كالكثير منكم أتغنى بأمجاد الماضي وأدعو الله في صلواتي أن ينصر المسلمين ويجمع شمل الأمة؛ لكنني أتساءل في الوقت نفسه ما إن كنا نحن المسلمين نستوفي بالفعل محددات ومقومات هذه الأمة؟. لكل أمة -مثلا- قيم وأهداف وهموم تجمعها؛ والأمة كما علمنا الإسلام جسم إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى... فهل نحن بالفعل أمة؟ تعدادنا يفوق المليار ونصف المليار؛ لكن أي هم فرجناه عن بعضنا؟ وأي مشكل حللناه لوحدنا دون اللجوء إلى غير المسلمين...؟. فهل نحن بالفعل أمة؟ يكاد يموت بعضنا جوعا وأموال "إخوانهم" تملأ خزائن الغير بدون حساب... فهل نحن بالفعل أمة؟ لا نزرع ما نأكل ولا نصنع ما نستعمل، ورغم شساعة الأرض الصالحة وكثرة الموارد الطبيعية فنحن عالة على الغير في كل شيء... فهل نحن بالفعل أمة؟ نتصارع حول السياسة والحكم وحول الدين والعرق واللغة، وحالنا من صراع إلى صراع، فتخلفنا عن الركب وصرنا في القاع... فهل نحن بالفعل أمة؟ سلاحنا موجه ضد بعضنا وحدودنا مغلقة في وجوهنا وبعضنا يعلنون على البعض الآخر الحصار، غير آبهين لا بحق الأخ في الدين ولا بحق الجار... فهل نحن بالفعل أمة؟ تُحتلّ أرضنا وتُغتصب قدسنا، وبعد عشرات السنين على النكبة، إذا بكبرائنا وحراس حرمنا يوالون العدو المغتصب ويعادون من يقاوم الاحتلال... فهل نحن بالفعل أمة؟ ديننا دين الحضارة والسمو ونبينا إنما بعث ليتمم مكارم الأخلاق. ومع هذا، فسوء أخلاقنا بلغ الآفاق... فهل نحن بالفعل أمة؟ لا ثقة بين الشعوب والحكام ولا بين العلماء والعوام. علماؤنا ونخبنا منقسمون وحكامنا متخاذلون وشعوبنا في الجهل والتخلف يعمهون... فهل نحن بالفعل أمة؟ قلوبنا شتى وبأسنا بيننا شديد، نُقصف بطائراتنا ونُستهدف بصواريخنا ونُخرب بيوتنا بأيدينا... فهل نحن بالفعل أمة؟ نقوم بالثورات والانقلابات لنسقط الحكام، فنسقط جميعا في الصراع على الحكم بعد سقوطهم... فهل نحن بالفعل أمة؟ نبني المساجد ونرفع صوامعها عالية، فنتطاحن مباشرة بعد التشييد حول من يسيرها... فهل نحن بالفعل أمة؟ أنا أشعري وأنت سلفي وهو من الإخوان والانتماءات أطياف وألوان... فهل نحن بالفعل أمة؟ شعار الكل منا: من والاني قديس ومن عاداني إبليس يستحق التكفير أوالتفسيق أوالتبديع وكل صفات التشنيع... فهل نحن بالفعل أمة؟ لا نخطط لمستقبل يجمعنا ولا ندري ما يراد بنا، وفي كل المجالات أصبحنا مفعولا بنا... فهل نحن بالفعل أمة؟ عندنا فقط يهان وربما يسجن الرفيع ويكرّم الوضيع... فهل نحن بالفعل أمة؟ نعم، هناك أمان وأحلام نحملها، ولازالت بين بعض المسلمين مشاعر إخاء يتقاسمونها، وفي واقع المسلمين استثناءاتُ خير لا ننكرها؛ لكن هذا لا يكفي أبدا لنهضة "أمة" على فراش الموت طال رقادها. في ظل هذه الأوضاع المأساوية التي يعيشها المسلمون، ولتلاشي وتفكك الروابط الاقتصادية والسياسية والروحية التي من المفروض أن يجتمعوا عليها، ولفشلنا في حماية أنفسنا والدفاع عن قضايانا، أطرح على نفسي وعلى القراء الكرام السؤال التالي: هل من الضروري في ظل هذه الظروف وفي ظل ما يعرفه العالم من تحولات وتكتلات قيمية واقتصادية وسياسية أن يفكر المسلمون ويعملوا على تحقيق أمة وكيان خاص بهم لا يملكون مقومات تحقيقه؟ أم أن الأفضل والأنسب الانخراط والاندماج في واقع العالم الجديد بقيمه الإنسانية ومفهومه الكوني (مع الحفاظ على الخصوصية بالطبع) لنصبح جزءا من واقع العالم الجديد، نؤثر فيه ونتأثر به ولا نسعى لنكون كيانا مقابلا ومضادا له؟. لكم واسع النظر... [email protected] https://www.facebook.com/charif.slimani.9