تعتبر ليلى سليماني، الكاتبة المغربية الشابة والجريئة والمتمردة، الحائزة على جائزة "غونكور" المرموقة عن روايتها "أغنية هادئة"، والتي سطع نجمها عاليا في سماء الأدب الفرونكوفوني، صاحبة قلم حر دأب بقوة على التجرؤ على المحظور ونصرة المرأة وقضاياها . فبأسلوبها القوي والمستفز، استطاعت ليلى إثارة انتباه أبرز رجالات الأدب على الساحة الدولية، من خلال معالجتها لقضايا جريئة، لتكسر بذلك جدار الصمت وتميط اللثام عن طابوهات، وتكشف النقاب عن الصراع الداخلي الذي يكتنف كل شخص في محاولة للهروب من مخاوفه، ومشاكله، وآلامه المتشعبة. وقد ساهم تمكنها من لغة موليير في جعل هذه الكاتبة المغربية أيقونة الأدب الفرنكوفوني، إلى جانب لفيف من الكتاب المغاربة المشهورين الذين أثروا بفضل رواياتهم ومنشوراتهم ورؤاهم المتفردة الرصيد الأدبي الفرنسي. فشغفها المبكر بالكتابة هو ما جعل ليلى تميل إلى سلك الدراسات الأدبية مباشرة بعد حصولها على شهادة البكالوريا، قبل أن تعمد إلى تغيير مسارها الأكاديمي وتختار مواصلة دراستها في شعبة العلوم السياسية. عن ذلك، تقول الكاتبة سليماني في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن "هذه الشعبة كانت بالنسبة إلي بمثابة نافذة على العالم اطلعت من خلالها على أدباء القرنين السابع عشر والثامن عشر. إذ بفضل العلوم السياسية تمكنت من الوقوف على معالم القانون العام والاقتصاد والتاريخ السياسي المعاصر"، لافتة إلى أنه "كان من المهم بالنسبة لي أن أكون على دراية بهذه الخلفيات ذات الصلة بالمجتمع الذي أعيش فيه". وأشارت إلى أن "دراسات العلوم السياسية ترتكز بشكل محوري على الكتابة، بحيث كنا مطالبين باستمرار بتقديم أطروحات، وهو ما ساعدني كثيرا في مساري المهني ككاتبة". وأضافت أن عملية "الكتابة تكتنفها أنواع متعددة من المخاوف، فهناك الخوف الذي نستشعره بمجرد الخوض في الكتابة، والخوف من اضمحلال خيط الإلهام، والخوف من عدم الاستطاعة على سبر أغوار الموضوع المطروح بالشكل الكافي، لكني بمجرد أن أمسك القلم بين أناملي تتبدد هذه المخاوف وأصبح حرة تماما، بحيث لا أفكر في عواقب ما سأكتبه، إنه شكل من أشكال الولاء تجاه الذات. فإذا كنت أكتب، يجب أن أكون في مستوى الفعل الكتابي. إنها معركة شرسة مع الذات ينبغي علي الفوز فيها". وفي معرض جوابها على سؤال حول اهتمامها في كتاباتها بالحياة الجنسية، أشارت سليماني إلى أنها تقارب هذه المسألة من زاوية الجسد، موضحة "إننا نتواجد من خلال الجسد، ومن خلاله أيضا نستشعر الهشاشة والضعف والموت وعن طريقه نتعرض للأذى أو الهيمنة". واستطردت قائلة "لطالما استرعى اهتمامي هذا الجسد، بما يتميز به من هشاشة وقوة وقدرة على المقاومة وحضور في الزمان والمكان. فمن خلال كتاباتي أسعى إلى بسط قصص وشهادات وتقاسم تجارب تقارب ماهية المرأة لاسيما من زاوية الجسد". وأضافت سليماني، التي خصصت عملها الأخير لموضوع "الجنس والأكاذيب" الذي يتطرق لمسألة الحياة الجنسية في المغرب، "لقد بدأت أدرك أهمية هذه القضية منذ فترة طويلة، إبان عملي كمراسلة لمجلة "جون أفريك - المغرب العربي". ما أثار انتباهي هو كيف نعيش هذا الانقسام وهذا الاختلاف بين الحيز الخاص الذي تعيش فيه المرأة حميميتها وبين الفضاء العام، بما ينطوي عليه ذلك من عواقب اجتماعية واقتصادية وسياسية". وعن الشخصيات التي أثرت في مسارها، قالت سليماني إن العديد من الأشخاص تركوا بصماتهم في حياتها، بما في ذلك عائلتها ووالديها وجديها، إلى جانب أناس عابرين التقت بهم وحكوا لها قصصهم وتجاربهم. عن ذلك تقول سليماني "فأنا، عندما أنظر إلى الناس من حولي، وفي الغالب لا أعرفهم ولا حتى أجاذب أطراف الحديث معهم ، فإني أركز فقط عن التفاصيل (موقفهم، كيفية تصرفهم، ومدى نزوعهم إلى الهدوء أو إلى نقيض ذلك). أحيانا تكون هذه التفاصيل الصغيرة هي التي تحدث الفارق". وشددت على أن ما يلهمها أكثر في كتاباتها هو كل ما يبدو مستحيلا بالنسبة لها، من خلال الرغبة الجارفة في تسليط الضوء على مخاوفها، وكذا كل الحيثيات التي تعيق أو تصعب من واقعها المعيش. وقالت سليماني إن فرض الذات في فرنسا ككاتبة مغاربية لا يبدو من حيث المبدأ أمرا هينا، مشيرة بالمقابل إلى أنها لم تواجه أية صعوبة تتعلق بكونها مغربية. "لم أكن أبدا ضحية للعنصرية أو التمييز العنصري، غير أن الصعوبات الوحيدة التي واجهتها كانت، على غرار أي كاتب، مرتبطة بالكتابة، أي التحدي المرتبط بالنجاح في كتابة نص أو ترجمة ما يخالج ذاتي بالشكل الذي أطمح إليه". وأشارت إلى أن الأدب المغربي المدون باللغة الفرنسية هو أدب ذو قيمة أدبية عالية يسترعي الاهتمام، مضيفة "أجد هناك تجددا مستمرا في هذا النوع من الأدب الذي يعنى بشكل متزايد بالقضايا المجتمعية ذات الصلة بالحريات الفردية". وأضافت "أعتقد أنه بواسطة الأدب أيضا نستطيع المشاركة في النقاش العام الذي يقارب العديد من المعضلات. إنه صنف تعبيري يقوم بدوره كاملا". وبخصوص دعمها للرئيس الفرنسي الحالي، إيمانويل ماكرون خلال الانتخابات الأخيرة، أكدت هذه الكاتبة الشابة، التي عينت ممثلة شخصية لرئيس الجمهورية للفرونكفونية، أن "فرنسا كانت بصدد مواجهة خطر كبير وأن فوز ماكرون هو ما ساهم في الحفاظ على استقرارها وعلى الأسس التي ترتكز عليه هذه الأمة". وبخصوص إقامة التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية، قالت سليماني، وهي أم لطفلين، "إني، ككل نساء العالم، أبذل قصارى جهدي، وأحاول أن أعطي كل ما أستطيعه. إنه ليس بالأمر الهين لكني مع ذلك لست الاستثناء الوحيد". وبخصوص وضعية المرأة المغربية، شددت سليماني على أن هناك تطورا مهما، لكن ينبغي مواصلة المعركة وعدم الاستسلام والمثابرة من أجل نيل كافة الحقوق وتحقيق المساواة. *و.م.ع