الخوف من المجهول، الحيرة إزاء طبيعة المرض والأمل في إيجاد العلاج، مشاعر متداخلة عديدة تثيرها الأمراض النادرة وتطرح معها الكثير من الأسئلة، حين يستعصي على الطب الحديث تشخيص داء يصيب عددا جد ضئيل من الأشخاص عبر العالم، مما يزيد من معاناة المصابين في التعرف على سبب داء مجهول قد يهدد حياتهم بشكل دائم، وبالتالي توفير العلاج المناسب. ويشكل اليوم العالمي للأمراض النادرة (28 فبراير)، الذي يخلد هذه السنة تحت شعار "نادر، فخور، دعونا نكون متحدين!"، فرصة هامة لتسليط الضوء على أمراض تعد بمثابة عبء ثقيل على المصابين والأسر، سواء في مجال التكفل العلاجي أو المواكبة النفسية، لكون هذه الأمراض غالبا ما تثير حذر المحيطين بالشخص المصاب بسبب الجهل بالمرض، والتأكيد على ضرورة التعبئة من أجل زيادة الوعي بأهمية تقديم الدعم للمصابين. تعرف هذه الأمراض بالنادرة لأنها تؤثر على أقل من شخص واحد من كل 2000 نسمة، وأحيانا نجد في العالم بضع مئات أو عشرات المرضى لمرض معين. وقد تم تحديد ما يقرب من 8000 مرض نادر حتى الآن، كما أنه يتم وصف 200 إلى 300 مرض نادر جديد. وفي هذا الإطار، تبرز وثيقة للائتلاف المغربي للأمراض النادرة التنوع الكبير جدا للأمراض النادرة بشكل يجعل تشخيص الأعراض أمرا مربكا، إذ تتميز الأمراض النادرة بتنوعها بين أشكال عصبية عضلية، وأمراض استقلابية، وأمراض تعفنية، وبعض الأمراض السرطانية، غير أن 80 بالمائة من هذه الأمراض لها سبب وراثي جيني كما أن 3 من 4 أمراض نادرة يبدأ في الظهور في مرحلة الطفولة، مع إمكانية بروزه حتى سن الثلاثين، أو الأربعين أو ما فوق سن الخمسين بعد مدة طويلة من الكمون. بعض هذه الأمراض النادرة قد تساهم في فقدان البصر في حال تدهور لشبكة العين أو جعل التنفس عسيرا مثل حالة التليف الكيسي، أو إضعاف مقاومة التعفن كما في عجز المناعة الأولي أو التسبب في مشاكل في تجلط الدم كما هو الحال في الهيموفيليا (الناعور)، كما يمكن لهذه الأمراض أن تعيق النمو والبلوغ كما هو الأمر في متلازمة تيرنر المرتبطة بغياب أو خلل في واحد من كلتا الكروموسومات الجنسية الأنثوية. وغالبا ما تكون الأمراض النادرة أمراضا مزمنة، وعادة ما تكون أيضا شديدة وتهدد حياة المصاب بها. إذ أن 80 بالمائة من الأمراض النادرة لديها تأثير مباشر على متوسط العمر المتوقع، كما أنها تتسبب، بالنسبة لأكثر من 65 بالمائة من الحالات، في مشقة كبيرة وعجز في الحياة اليومية وفقدان كامل للاستقلالية في 9 بالمائة من الحالات. ويطرح الائتلاف، أيضا، إشكالية غياب تكوين معمق للأطباء وتوفر مراكز متخصصة، وهو الأمر الذي غالبا ما يصعب الطريق أمام المسارات العلاجية للمرضى، التي تكون محفوفة بالمعاناة، إذ أن عملية التشخيص والحصول على العلاج الملائم تستغرق، غالبا، ما بين 6 و15 سنة وأكثر من ذلك. علاوة على ذلك، فإن عددا كبيرا من المرضى لا يتم تشخيصهم على الإطلاق ويتم التعامل معهم على أساس أعراض مرضهم، مما يؤدي إلى شعور بالإهمال لدى المرضى وأسرهم. وفي هذا الإطار، وبمناسبة الدورة الحادية عشرة لليوم العالمي للأمراض النادرة، يدعو الائتلاف المغربي للأمراض النادرة بالمغرب، إلى التعبئة من أجل مليون ونصف مغربي يعانون من هذه الأمراض، بغية التعريف بطبيعة الأمراض النادرة، وكذا الصعوبات التي تواجه المصابين في رحلة تبدأ بالتشخيص لتصل إلى تحديد العلاج المناسب. ويؤكد الائتلاف على ضرورة إدراج الأمراض النادرة ضمن أولويات الصحة العامة، ووضع خطة وطنية لها مع صياغة الأهداف المراد تحقيقها والتدابير المزمع اتخاذها، ولا سيما في مجالات تكوين المعالجين وتوجيه المرضى الذين يعانون من الأمراض النادرة وإنشاء مراكز مرجعية وطنية لتطوير الخبرات ومراكز كفاءات محلية لتقديم الرعاية المقربة، وذلك بهدف ضمان مستقبل أفضل للمرضى. ويسجل، في هذا الصدد، أنه بالرغم وجود اختبارات جينية وبيولوجية لتشخيص عدد كبير من الأمراض النادرة، فضلا عن التوفر على علاجات جديدة، يبقى من الصعب الحصول على هذه الوسائل في المغرب لأن تكلفتها تكون باهظة أو أنها أحيانا تكون غير معروفة من طرف المعالجين، في حين أن المنافع تكون كبيرة على المدى الطويل. فالعلاج المناسب سيكون دائما أقل تكلفة من العلاجات غير المناسبة التي تستغرق فترة طويلة أو "تكلفة الترحال الطبي لمرضى تائهين". وقد نظم ائتلاف الأمراض النادرة بالمغرب، بشراكة مع المختبر المرجعي الوطني وجامعة محمد السادس للعلوم الصحية، مؤخرا بالدار البيضاء، اليوم الوطني الأول للأمراض النادرة تحت موضوع " لتحسيس أفضل بالأمراض النادرة في المغرب"، إذ شكل هذا الحدث، المنظم في سياق اليوم العالمي الحادي عشر للأمراض النادرة، منتدى لتبادل المعلومات والخبرات بين مهنيي الصحة والمرضى وجمعياتهم. تطرح الأمراض النادرة إذن، تحديا كبيرا يرتبط بأهمية تسليط الضوء على جانب خفي من المعاناة المرتبطة بداء مجهول يزيد من معاناة المرض، فالخوف من عدم تشخيص الداء يشكل الخطوة الأكثر صعوبة بالنسبة لمسار التكفل بالمرض، ومن ثم ضرورة بذل الجهود لتوفير الإمكانيات الكفيلة بوصف المرض وبالتالي إيجاد العلاج المناسب.