مع حلول شهر أبريل من كل سنة يترقب المغرب والجزائر والبوليساريو التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة حول تطورات ومستجدات الصحراء، يحال بعد ذلك على مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار في الموضوع بنهاية الشهر. التقرير الصادر يوم الأربعاء 04 أبريل 2018 أكد على دور هيئة الأممالمتحدة الحصري لإيجاد حل سياسي دائم مقبول من كل الأطراف؛ حيث أوضح الأمين العام للأمم المتحدة، في الفقرة 26 من التقرير، أن كل الأطراف أكدت دعمها لجهود المبعوث الشخصي، وأقرت بالدور القيادي للأمم المتحدة في مسلسل التسوية. فبعد شهور من المكر الدبلوماسي والمناورات السياسية والتضليل الإعلامي المفرط للجزائر وجبهة البوليساريو ضد المغرب، جاء تقرير الأمين العام ل4 أبريل ليعيد الأمور إلى نصابها وفضح حقيقة ادعاءات الجزائر والبوليساريو. ولتقريب القارئ من تقرير 2018 حول الصحراء، المكون من مقدمة وثمانية أبواب ومن 90 فقرة، وجاء في سياق إقليمي ودولي مضطرب، نقدم هذه المقاربة المتواضعة: سياق تقرير 2018: يتميز سياق التقرير الأممي بما يلي: عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، خرق ميليشيات البوليساريو لاتفاق وقف النار الموقع 1991، تعيين مبعوث شخصي جديد للأمين العام للأمم المتحدة، مؤشرات ترشح بوتفليقة الرئيس المريض لولاية جديدة، بداية تخلي النظام الجزائري عن دعم البوليساريو بسبب أزمته المالية والسياسية، اختناق جبهة البوليساريو إقليميا وقاريا ودوليا، فعالية الدبلوماسية التي يقودها جلالة الملك محمد السادس إفريقيا ودوليا، تغيير في هرم الإدارة الأمريكية. شكل ومضمون التقرير: لم يعرف شكل ومضمون التقرير الأممي لسنة 2018 تغييرات جوهرية مقارنة مع تقرير 2017. شكلا، تميز بلغة دبلوماسية بوليميكية ماكرة لكنها ذكية ومنصفة للمغرب. مضمونا، يعد أكثر التقارير الأممية اعترافا بمبادرات ومجهودات المغرب لإيجاد مخرج لنزاع الصحراء، مقابل الإلحاح على الجزائر لتحمل مسؤوليتها في هذا النزاع. السقف الزمني للتقرير: جاء هذا التقرير عملا بقرار مجلس الأمن رقم 2451 لعرض ما جد من تطورات ووصف الحالة على أرض الواقع، ووضع المفاوضات السياسية المتعلقة بالصحراء والتقدم المحرز فيها والصعوبات الراهنة التي تواجه البعثة الأممية والخطوات المتخذة منها من 30 أبريل 2017 إلى 30 أبريل 2018. تقديم التقرير: يتكون التقرير أولا من مقدمة. ثانيا من عرض مفصل حول التطورات الأخيرة حول الصحراء. ثالثا من تقديم مفصل حول الأنشطة السياسية. رابعا من وصف مفصل لأنشطة البعثة. خامسا من عرض مفصل حول الأنشطة وحقوق الإنسان. سادسا من فقرة مختصرة حول الاتحاد الإفريقي. سابعا من تقديم مفصل حول الجوانب المالية. ثامنا من عرض الملاحظات والتوصيات التي سترفع لمجلس الأمن الدولي، ومن 90 فقرة. وسنحاول قراءة أهم المحاور والفقرات الواردة فيه. أولا: المقدمة: حددت مرجعية التقرير وركزت على تعيين مبعوث شخصي جديد للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء هو الألماني كوهلر، وأيضا الكندي كولن ستيوارت ممثلا خاصا للأمين العام للصحراء رئيسا