تُشجّع وزارة الثقافة على قراءة الكتاب، بينما سياستها (على الأرض) لا تقدم أدلة كافية عن ذلك. ليتصور كل واحد منا كيف أن وزارة، بأكملها، تخلت عن إصدار مجلتيها الورقيتين "الثقافة المغربية" و"المناهل"، لصالح أخرى إلكترونية في عهد الوزير بنسالم حميش، لا ندري إلى أين انتهى مصيرها هي الأخرى. كيف لوزارة تدعو المواطنين المغاربة إلى القراءة، في الوقت الذي لا تستطيع تنشيط "سوق" القراءة بإصدار مجلتين يتيمتين؟! إضافة إلى ذلك، لا نستطيع تفهم عزوف الوزارة ذاتها عن طبع الكتب ونشرها، في مقابل دعم دور النشر الخاصة، المعروفة باهتمامها بعينة من الكتب، وفي مجالات محددة دون غيرها. والغريب هو أن أغلب هذه "الدُّور" نادرا ما كانت تلتفت إلى أداء مستحقات المؤلفين (أصحاب حقوق التأليف). ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن من حق المغاربة أن يتساءلوا عن مصير مطبعة الوزارة، بعد التخلي عن إصدار المجلتين وطبع الكتب. كنت أرجو من وزارة الثقافة استعراض عناوين من الكتب، التي أصدرت بمناسبة انعقاد معرض البيضاء للكتاب، تعبيرا منها عن الإرادة الثابتة في تشجيع القراءة، إلا أن أي شيء من هذا لم يحصل؛ وهو ما يعبر عن سياسة معينة إزاء مجال حيوي، يقع في صلب التنمية والكرامة الوطنيتين. والمثير هو أن سياسة الوزارة تغدو، بهذا الخصوص، أقرب إلى تبني سياسة التدبير المفوض، حيث تقوم دور النشر مقام ما يعرف بشركات "المناولة"؛ ذلك أن من بعد التدبير المفوض (في قطاع "الما والضو" والتطهير والنظافة وغير ذلك)، يحصل "التعاقد" في التعليم، دون استبعاد أن يتمّ تسليم مؤسسات التعليم العمومية للقطاع الخاص، في يوم ما قريب. وليس بغريب، والحال على هذا النحو، أن تسعى وزارة الثقافة إلى تفويت تدبير شؤونها إلى شركة من الشركات الخاصة، مثلما أضحى عليه الواقع في أكثر من قطاع ومرفق. ولأن المناسبة شرط، فليس من الممتنع، كذلك، تفويت تنظيم معرض الكتاب إلى شركة خاصة، على أساس أن تكتفي الوزارة بمهمة "قص شريط الافتتاح"... لا أقل ولا أكثر. بموازاة مع كل ما سبق، ينبغي تسجيل عجز الوزارة عن دعم الكتاب، في ما يتعلق بتخفيض تكلفة اقتنائه من قِبَل القراء. وباستعراض أثمنة بعض الكتب، يلاحظ الغلاء الذي يصطدم به كل من همّ باقتناء أحدها. إن اقتناء "رواية" واحدة باللغة العربية يقتضي مبلغ أكثر من مائة درهم. أما بالنسبة إلى من يريد اقتناء أكثر من مُؤَلَّف، فإن ذلك يقتضي التوفر على ميزانية "لا بأس بها"، هي غير متوفرة، أصلا، بسبب غلاء المعيشة. إن حسن نية الوزارة، في دعواها المتمثلة بتشجيع القراءة، تبدأ بتخفيض الرسوم المفروضة على الكتاب "المستورد"، إضافة إلى تخفيض سومة تسويق الورق، الذي تقوم عليه صناعة الكتاب أساسا. أما غير ذلك، فإن الوزارة تغري الزوار بزيارة المعرض؛ لكن لتتركهم يجوبون أروقته، من دون أن توفر لهم فرص اقتناء كتب بأثمنة مناسبة...