"ضعينا تنظيم مونديال 2006 حيتاش الفيفا جات وملقاتش مراحيض عمومية فالمغرب"، عبارة انتشرت بشكل واسع قبل سنوات في الشارع المغربي بعد الفشل في الظفر بشرف تنظيم كأس العالم لكرة القدم، لكن لازال بإمكان الرباطيين إحياؤها بمناسبة الحديث عن المراحيض العمومية بالعاصمة، التي تشهد أزمة كبيرة يضطر معها زوارها وسكانها إلى اللجوء إلى أماكن غير المراحيض. أزمة مواطنين بجوار ساحة باب الأحد بالرباط يوجد مرحاض عمومي بدون علامات دالة على هوية المكان، سوى سيدة تضع أمامها صندوقا وصحنا صغيرا لجمع بعض الدريهمات مقابل تنظيف المراحيض كل يوم. رائحة تزكم الأنوف، وأوساخ متراكمة على جنبات الجدران، وحشرات تملأ المكان، وأبواب خشبية مهترئة، تغلق بواسطة مزلاج حديدي مهشم؛ هكذا تبدو حالة "الزنازين" الثلاث التي يقضي فيها المارون حاجتهم. عبد الصمد، بائع متجول يعرض بضاعته بالقرب من المرحاض العمومي، يقول في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية إن حالة المراحيض تكون أكثر فظاعة في فصل الصيف، بفعل الحرارة وضعف التنظيف؛ "فالسيدة المسؤولة عن العملية تنسحب في الصيف لمزاولة أنشطة أخرى أكثر راحة وأوفر دخلا"، على حد قوله. عبد الصمد أضاف أنه لم يسبق له أن رأى عمال نظافة تابعين للمجلس الجماعي للرباط ينظفون أو يصلحون المراحيض.. "هي هكذا منذ التحقت بالمكان، ولن تتغير لأن من شيدها أراد لها هذا الأمر..بالإضافة إلى سلوكات البعض ممن يعتبرون الفضاء ملكا للدولة وليس للمواطنين". "جمال ب"، مستخدم قاطن بحي "أكدال"، يحكي في حديث مع هسبريس أن "ساكنة الحي تلجأ إلى المساجد لقضاء حاجاتها، في ظل غياب مراحيض عمومية، ورفض أرباب المقاهي السماح للناس باستعمال المراحيض". جمال لا ينفي أن غياب المراحيض العمومية مأزق حقيقي يبين أن الدولة لم تستوعب أهمية هذا المرفق، لكن في المقابل يؤكد أن مرحاض "باب الأحد" تحول إلى مزبلة بسبب سوء الاستعمال، وعدم الاكتراث بمرافقه. مدينة العرفان بدورها لا تخلو من هذا الإشكال، حيث يوجد مرحاض بفضاء "الكومبيس" حالته لا تختلف كثيرا عن مرحاض باب الأحد؛ فرغم مساحته الرحبة، إلا أنه غارق في مياه متسخة جراء انسداد البالوعات، وغياب التنظيف، الأمر الذي خلف أبوابا حديدية محطمة يعلوها الصدأ. ثمانية أبواب، نصفها للرجال، واثنان فقط مستغلان؛ فيما البقية معطلة منذ ما يقارب 10 أيام، حسب إفادات بقال في المنطقة، اشتكى من عدم توفير مرحاض نظيف للتجار الذين يقضون يومهم كاملا بالمكان. سياحة متدهورة الحسين، أحد المرشدين السياحيين بالرباط، يقول في حديث مع هسبريس إنه يجد حرجا كبيرا عندما يطلب منه أحد السائحين دله على مرحاض عمومي، ويضطر إلى الذهاب معه صوب مقهى مجاور من أجل تفادي رؤيته حالة المراحيض العمومية، فيعود إلى بلده بصورة سيئة عن المغرب. الحسين أضاف أن انعدام المراحيض العمومية يجعل العديد من السياح ينفرون من زيارة المغرب؛ وزاد: "ما لا تعرفه المجالس الجماعية هنا أن من بين أول الملاحظات والأسئلة التي تطرحها علينا الهيئات المنظمة للرحلات "هل للمغرب مراحيض عمومية؟"". وأوضح الحسين أن السلطات عليها أن تجد حلا لهذه المعضلة؛ "فرغم توفر البلاد على العديد من المؤهلات السياحية الفريدة، إلا أن غياب بعض التجهيزات التي قد تبدو بسيطة يؤثر بشكل سلبي على إقبال السياح، وعلى تصنيف وترتيب المغرب العالمي على عدة أصعدة، ومن بينها السياحة"، وفق تعبيره. بدوره قال علي، وهو مرشد سياحي بالرباط، في تصريح لهسبريس: "حتى بتواجد المرحاض العمومي بباب الأحد لا يمكن أن يستعمله السياح، لأنه "بلدي"، والأجانب غير معتادون عليه، إضافة إلى كونه يفتقر إلى أبسط شروط النظافة، ما يجعل المرشدين يضطرون إلى التعامل مع أرباب المقاهي التي تفرض الدفع". علي أضاف أن مدينة الرباط رغم سوء أحوالها تعتبر الأفضل مقارنة بمدن أخرى، مثل مراكش وفاس اللتين تعرفان غيابا تاما للمراحيض، ويصعب حتى إقناع أرباب المقاهي بهما باستخدامها. المجلس يجيب من جهته أكد لحسن العمراني، النائب الأول لعمدة الرباط، أن موضوع المراحيض العمومية كان قد باشره المجلس الجماعي السابق واتخذ فيه مقررا، لكن السلطات لم تصادق عليه، ثم جاء المجلس الحالي وأثار الموضوع نفسه في دورة أكتوبر 2017، وصودق عليه بما يشبه الإجماع، لكن السلطة تطالب بتحديد أماكن معينة من أجل بناء هذه المراحيض. العمراني أردف في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية بأن المجلس أخذ الملف على عاتقه، واتخذ فيه التدابير اللازمة، وزاد: "نتمنى أن تتم الأمور بشكل سريع، نظرا لأهمية هذا المرفق في مدينة مثل عاصمة المملكة، التي يتوافد عليها المواطنون بشكل كبير بحكم طابعها الإداري، فضلا عن جذبها لعدد مهم من السياح الأجانب". * صحافي متدرب