للبعثة، مع عقد كثير من الآمال عليهما لإعطاء نفس جديد لمسلسل التسوية. ثانيا: التطورات الأخيرة بالصحراء: أقر التقرير بأن الحالة بالصحراء ظلت هادئة عموما باستثناء تدخل ميليشيات البوليساريو في منطقة الكركرات الذي اعتبره التقرير خرقا للاتفاق إطلاق النار الموقع سنة 1991. وقد نص التقرير في فقرته 5 على أن مجلس الأمن الدولي قد أقر بالأزمة الأخيرة بالمنطقة العازلة بسبب خرق ميلشيات البوليساريو الاتفاق، وتأكيد المغرب أن الاتفاق العسكري رقم 1 ما زال صالحا ويشكل ضمانة للحفاظ على وقف إطلاق النار. وتعتبر فقرات هذا المحور هامة، خصوصا الفقرات 5 و7 و8، لكونها تثبت تواطؤ الجزائر وفضح مناورات ميلشيات وعصابات البوليساريو بالمنطقة العازلة. والأساسي في فقرات هذا المحور، أيضا، تشبث المغرب: 1-بأن النزاع حول الصحراء يقع ضمن الاختصاص الحصري لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لقطع الطريق أمام الجزائر والبوليساريو وحلفائهما لإقحام الاتحاد الإفريقي في النزاع. 2-رفض التقرير أطروحة ما تسميه الجزائر والبوليساريو بالاستغلال غير المشروع للموارد الطبيعية بالصحراء. 3-تعرية الواقع المأساوي الإنساني والحقوقي بمخيمات اللاجئين تندوف. 4-عدم تعرض التقرير لحكم محكمة العدل الأوروبية. 5-إشارة التقرير في الفقرة 11 إلى خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السنوية 42 للمسيرة الخضراء، الذي أكد فيه أن المغرب ملتزم بالمشاركة في العملية السياسية وفق إطار الدينامية الحالية وبالتعاون مع المبعوث الشخصي للأمين العام شريطة أن تحترم هذه العملية أربعة مبادئ وصفها الخطاب الملكي ب"الثابتة"، لما تحمله هذه الصفة من دلالات عميقة في القانون الدولي: أ-رفض أي حل آخر غير السيادة التامة للمغرب على الصحراء واقتراح الحكم الذاتي الذي قدمه. ب-تحمل جميع الأطراف مسؤولياتها عن إيجاد حل إيجابي. ج-احترام مجلس الأمن باعتباره الهيئة الدولية الوحيدة المكلفة برعاية مسار التسوية. د-رفض أي مقترحات متجاوزة ترمي إلى تحويل مسار التسوية عن المرجعيات المعتمدة. إنها المبادئ الأربعة الثابتة للخطاب الملكي التي تؤكد حسم المغرب في السيادة على صحرائه، وتدعو الجزائر إلى تحمل مسؤوليتها لكونها هي من صنع البوليساريو المتواجدة على أراضيها، وإقفال الباب أمام مناورات الجزائر والبوليساريو لإقحام منظمات أخرى في التسوية، والتشبث بمجلس الأمن باعتباره الهيئة الدولية الوحيدة المكلفة برعاية مسار التسوية. إنها السياسة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس، مقابل تيه النظام الجزائري وميليشيات البوليساريو. ثالثا: الأنشطة السياسية: احتلت هذه الأنشطة موقعا هاما في التقرير. إطارها العام إرادة المبعوث الشخصي الجديد للأمين العام استئناف العملية السياسية بروح ودينامية جديدة، مشيرا إلى تشبث جلالة الملك محمد السادس بمرجعية التفاوض وفق مبادرة مشروع الحكم الذاتي، واعتبار الجزائر طرفا أساسيا في النزاع. وقد أعاد تقرير 2018 ما جاء به تقرير 2017 حول مشاعر الإحباط العميق والظروف القاسية بمخيمات تندوف وسخط السكان، خصوصا الشباب والنساء