها سندا في فعل التربية عبر مؤسساتها المركزية، وأعني بها خاصة البيت والمدرسة. وتجذير الإيمان بالأخلاق يساعد على وجود صحافيين يؤمنون، بل يتشبثون بأخلاقيات المهنة. ومن بين ثوابت الأخلاقيات البحث عن الحقيقة ونقلها والترويج لها. ومن أجل ذلك لا بد للصحافي من امتلاك أسئلته باستقلالية وتبصر، لا تهريبها إلى غيره، وكذلك عدم السقوط في خدمة أجندات غير إعلامية أو خارج-إعلامية. ما الذي تختاره من قصائدك الإعلامية، لقراء هسبريس. يا حبذا لو قلت منها شيئاً: أختار من قصيدة "يا راويا" هذا المقطع الساخر: لَمْ يَثْنِهِ عَنْ "سَلْخِهِ" أَدَبُ يا كَاتِباً بِ"غُوغِلَ" اعْتَصَمَا تَسِيرُ فِي رِكَابِ مَنْ نَهَبُوا مُعَنْعِناً مُغَوْغِلاً أبَداً مِنْ سَادَةٍ بِعِلْمِهِمْ شُهُبُ كَمْ قِطْعَةً تَسْتَلُّهَا فَرِحاً فِي طَرْحِهَا يُغَيَّبُ النَّسَبُ وفِكْرَةً مِنْ مَرْجِعٍ ثِقَةٍ مُسْتَرْزِقاً أَصَابَهُ الكَلَبُ يَا بِئْسَ مَنْ لَمْ يَرْتَدِعْ، وَسَطَا مِنْ لَعْنَةٍ أَزْرَى بِهِ الجَرَبُ وَوَجْهُهُ عِنْدَ الحِسَابِ كَمَنْ مَا هَكَذا تُسْتَدْرَجُ الرُّتَبُ يَا راوِياً كُنْ عَاقِلاً فَطِناً