يجمع أهل الفن والمتتبعون على أن فترة الستينيات وما يليها تميزت بظهور ثلة من كبار المطربين والموسيقيين والمسرحيين المغاربة، لعل أشهرهم ببهجة الجنوب على مستوى المسرح محمد بلقاس، وعبد الجبار الوزير، والمخرج المسرحي مولاي عبد السلام الخالدي، وزوجته الفنانة مليكة الخالدي، وغيرهم من الفنانين؛ منهم من قضى نحبه ومنهم من يعاني في صمت. مليكة الخالدي، التي فتحت عينيها على الحياة سنة 1947 بمدينة مراكش، اسم أثبت نفسه على الساحة الفنية، بفضل موهبتها، وسجلت حضورها على خشبة المسرح منذ التحقت بفرقة المسرح الحديث للهواة سنة 1963؛ وفي سنة 1968 شاركت ضمن فرقة الوفاء المراكشية في تقديم أعمال ظلت منقوشة في ذاكرة المغاربة، في زمن كان المغرب يفتقر إلى معاهد لتكوين الفنانين في مجال أب الفنون؛ لكنها أيضا واحدة ممن نلن "جائزة الإهمال والتهميش". "بلادي لم تنصفني..كناكلو القوت وكنتسناو الموت"، هكذا شرعت مليكة الخالدي، المعروفة بالتايكة، في سرد قصتها المؤلمة، بعد إصابتها بالشلل منذ خمس سنوات مضت، ما جعلها تقبع في ركن بمنزل تواجه الوحدة، بعد مشوار حافل قدمت فيه سنة 1986 مسرحية "الحراز"، لفرقة الوفاء المراكشية أمام المرحوم الحسن الثاني. وقالت الفنانة التي تزوجت بالممثل والمخرج المسرحي مولاي عبد السلام الخالدي، ولها منه خمسة أبناء، لهسبريس التي زارتها بمنزلها: "أنا لست خريجة معهد للفنون، لكن الولع بالفن والمسرح يجري في دمي، وموهبتي جعلتني أتحدى عائلتي المحافظة بالوقوف على خشبة المسرح للتمثيل". "لقد دفعني عشق أب الفنون، منذ المرحلة الابتدائية بمدرسة الرشيدية بباب أيلان، إلى أن أعتلي المنصة لأقدم حفلات بمناسبة عيد العرش ونهاية السنة الدراسية، ومثلت رفقة فنانين دوليين في مسلسل "في الطريق إلى كابول"، ومع بطلة فيلم "تيتانيك" في "مراكش اكسبريس"، تحكي الخالدي وهي تلمس إحدى عينيها التي توقفت عن أداء وظيفتها، بسبب داء المياه البيضاء (الجلالة). التايكة، التي انطلق مشوار احترافها منذ مسرحية "الحراز"، قدمت العديد من المسرحيات، "كالزواج بالحيلة"، و"مولات الصوت الحنيني"، ومثلت في عدة أفلام، ك"أولاد الحلال"، ومن "دار لدار"، لكنها اليوم تعاني التهميش وتقبع في كرسي متحرك بركن بمنزل ورثة زوجها بشارع الساقية بمقاطعة سيدي يوسف بن علي التابعة لمراكش، دون أدنى شروط الحياة الآدمية. "الوضعية الصحية للفنانة مالكة تتدهور يوما بعد يوم بسبب معاناتها النفسية من التهميش واللامبالاة، وغياب التغطية الصحية، وما تفرضه ضرورات الحياة اليومية"، يروي زوجها، المخرج المسرحي مولاي عبد السلام الخالدي، بحسرة مطأطأ الرأس، مردفا: "سيدة المسرح في حاجة اليوم إلى عملية جراحية للعيون لا نقوى على دفع ثمنها (7000 درهم) بالمصحات الخصوصية، رغم توفرها على بطاقة الفنان وبطاقة التغطية الصحية "رميد"". "ماذا وقع لهذا الوطن؟ هل أصيب بسكتة حقوقية ومات ضميره؟ فلا أحد اهتم بضعفي وقلة حيلتي، رغم ما قدمت من خدمات فنية بجولات في كل مناطق المغرب، بمسرحيات تدخل البهجة والسرور على المغاربة، وتوقظ وعيهم بهموم المجتمع؛ فنلت في نهاية المطاف وسام الحرمان بعناوين النسيان والتهميش من قبل المسؤولين عن القطاع الثقافي بالمغرب". ولا تمل السيدة مالكة الخالدي من الترديد في كل لحظة والدموع تنهمر من عينيها: "وظلم ذوي القربى فنيا أشدُ مضاضة، على المرء من وقع الحسام المهندِ"؛ ورغم ما تكابده وتعانيه من مرضها، لكن عشق أب الفنون جعلها تلح على الشادلي مولاي احمد، والمختار الكنيدري، كي يشركاها في عمل فني وهي على كرسيها المتحرك، لأن الإعاقة الجسدية ليست مانعا.. "لكن جرح التهميش ونكران الجميل من المؤسسات الرسمية والهيئات التي تعنى بأهل الفن لا يلتئم"، تختم من عرضت مسرحية الحراز بالجزائر عرض مأساتها.