أعيد انتخاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد حصد أكثر من ثلثي الأصوات ليتولى الرئاسة لمدة ستة أعوام أخرى لاستكمال إرثه الذي ينقسم بين استخدام الشدة مع أعدائه والمعارضة والغرب، ودوره كأب للبلاد. وأكد بوتين لدى تقديم الترسانة النووية الروسية القادرة على تجاوز الدرع الصاروخية للولايات المتحدة، "أنها ليست منارة صدقوني". وبعد نحو عقدين في السلطة والفوز في أربع انتخابات رئاسية (2000 و2004 و2012 و2018)، لا يتنافس بوتين مع أحد، غير نفسه والتاريخ، واثقا في أن التاريخ سينصفه لأنه تمكن من التصدي للإمبراطورية الأمريكية. وحصد بوتين في الانتخابات الرئاسية دون شك مزيدا من الأصوات عن تلك التي خسرها بسبب تصعيد التوتر مع الغرب مؤخرا بعد تسمم العميل المزدوج سيرجي سكريبال في بريطانيا، التي تتهم روسيا بالوقوف وراء الحادث. وبشخصية يخشاها البعض ويعجب بها البعض الآخر بقدر متساو في الخارج، لم يواجه الغرب خصما بهذا الحجم منذ الحرب الباردة. وبفضل حرب الشيشان، توج بوتين منقذا للوطن، فيما عزز التدخل العسكري في جورجيا من صورته كقائد يهابه الآخرون، أما ضم شبه جزيرة القرم فجعل منه قيصرا جديدا في أعين الروس، في حين حوله الدعم للرئيس السوري بشار الأسد إلى زعيم عالمي. وتمكن بوتين خلال نحو عقدين من الحصول على دعم شعبي لم يحلم به معاصروه ولا أسلافه في الكرملين. لقد تسلم بلدا كان ينزف جاثيا على ركبتيه وأعاد له الكرامة والعزة. وفي تصريحات ل"إفي"، ذكرت الناشطة المرشحة لجائزة نوبل للسلام، لودميلا أليسكييفا، أن "الإمبراطورية لا يمكن أن تكون ديمقراطية. لكي تصبح كذلك، يجب أن تتخلى أولا عن كونها إمبراطورية". ربما لذلك لا يريد بوتين الديمقراطية، لكنه أيضا ليس زعيما ديمقراطيا. فهذا ليس ما يطلبه منه الشعب الذي لم يتذوق مطلقا طعم الديمقراطية الحقيقية سوى لفترات مقتضبة قبل وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي. ومنذ وصوله إلى سدة الحكم، كبل الرئيس الروسي أيدي المعارضة إلى درجة أنه لا يوجد الآن أي حزب معارض له تمثيل برلماني، وحين عاد إلى الكرملين في 2012، سن قوانين قاسية ضد حرية التظاهر سمحت بالقضاء على الاحتجاجات المناهضة للحكومة. ولا يعرف الناخبون الشباب الذين صوتوا في 18 مارس الجاري للمرة الأولى زعيما للكرملين غير العقيد السابق بالمخابرات الروسية الذي وصل إلى السلطة من الباب الخلفي، على يد الرئيس الأسبق بوريس يلتسن. وكان بوتين قد أعلن منذ وصوله إلى الرئاسة الروسية أن مهمته هي إعادة بلاده إلى المكان الذي تستحق أن تكون فيه كقوة عظمى. وفي عامه ال65، يبدو بوتين متعبا، لكنه ليس مستعدا للتخلي عن السلطة حتى يتأكد من إتمام كل شيء. وفي خطابه الأخير حول حال الأمة، أظهر الرئيس الروسي الوجهين اللذين يشتهر بهما، وجه القائد الخير الذي يشعر بالقلق إزاء الصعوبات التي تمر بها الأسر الروسية، ووجه الزعيم الذي لن يقبل مزيدا من التهديدات من حلف شمال الأطلسي (ناتو). ويرى بعض المحللين أن ال18 عاما التي قضاها بوتين في السلطة حتى الآن، هي حقبة من الفرص الضائعة. كان من الممكن أن تنضم روسيا إلى الدول المتحضرة، لكنها اختارت عوضا عن ذلك السير على خطى الصين: استقرار وإعادة تسليح بدلا من الإصلاحات والديمقراطية. ويعد الرئيس الروسي من هواة التعويل على نظرية المؤامرة، ويبدو مقتنعا بأن أفضل طريقة لضمان استقلال روسيا هي الدخول في سباق تسليحي جديد مثل ذلك الذي أدى إلى انهيار الاتحاد السوفيتي في الماضي. ويبدو أن هذا هو الفصل الأخير في إرث بوتين، بلد يقف في مواجهة الغرب منعزلا بسبب العقوبات الدولية وبدون الكثير من الحلفاء *إفي