نوه الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية مصطفى فارس، بالمجهود الكبير الذي يبذله القضاة رئاسة ونيابة عامة وهم يبتون في آلاف القضايا والشكايات والمساطر والإجراءات، مستهدفين تخليق الحياة العامة ورد المظالم والذود عن الحق وصون الحريات والتطبيق العادل للقانون، مؤكدا أنهم قضاة يعملون بتفان ونكران الذات رغم كل الإكراهات والمعيقات ويستحقون بكل موضوعية التنويه والاعتزاز. وأضاف فارس، في كلمة ألقيت بالنيابة عنه، خلال ندوة علمية بالمعهد العالي للقضاء بالرباط، منظمة من قبل المكتب الجهوي للودادية الحسنية للقضاة بتعاون مع محكمة الاستئناف بالرباط، وبشراكة مع المكتب المركزي للودادية الحسنية للقضاة، ووزارة العدل، وهيئة المحامين بالرباط، والهيئة الوطنية للموثقين، والهيئة الوطنية للعدول والهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين، حول موضوع "تخليق منظومة العدالة ودورها في تخليق الحياة العامة"، ( أضاف)، أن أسرة العدالة بكل مكوناتها مطالبة في هذه المرحلة لا فقط بتحصين ذاتها وطرد كل الشوائب الاستثنائية التي قد تسيء إلى مكانتها الواجبة لها، بل ويجب عليها أيضا كأسرة واحدة أداء رسالتها والوفاء بأمانتها اتجاه المجتمع بالحفاظ على هذه القيم وصونها، ومكافحة كل أشكال الفساد أي كان مصدره دون أي تردد أو تساهل أو انتظارية. وأشار أيضا إلى أن السلطة القضائية، التي تتشرف برئاسة جلالة الملك محمد السادس لمجلسها الأعلى، بذلت طيلة هذه السنة مجهودات كبرى من أجل التأسيس لبنية هيكلية وأيضا التأسيس لقيم كبرى ولممارسات فضلى مرتكزة على مقاربة متكاملة ورؤية إصلاحية أساسها الانفتاح والتواصل والتخليق وفق معايير دولية بغية تكريس الثقة لدى الجميع. وذكر فارس بالمناسبة، بأن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو يسهر طبقا للمادة 103 من قانون التنظيمي على ضمان احترام القيم القضائية والتشبث بها وإشاعة ثقافة النزاهة والتخليق، عمد خلال هذه الفترة الزمنية إلى تشكيل لجنة للأخلاقيات القضائية برئاسة قيدوم القضاء الذي راكم تجربة مهنية وعلمية وأخلاقية كبيرة وتتلمذ على يده أجيال قضائية متعددة هو الأستاذ الفاضل عبد العلي العبودي رئيس الغرفة المدنية الأولى لمحكمة النقض الذي يشتغل مع باقي أعضاء اللجنة على إعداد مشروع مدونة الأخلاقيات بعد استشارة الجمعيات المهنية للقضاة، تتضمن القيم والقواعد التي يتعين على القضاة الالتزام بها أثناء ممارستهم لمهامهم ومسؤولياتهم القضائية. ووصف المدونة بكونها ستكون متشبعة بأصالتنا القضائية المغربية الأصيلة والمنفتحة على كل المصادر والتجارب العالمية الفضلى حفاظا على استقلالية القضاة وحماية لحقوق المتقاضين وسائر مرتفقي العدالة. من جهته، قال الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة محمد عبد النباوي، إن دستور المملكة 2011 تضمن مجموعة من الأحكام تشكل الأرضية الصلبة لتخليق الحياة العامة ومكافحة الفساد، وعلى رأسها ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتخليق الحياة العامة وخلق مناخ سليم للأعمال والتنافسية، فضلا عن إجراءات قوية في مجال النزاهة ومحاربة الفساد، وذلك عبر معاقبة كل أشكال الانحراف في تدبير المال العام. وأضاف، في كلمة ألقيت بالنيابة عنه، أن موضوع التخليق يهم كافة القطاعات والهيئات والمؤسسات، وأن تخليق منظومة العدالة يبقى على رأس الأولويات بالنظر لأهمية العدالة في ضمان سيادة القانون والمساواة. وأبرز عبد النباوي، في هذا الصدد، أن المملكة بذلت مجهودات متميزة من أجل تخليق الحياة العامة والوقاية من الفساد ومكافحته، وتم ذلك على الخصوص عبر إصلاح منظومة العدالة وكذا عبر إرساء سلطة قضائية. أما وزير العدل، محمد أوجار، فأكد أن تخليق منظومة العدالة يعتبر المدخل الحقيقي لتخليق الحياة العامة، وذلك نظرا للدور المحوري الذي تضطلع به السلطة القضائية في حماية الأمن القضائي بجميع تجلياته، وحماية الحقوق والحريات وضمان استقرار المعاملات والتحفيز على الاستثمار من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وأضاف أوجار، أن بناء دولة المؤسسات وبناء دولة الحق والقانون هو مسار تراكمي انخرطت فيه المملكة بكافة أطيافها، الحكومية والبرلمانية والقضائية والإعلامية والمجتمعية، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس. وأبرز أن وزارة العدل، وعيا منها بالمخاطر الجسيمة لآفة الفساد وانعكاساتها على مجهودات التنمية وحجم الاستثمارات، تشتغل حاليا على اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات لتخليق الحياة العامة ودعم الشفافية ومكافحة الفساد من خلال إتمام بناء الترسانة القانونية الوطنية، وتوطيد الأسس التشريعية والمؤسساتية لمحاربة مظاهر الفساد وترسيخ قيم الشفافية في تدبير الشأن العام، بما يتناسب ودستور المملكة والتزاماتها الدولية وتنزيل توصيات ميثاق إصلاح منظومة العدالة. وأضاف أنه تتم في هذا الإطار، مراجعة القوانين المتعلقة بالمهن القضائية وفق مقاربة تشاركية مع كل المهنيين والمتدخلين يرجى من خلالها تعزيز آليات الجزاء لضمان النزاهة والشفافية في عمل هذه المهن وتكريس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. بدوره، أكد رئيس الودادية الحسنية للقضاة عبد الحق العياسي، أن مداخل تخليق منظومة العدالة كثيرة وذات أبعاد متعددة، فبالإضافة إلى مساهمة هذا الأمر في تخليق الحياة العامة من خلال الزجر والردع، وكذا من خلال إحقاق الحق، تعد منظومة العدالة، إذا ما كانت نزيهة وشفافة، قاطرة أساسية لنمو اقتصادي قوي. وأبرز أن كافة مكونات منظومة العدالة معنية بالتخليق، وأن أي خلل على مستوى أي مكون من مكونات هذه المنظومة يؤثر لا محالة على المنظومة بأكملها، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بمسؤولية جماعية، وأن كل شخص من موقعه مسؤول عن شفافية ونزاهة العدالة بالمملكة. كما ذكر بأن دستور المملكة لسنة 2011، شدد على تخليق الحياة العامة من خلال مجموعة من المقتضيات، لاسيما ذات الصلة بالحكامة الجيدة، وكذا من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة. وتم التطرق خلال هذه الندوة إلى مواضيع مختلفة تهم على الخصوص، مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة كأحد مداخل تخليق منظومة العدالة، واستراتيجية محاربة الفساد وارتباطها بتخليق منظومة العدالة، وكذا آليات التخليق بين المنظومة الشرعية والمنظومة القانونية.