كثيرون هم من ضلوا طريق العودة إلى الأصل والتعايش مع الوضع ذاهبون في طريق الركض وراء قطرات الماء، هاربون من شبح ندرته. فمن وراء هذه الحقيقة المرعبة؟ هذا السؤال يجيب عنه الواقع المعيش في واحدة من بين المناطق التي جعلت لنفسها حيزا من واحة كتاوة الواقعة في الجنوب الشرقي للبلاد، إنها تاكونيت المعروفة برمالها الشامخة التي استهوت الآلاف من السياح. وهذا لايخفي الهجرات الجماعية لسكان المنطقة رغم أن 17500 نسمة تمسكت بها تحت عنوان الأجداد والأرض، الغيرة عليها، إلا أن هذه الساكنة تعاني من ندرة المياه ،هذه الظاهرة التي شغلت السياسيين، الحقوقيين، هيئات المجتمع المدني والمهتمين بالشأن البيئي في ظل شيوع ثقافة الاستهلاك وغياب ثقافة الاستغلال والمحافظة. رثاء الإنسان، أنين الطبيعة: انتظار بعد انتظار، وللأسف تاكونيت الجوهرة الصامتة المتعطشة لقطرات الماء، لم تجُد عليها السماء إلا بالقليل، فالمرعب في الأمر أن أقصى قيمة بلغتها التساقطات خلال العشر سنوات الأخيرة هي 142mm، وهذا ينعكس سلبا على فرشتها المائية التي لا تسمن ولا تغني من جوع. ونجاة بأرواح النبات ومنفذا من الموت المحسوم، جاء سد المنصور الذهبي ليغطي خصاصا قاتلا في التساقطات بفضل إطلاقته رغم محدوديته التي لا تتجاوز خمس مرات في السنة. وكما جاء على لسان السيد مدير مركز الاستثمار الفلاحي رقم605 بتاكونيت: بأن إطلاق هذه المياه لايتم بانتظام بل حسب طلبات الفلاحين. و رغم حمولته التي تقدر بحوالي 460 مليون m3 فنصيبنا يختلف باختلاف غنى الموسم بالتساقطات ، فنأخذ على سبيل المثال موسم2014/2015 الذي شهد تساقطات غزيرة ترتب عنها امتلاء سد المنصور الذهبي بأكمله، مما اسفرعن إطلاق المياه لمدة شهر أما في مواسم أخرى كموسم2017 باتت الأراضي تستغيث بربها،والانسان يستخيره ماء. ونخص بالذكر عملية إطلاق الماء لشهر نونبر في نفس الموسم المحملة ب30 مليون m3،حيث استغرقت أسبوعا لوصولها إلى سد أزغار، وبصبيب منخفض لطول المسافة بين ورزازات و تاكونيت؛ منطقة تواجد هذا السد التحويلي. وينتج عن هذا تبخر كمية من الماء وترشيح أخرى، علاوة على ذلك هذه الكميات لا تستفيد منها هذه المنطقة فحسب، بل جل المناطق المطلة على طول وادي درعة، فالبعض استعملها للزراعة و لسد عطشه يستعملها البعض الآخر. وبتبذير من الإنسان زاد الوضع خطورة مما حتم على الفلاح البحث عن مهنة تعوضه عن الأولى. فإذا بالتساؤلات تصب كالتساقطات التي باتت أيدي العباد ترجوها صباح مساء ؛فحواها ما مصير الأجيال المقبلة؟ التصحر من بين العواقب: لكشف الستار و معرفة ما يقع على أرض الواقع كانت الوجهة منطقة فلاحية تنتمي إلى الجماعة الترابية لتاكونيت، إنها "قصر نصراط" التي تسحر الزوار برمالها الذهبية و التي ساهمت في تنمية السياحة بالمنطقة إلا أن هذا يشبه الشجرة التي تخفي الغابة فكل الفلاحين يصرحون أن هذه الرمال تشكل عائقا أمام حياتهم المهنية. وهذا يعزى إلى عدة أسباب أهمها كثرة الكتبان الرملية و بعضها يصل بها الحد أن تغطي بعض أشجار النخيل كاملة، و ليس هناك أخطر من توسعها على أجود المناطق الزراعية بفعل الرياح القوية التي تشهدها المنطقة. ويبقى الجفاف العامل المساهم بشكل مباشر في تفاقم ظاهرة التصحر، فقلة الموارد المائية تحول دون التشجير واستغلال الأراضي للزراعة، ولم يبق لهذه الأراضي سوى مواجهة الرمال التي تغطيها، ليقف أهل البلدة وقفة تحسر على ما آلت إليه أوضاع أمانة ائتمنوا عليها. الملوحة من بين التحديات: فعلا إن الكل فقد الأمل فالتحديات من كل الجوانب. فهل تبقى الملوحة مشكلا آخر يؤرق بال الفلاحين و الساكنة؟ لم يتأخر الجواب فالتقني العالي ه.ب من مختبر الدراسات somatep جاء على لسانه : أن على طول واد درعة، تتواجد نسبة كبيرة من الملوحة الناتجة عن صخرة الشيست المتواجدة بكثرة في البنيات الجيولوجية للمنطقة. وأكدت مصادر من المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب – قطاع الماء- أن نسبة الملوحة في الآبار الموزعة على طول ضفاف واد درعة تتراوح بين 5g/l إلى 7g/l و من أهم سلبياتها أنها تعرقل توظيف تقنيات حديثة في السقي ؛كطريقة السقي بالتنقيط ذلك أن الملح يترسب في ثقوب هذه الأنابيب و يجعل مرور الماء شبه منعدم. والساكنة تشتكي من ملوحة مياه الشرب رغم خضوعها للمعالجة في محطة التحلية، الشيء الذي دفعنا للتأكد من صحة المعلومة عبر زيارة لهذه المنشأة حيث اتضح أن المهتمين بالأمر يحترمون المعايير الدولية في هذا المجال و لا تبلغ نسبة الأملاح في المياه المعالجة الا 2g/l وهي قيمة مقبولة. خسارة وراء الأطماع لم تعد تقتصر خطورة ندرة المياه على العوامل الطبيعية فحسب، بل تجاوزت ذلك و أصبح الأمر أكثر تعقيدا بإسهام اليد البشرية في ذلك، إذ عمقت من الجرح، وتم الاستحواذ على الأراضي التي نجت من الملوحة و التصحر ليتم استغلالها في زراعة البطيخ الأحمر "الدلاح" فكما أوضحه السيد ع.س من ساكنة المنطقة "زراعة الدلاح في تاكونيت تنحصر في منطقتي تفراوت وميرد نظرا لتوفرهما على مياه غير أجاجة الشئ الذي يتناسب مع هذا النوع من الزراعات". يتم استهلاك ما يقار 5000m3 من الماء سنويا في هكتار واحد و حسب احصائيات لوكالة الحوض المائي لسوس ماسة درعة فزراعة البطيخ تستحوذ على 58.31% من مجموع الماء المستهلك في الزراعة بزاكورة، الشيء المسبب في استنزاف كبير للفرشة المائية، والأدهى من ذلك أن اتساع هذا النوع من المزروعات يتم بشكل مهول وغير معقلن، فأين نحن من الهدف الثاني عشر من أهداف التنمية المستدامة" الاستهلاك والإنتاج المسؤولان" التي و ضعتها الأمم المتحدة؟ وأين نحن من تحويل عالمنا؟ لعلها خسارة كان ورائها مستثمرين طائشين جرفتهم سيول الطمع و تجاهلوا معاناة الساكنة مع الماء. إن من بين العوامل المؤدية الى استهداف هذا المجال بالضبط على غرار مجالات متوفرة على الماء؛ هو المناخ الذي تتميز به الواحة؛ لكونه مناخ حار بعيد عن المؤثرات البحرية الذي يساعد على ارتفاع الإنتاج و المردودية و الجودة العالية. لكن العيب لا يكمن في النتيجة السلبية التي ألحقت الضرر بأهم مادة حيوية هي الماء و أجبرت الساكنة للتكيف معها، لكن العيب هو التفكير السلبي المسبق للتنفيذ الذي يزيد الوضع تأزما. و في خضم كل هاته المشاكل لن تبقى الأيدي مقيدة، بل ستسعى جاهدة للتخفيف من حدتها بتدخلات متواضعة من الساكنة كالتشجير للقضاء على زحف الرمال، ويمكن اتخاذ اجراءات اكثر فعالية كبناء محطات التحلية للتخلص من أزمة العطش وتقنين حفر الآبار وتبني زراعات أقل استنزاف للماء و يمكن كذلك معالجة المياه العادمة لاستعمالها في الزراعة وربط الأراضي الزراعية بأنابيب الري عوض السواقي التقليدية التي تضيع بسببها كميات مهمة من المياه. * من إنجاز التلاميذ: خالد الزليكي أبوبكر الدرعي اسماعيل ياسين وجدان السباعي حنان أومني وجدان خادي ثانوية عثمان بن عفان التأهيلية المديرية الاقليمية لزاكورة تأطير الأستاذ دريس بودهاير * تقرير صحفي مشارك في مسابقة الصحفيين الشباب من أجل البيئية المنظمة من طرف مؤسسة محمد السادس للبيئة بالتعاون مع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي