أجمع ممثلو المهن القضائية المشاركون في الجلسة الافتتاحية لندوة حول "منظومة العدالة أية مقاربة؟" على أهمية تخليق وتجويد هذا المرفق العمومي، من خلال اعتماد التكوين المستمر لإنتاج أحكام عادلة ومنصفة، ومحاربة الفساد الذي يشكل تهديدا حقيقيا للدولة والمجتمع قاطبة. عبد الحق نعام، رئيس المكتب الجهوي للودادية الحسنية للقضاة بمراكش، أبرز أن "التخليق مطلب عالمي، دفع المجتمع الدولي إلى إبرام أول اتفاقية لمكافحة الفساد سنة 2003، وصادق عليها المغرب سنة 2007"، مشيرا إلى أن "دستور المغرب شدد بدوره على تخليق الحياة العامة من خلال مقتضيات الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة". وأورد نعام: "لأن جميع مكونات منظومة العدالة معنية بالتخليق، فإننا كقضاة بادرنا منذ شهر أبريل 2009 إلى وضع مدونة للقيم القضائية، تؤكد عدة مبادئ، كالاستقلال والنزاهة والتجرد والحياد والمساواة والشجاعة الأدبية والوقار، والتحفظ والكفاءة والسلوك القضائي واللياقة والتضامن". مصطفى فارس، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، قال في كلمة قرأها بالنيابة عنه محمد الخضراوي: "مغرب اليوم لم يعد فيه أي مجال يقبل الفساد، وكل ما يشكل شائبة لمنظومة العدالة، التي يجب أن تخضع للعمل الجاد المنضبط للقانون"، مضيفا أن "أسرة العدالة مطالبة بطرد كل الشوائب التي تشوه صورتها، من خلال أداء رسالتها إزاء المجتمع ومكافحة كل أشكال الفساد دون تردد". وأورد أن "السلطة القضائية بذلت طيلة هذه السنة مجهودات كبرى للتأسيس لقيم كبرى وممارسات فضلى تقوم على رؤية أساسها الإصلاح وتكريس الثقة لدى المجتمع"، مشيرا إلى أن "انتظارات متعددة تلزمنا بالعمل الدؤوب ليساهم الجميع بكل وطنية ومسؤولية في المشروع الكبير لتجويد المنتوج القضائي لصون الحريات، بتطبيق أحسن للقانون وتحديث المرافق لتحقيق الدقة والفعالية في التدبير الإداري داخل المؤسسات القضائية". ولم تخرج كلمة وزير العدل، محمد أوجار، التي تلاها هشام ملاطي مدير الشؤون الجنائية والعفو، عن الإطار ذاته، إذ أكدت أن "تخليق العدالة يعتبر حاليا من الأدوات والمداخل للحكامة الرشيدة"، وأن "الوزارة حريصة على ذلك من خلال ما تملكه من وسائل وما يدخل في اختصاصاتها، لمكافحة الفساد". خالد الفتاوي، ممثلا لنقيب المحامين بمراكش، أكد من جهته أن "المدخل الحقيقي للتخليق هو التكوين المستمر وخلق مرصد للتتبع والمراقبة والزجر"، واستدل على أهمية الأخلاق بمقتطع من رسالة ملكية جاء فيها أن "هذه القيمة هي أساس من أسس الدولة تقوم بقيامها وتنهار بانهيارها"، مطالبا ب"إبداع آليات جديدة للتصدي لظاهرة الفساد المهني، من قبيل لجنة مكافحة الفساد، وإحداث شبابيك الاستقبال بالمحاكم من أجل خدمات ذات جود وبالسرعة والشفافية المطلوبة، وتمكين المحامين من الاطلاع وتتبع مآل ملفاتهم وقضاياهم عبر الموقع الإلكتروني للمحكمة، واعتماد التوقيع الرقمي الذي سيمكن من خلق نوع من الشفافية". وفي الإطار ذاته أكد رئيس المجلس الجهوي للموثقين أن "تخليق المهنة لا بد أن ينطلق من مقاربة تشاركية سنها دستور المغرب، وغايتها التأطير وتكوين العنصر البشري، وتطوير آليات المراقبة داخل دواوين المهنيين في أي لحظة وحين، وإحداث لجنة مشتركة يرأسها الوكيل العام، وتحصين ودائع الزبناء، وإحداث المركز الوطني للتكوين". ولتحصين العدلة من الفساد يقترح محمد أمعدي، عن عدول جهة مراكش، "زيارة المكاتب العدلية للوقوف عن كثب على التزامها بالضوابط وإنجاز المعاملات في الوقت وسلامتها، والتدقيق في اختيار من يلج هذه المهنة لرد الاعتبار لها ولمن مارسها من العلماء الشرفاء". أما أيت لحسن شكيب، عن المفوضين القضائيين، فطالب بضرورة "توسيع مفهوم التخليق بتجاوز معناه المتداول لدى عامة الناس، ليمتد إلى تقويم وتشكيل سلوكيات لازمة للمهنيين، في علاقة بعضهم ببعض، والالتزام بقواعد المروءة وعدم التدخل في سير المفوضين، وعدم توجيه المتقاضين لاختيار محام معين، وتوخي الحذر من الاستجابة لدعوات مناسبات من أشخاص تحوم حولهم الشبهات، والسرعة في إنجاز المهام، والإخبار بمآلها". جدير بالذكر أن هذه التظاهرة تميزت بتكريم ثلة من القاضيات، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، وعرفت مداخلات عدة قاربت تطبيقات مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في منظومة العدالة، والمعايير والآليات الدولية للشفافية والنزاهة في ضوء الاتفاقيات الدولية، وتخليق مهنة المحاماة.