منهم، عن هاته الأوضاع، محملا المسؤولية في كل ذلك لقادة الجزائر والبوليساريو. وفي السياق نفسه، أشاد التقرير الأممي بدور الجيش المغربي في الإجراءات المتعلقة بالألغام؛ حيث ذكر التقرير أن الجيش المغربي قام بتطهير أكثر من 144770000 متر مربع غرب الجدار الرملي، وتدمير 1121 صنفا من الألغام، بما في ذلك تفجير 1008 من الذخائر غير المتفجرة، إضافة إلى 56 من الألغام المضادة للدبابات، و56 من الألغام المضادة للإفراد (الفقرتان 43 و44). ومن الناحية الأمنية، أقر التقرير الأممي بخطورة الوضع الأمني على الحدود الجزائرية التي تتواجد بها البوليساريو بعد تحويلها إلى مرتع للإرهاب، وهذا ما أصبح يقلق–أكثر-البعثة والأممالمتحدة وكل القوى العظمى. رابعا: أنشطة البعثة: تتوزع بين أنشطة تنفيذية ركز فيها التقرير على خرق ميلشيات البوليساريو المنطقة العازلة بكيفية متكررة بين 30 أبريل 2017 و21 مارس 2018، وهو ما تضمنته الفقرة 36 التي أكدت أن عناصر جبهة البوليساريو موجودة في منطقة الكركرات حتى فاتح مارس 2018، مشيدا بالجيش المغربي الذي لم يرتكب أي انتهاكات لحرية التنقل خلال الفترة المشمولة للتقرير، عكس مقابل أكثر من 192 انتهاكا للبوليساريو. وقد أشاد التقرير بالعلاقة المتميزة للمغرب بالبعثة الأممية "المينورسو"، باستثناء خلافه معها حول مهامها. بالنسبة للمغرب ولاية البعثة تقتصر أساسا على رصد وقف إطلاق النار ودعم عمليات إزالة الألغام ومساعدة مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين في تدبير بناء الثقة، ويرفض رفضا باتا إدخال ملف رصد حقوق الإنسان أو التواصل مع السكان المدنيين بغرض إعداد تقارير سياسية، وهو ما أيدته الأممالمتحدة؛ الأمر الذي مثل ضربة لمخططات الجزائر وجبهة البوليساريو في إدراج الملف الحقوقي ضمن مهام البعثة الأممية. خامسا الأنشطة الإنسانية وحقوق الإنسان: وقف التقرير على الوضعية المزرية والوضع الإنساني لمحتجزي تندوف ولحقوق الإنسان بها، التي وصفها التقرير الأممي بالوضع الخطير؛ إذ يواجه الآلاف من المحتجزين خطر الموت جراء سوء التغذية في ظل تراجع المساعدات الدولية واستغلالها من لدن قادة البوليساريو والجزائر؛ وضع أصبح مقلقا للمنظمات الدولية، خصوصا مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين التي دقت في تقرير 2015 ناقوس الخطر وسط شباب مخيمات تندوف الذين أصبحوا ينخرطون في الجماعات الإرهابية نتيجة اليأس العام المهيمن عليهم. والأكيد أن الجزائر تتحمل المسؤولية الكاملة عن الوضع بمخيمات تندوف لأنها جزء من أراضيها؛ الأمر الذي يستدعي فتح تحقيق دولي في المساعدات الموجهة إلى تندوف. وفي هذا الصدد، نعترف بأن تقرير 2018 في المجال الحقوقي لم يكن منصفا للمغرب كباقي التقارير السابقة، وهو ما يتطلب منه بذل الكثير من الجهود في هذا المجال الذي يعتبر من النقط السوداء في كل تقارير الأممالمتحدة، رغم المجهودات الجبارة التي يقوم بها؛ لذلك فالمغرب في حاجة إلى ثورة حقوقية وتأطيرها باستراتيجية تسوق لتراكماته في المجال الحقوقي بعيدا عن خطاب واستراتيجية المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان البئيسين. سادسا: الملاحظات والتوصيات: تتشكل من 13 فقرة ستعتمد كمرجعيات لقرار مجلس الأمن الدولي ليوم 30 من شهر أبريل الجاري، مفادها: 1-رغبة الأممالمتحدة في شخص أمينها العام إعطاء دينامية جديدة بتيسير مفاوضات مباشرة دون تحديد الشروط والآليات. 