ناقش باحثون وفاعلون خلال ندوة مغاربية ملف "الجهوية بالمغرب بين النص والممارسة"، في مقر بيت الصحافة بمدينة طنجة، من تنظيم مركز تكامل للدراسات والأبحاث، وشعبة القانون العام بكلية الحقوق بطنجة، ومؤسسة هانس زايدل الألمانية. وتناوب على منصة الحديث ثلة من الأساتذة الباحثين والخبراء والمهتمين من مختلف التخصصات والجامعات المغربية، فيما عبر رئيس جهة طنجة تطون الحسيمة، إلياس العماري، عن ما يشبه خيبة الأمل في ما يتعلق بورش الجهوية، حيث رجح مجموعة من الاحتمالات وراء هذا التعثر. وسرد العماري عددا من هذه العوامل، من ضمنها: "غياب التوافق بين النصوص وخصوصية الممارسة التي تفرضها الجهوية المتقدمة"، و"عدم جاهزية النصوص القانونية" بالشكل الكافي لتغطية جميع جوانب الجهوية المتقدمة من خلال ممارسة الاختصاصات المخولة إليها، خاصة الاختصاصات الذاتية. وتوسّل رئيس الجهة بمجموعة من الأسئلة بهدف التعبير عما يجول في ذهنه بهذا الخصوص: هل النص القانوني جد متطور مقارنة مع الممارسة؟ هل يعتبر النص القانوني خارج السياق؟ هل النخب السياسية لم تفهم أو لم تدرك بعد مهمتها ومسؤوليتها في ممارسة اختصاصاتها في إطار الجهوية المتقدمة أو لم تتفهم بعد خصوصية النصوص القانونية؟ وأكد رئيس الجهة أن مسؤوليته تتجسد في اكتشاف الخلل وتبليغه؛ بهدف أخذه بعين الاعتبار خلال مراحل مراجعة وإصلاح القوانين لتستجيب لخصوصيات الجهوية المراد تطبيقها على أرض الواقع، في أفق ما أسماه "إطارا لجهوية متقدمة ناجحة" تضع إطارا عاما كافيا لتدخلات مختلف الفاعلين"، مردفا أن "الحكومة غير جاهزة للتفاعل مع مطالب المجالس الجهوية". كما صرّح بأن الجهات مازالت غير قادرة على ممارسة اختصاصاتها الذاتية، حيث تمارس فقط الاختصاصات المشتركة في إطار التعاقد مع السلطات المركزية، فالاختصاصات في مجال الاستثمار مثلا، حسب العماري، لا تعطي للجهة أية امتياز لأنها ليست عضوا في أي لجنة أو مؤسسة تخص الاستثمار، عكس رئيس الجماعة الذي له صلاحيات في الاستثمار من خلال عضويته ضمن "اللجنة الجهوية للاستثمار". وخلص إلى أن الجهة إلى حدود الساعة تلعب دور "منشط البطولة"، ولا تعتبر "قائدا للاستثمار على مستوى الجهة"، حيث ينحصر دورها في البحث عن مستثمرين واستقطابهم للاستثمار في مجالها الترابي، بعد ذلك يتعامل المستثمر مع سلطات اللاتركيز (من خلال المركز الجهوي للاستثمار مثلا). وختم العماري حديثه بالتعبير عن أسفه لكون توزيع الاختصاصات بين الجماعات الترابية يظل فضفاضا، ولا يكاد يكون ممكنا في بعض الأحيان الفصل بين اختصاصات الجهات واختصاصات باقي الجماعات الترابية الأخرى. وسجل أن "تداخل الاختصاصات بين الجماعات الترابية" يضع مشكل قيادة المشاريع، إضافة إلى أن انعدام الثقة بين المركز والمحيط في ما يخص إشكال التدخلات ونوعية الاختصاصات، جعل صاحب القرار الإداري على المستوى المركزي يتشبت بالسلطة ولم يقم بتفويضها للجهات. أما من جهة الأساتذة الباحثين، فإن المداخلات قد تنوعت حسب التخصصات؛ إذ توزعت بين الاهتمام بمسألة جهوية الثقافة والتعليم والوظيفة، وبين تسجيل محدوية النصوص القانونية مقارنة مع باقي التجارب المقارنة. وكان التركيز أكثر على مسألة القرار المالي، حيث سُجلت مفارقات متعددة بخصوص دور الجهات على المستوى المالي. وقد أغنت مداخلات الباحثين القادمين من الجزائر النقاش وساهمت في تسليط الضوء على ما يحدث في الجارة الشرقية للمملكة، حيث إن التجربة هناك ما زالت تعرف تعثرا كبيرا. وكان لا فتا ما عبرت عنه بعض المداخلات بخصوص صعوبة التفكير ديمقراطيا في الجهوية المتقدمة خارج الإطار الدستوري الديمقراطي، وعدم إمكانية تقدم الجهوية في غياب نخب سياسية مستوعبة للمفهوم.