كثيرة هي الدعوات والاحتجاجات والمطالبة التي رافقت الجدل حول حصيص أو "كوطا" الانتخابات القادمة؛ من المحتجين من يعتبر أن مفهوم المناصفة لغوي صرف وأن الدولة كلما خطت أو سنت قانونا إلا وجعلت النساء والرجال على مكيال واحد سواء تعلق الأمر بالانتخابات أو بغيرها. ومنهم من يرى أنها إنما هي برزخ تجعل كل صنف من خلق الله في واد يدافع كل منهم على شاكلته كأنهم في حرب وليسوا في مرحلة البناء والعمل المشترك. - الخلل الدستوري جزء من الغبش مصدره التعبير الدستوري الذي جاء بمصطلح لا يلبي المعنى كاملا ولو أن المشرع الدستوري نحى إلى صياغة أكثر دقة لكان الأمر أسلم؛ والتعبير الشائع هو المساواة وهو ما كان عليه الأمر في الدستور السابق حيث يتسع المعنى لمستويات سياسية واقتصادية وثقافية وغيرها ولا دليل على كون معنى المساواة هو التعادلية في التوزيع من الناحية الكمية بل هي عملية شاملة ببنى ثقافية تمس قيم المجتمع وتخاطب مستقبله وحاضره باعتبار المساواة قيمة إنسانية ودينية تحترم فيها الشعوب ذواتها في تصنيفات متعددة جنسية واجتماعية وثقافية. إن معنى المساواة أشمل من معنى المناصفة وأكثر دقة وتعبيرا. - المناصفة ليست معنى حصريا من أكثر ما يثير التساؤل هو هذا الحصر المغرض للمناصفة فيما هو قائم على التمييز الجنسي؛ أي بين المرأة والرجل. والتساؤل الذي يطرح هو لماذا هذا التضييق في المعنى؛ أليس من المناصفة أن يتعدد المشتركون في الفعل كأن يكون الأمر بين ثلاث أو أربع فئات؟ أليس من المناصفة أن تهم جنسا آخر غير المرأة والرجل كالطفل أو كبار السن أو الشباب؟ أليس من المناصفة أن تشمل فئات اجتماعية مختلفة كالمعوزين أو سكان القرى والبوادي أو غيرهم؟ أو أن تهم جهات جغرافية... إلخ. - المناصفة آلية خارج المجال الانتخابي من المبادئ التي تقرها الأنظمة الديمقراطية أن "الكوطا" ليست منهجية ديمقراطية وهي تغبير عن قصور اجتماعي أو ثقافي مرتبط بالمنتظم السياسي. لذلك كل هذا الصخب المرتبط بالكوطا الانتخابية بالمغرب ولا سيما الاستحقاقات المرتقبة هو صخب أو نقاش يعكس عدم الوعي العميق لدى الفاعلين السياسيين والأحزاب بالمغرب، أو عقلية انتهازية لا وطنية وهذا مشكل أعمق. المناصفة مفهوم إنساني ينم عن التعادلية والمساواة في النسق العام وليس في المنهجية الديمقراطية وآلياتها ومنها الآلية الانتخابية؛ لذلك فالحديث عن المناصفة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة باعتبارها عملية تقنية هو حديث خاطئ من زاويتين على الأقل؛ الزاوية التي تذكرنا سابقا من جهة، والاستعمالات اللاديمقراطية التي يمكن أن توازي تنزيل هذه الحصص والتي قد تتناقض مع الغاية منها من جهة أخرى. • أستاذ العلاقات الدولية، كلية الحقوق، وجدة