2-ضرورة وعي كل الأطراف بالآثار الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية والأمنية للنزاع على المنطقة. وفي هذا الصدد كان التقرير واضحا في دعوة الجزائر إلى المشاركة في عملية التفاوض، وهذا انتصار كبير للمغرب الذي يؤكد في كل المناسبات أن التفاوض معها يبقى هو الحل، وهو ما ترفضه الجزائر التي يحملها الأمين العام الأممي مسؤولية عودة التوتر إلى المنطقة بدعمها المالي والسياسي والدبلوماسي والعسكري واللوجستيكي لميلشيات البوليساريو. 3-تشديد التقرير على خطورة الوضع الأمني بالمنطقة العازلة بسبب تهور البوليساريو والتنويه بحكمة المغرب وبترويه في التعامل مع أزمة الكركرات. 4-ضرورة الحفاظ ودعم البعثة الأممية لدورها المحوري والضروري لمنع نشوب الحرب. 5-تشديد التقرير على تزايد مستوى السخط في أوساط محتجزي تندوف بعد قضائهم أكثر من 42 سنة في المخيمات دون أي أمل (الفقرة 86)، بل إن الأمين العام للأمم المتحدة جدد قلقه وتخوفه من إمكانية ارتماء محتجزي تندوف في أحضان الجماعات والحركات الإرهابية. 6-عبّر التقرير عن قلق الأمين العام للأمم المتحدة عن مصير المساعدات الإنسانية المالية الضخمة التي توجه إلى محتجزي تندوف (الفقرة 87)، والتي ستتجاوز عام 2018 مبلغ 58. 5 مليون دولار، مما يستدعي فتح تحقيق في الموضوع. 7-دعوة كل أطراف النزاع إلى الانخراط بجدية في إيجاد حل لهذا النزاع الذي أصبح يهدد أمن المنطقة والأمن العالمي. 8-الحفاظ على أدوار البعثة الأممية بالمنطقة دون توسيع صلاحياتها لتشمل حقوق الإنسان، وهذه صفعة قوية للجزائر والبوليساريو. في نهاية هذه القراءة المتواضعة لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة لسنة 2018، نقول إنه أكثر التقارير الأممية إنصافا للمغرب رغم لغة صياغته الدبلوماسية البوليميكية غير الدقيقة، ومضمونه الذي يعكس المنحى الإيجابي حول الصحراء في ظل الأمين العام الجديد للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي، تقرير يبحث عن حلول ولم يطرح حلا لفك النزاع الذي طال أكثر من 42 سنة، مما يطرح تحديات دبلوماسية وتنموية وتدبيرية جديدة أمام المغرب، خصوصا في المجال الحقوقي الذي هو في حاجة إلى ثورة تتجاوز ما يقدمه المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي يصلح لكل شيء سوى للدفاع عن حقوق الإنسان. إنه تقرير فيه تنويه مهم باقتراحات وبمبادرات المغرب أسابيع من تبني مجلس الأمن لقرار جديد حول النزاع، وصفعة قوية للجزائر وللبوليساريو، لكن يجب أن نقر-هنا-بأنه لا تقرير الأممالمتحدة ل 4 أبريل ولا قرار مجلس الأمن المرتقب للثلاثين منه يمثلان بداية النهاية لحل النزاع، بل إنهما يدشنان لبداية مواجهات أخرى مع الجزائر تحتمل أكثر من سيناريو. *أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس [email protected]