لماذا يصر البعض على الكذب على المسلمين وهم أحياء؟ لماذا يلجأ البعض إلى الخرافة ولي أعناق الحقائق الناصعة البياض؟ ولماذا يكذبون على القرآن والسنة والتاريخ؟ ولماذا يتسامحون مع جميع الديانات، السماوية منها والوضعية، إلا مع الإسلام مع أنه دين تسامح بامتياز وهو الأمر الذي شهد به الأعداء قبل الأصدقاء؟ قال أحدهم في مقال كتبه بجريدة هسبريس متحدثا عن التسامح وحقوق الإنسان: "فمفهوم التسامح ظهر مع فولتير وجون لوك" وهذا، في رأينا، لا يدل سوى على الجهل بالتاريخ، والجهل بالإسلام الذي لا تضاهيه أي ديانة أو مجتمع في تعاطيه مع احترام معتقدات الآخرين وتسامحه كما سيأتي بيانه. والذي لم أستسغه كيف لرجل، يدعي العقلانية والمنطق ويدعو إليهما، ويلجأ إلى الأساطير والخرافات، فيستشهد بقصة من صنع خياله (كما يقر ويعترف) وكأنه يحفر حفرة ليسقط فيها الإسلام حتى يُشْهِدَ الناسَ على أن في الإسلام ثَغْرَةً خطيرة تخص تعامله مع غير المسلمين بما في ذلك فرض الجزية عليهم، (وللأمانة أذكر القصة للقراء كاملة تماما كما ذكرها) يقول فيها: "إنه عندما احتل المسلمون بلدانا عديدة، وجدوا رجلا غير مسلم يمتلك دكانا يبيع فيه بعض الأشياء تكفيه حوائجه المعيشية، فخيروه بين أن يعلن إسلامه أو يدفع الجزية... فقال: "سأدفع الجزية، لأني لا أستطيع التخلي عن دين آبائي وأجدادي"، فقالوا له: "حسنا إذن، ادفع ألف دينار ذهبا"، فذهل الرجل، وقال لهم: "أنا لا أملك هذا المبلغ الكبير! لذلك سوف أعلن إسلامي.. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، وفي اليوم الموالي ذهب صاحبنا لدكانه وهو مرتاح، لكنه تفاجأ بحضور جمع من المسلمين، وقالوا له "بما أن الله أنعم عليك بالإسلام، فيجب عليك الآن أن تختن وتقص الحشفة، لأن المسلم يجب أن يكون مختونا"، فقرر صاحبنا أن يقتطع حشفته، وتحمل ألم الختان.." بالله عليكم أَ وَصَلَ الابتذال بهذا الكاتب إلى هذه الدرجة؟ أهذه هي الجزية في الإسلام؟ أهكذا تعامل المسلمون مع غير المسلمين؟ أ هذه هي حججه العقلانية والمنطقية التي يريد بها إقناع الناس لينفروا من الإسلام ويعتنقوا مسيحيته التي يدعيها؟ وهل يظن نفسه سيفلح في ذلك باعتماده على حكايات "كان يا مكان"؟ ثم متى احتل الإسلام أراضي إسلامية أو أراضي لشعوب تؤمن بالله ورسوله؟ لأن الكاتب يقول: "فوجدوا رجلا غير مسلم" بما معناه أن باقي السكان مسلمون، ففرضوا عليه ألف دينار ذهبا كجزية. ويقول "عندما احتل المسلمون بلدانا عديدة، وجدوا رجلا غير مسلم" يا سبحان الله كيف يفتح المسلمون بلدانا عديدة كثيرة ولا يجدون فيها سوى رجلا واحدا غير مسلم؟ ! هل يعي ما يقول؟؟ حتى حكايات ألف ليلة وليلة لا توجد بها قصة غريبة كهذه، وكيف لمثقف عقلاني مثله لا يفرق بين الاحتلال والفتح الإسلامي؟ يا للسخافة !! إنه يريد أن يقول أي شيء، حتى ولو كانت نكتا (حامضة) يمجها الذوق ولا يقبلها عقل. لابد من إزالة اللبس الذي يحصل لدى البعض في تعاطيهم مع مسألة الجزية، ونبين لهم كيف تعامل المسلمون مع غيرهم من الأغيار أو أهل الذمة، وأما ما قاله صاحبنا وما سرده من قصص خيالية سنعتبر ذلك فقط كأن التعبير قد خانه، أو أراد أن ينقل شيئا فنقل آخر دون وعي منه أو إدراك. إن الإنسان كلما كان علمه بالإسلام أكبر ومعرفته به أوسع إلا وأنصفه، وكلما كانت معرفته به ضئيلة وسطحية إلا وظلم وجار، ولذلك سوف لن أنسى أن أذكر ماذا قال عن الجزية الإسلامية كبار علماء ومفكري وفلاسفة الغرب أنفسهم المنصفين والعدول الذين لا يعملون على لي أعناق الحقائق، أو يكذبون على الإسلام والمسلمين كما فعل صاحبنا غفر الله له. إن الجزية لم يخلو منها أي دين بما فيه الدين الذي يعتقده صاحبنا وينتمي إليه وهو المسيحية. فكيف يسخر من الجزية وهي جزء من معتقده المسيحي؟ إلا أنها في المسيحية تختلف اختلافا كبيرا عنها في الإسلام كما سنرى. ولنبدأ بذكر الجزية في المسيحية: جاء في إنجيل متى الإصحاح 17 الآيات: 24-25 حديث بين المسيح لسِمعان إذ يخاطبه قائلا: (ماذا تظن يا سِمعان؟ ممن يأخذ ملوك الأرض الجباية أو الجزية، أمن بنيهم أم من الأجانب؟ قال له بطرس: من الأجانب قال له يسوع: فإذاً البنون أحرار" بل سنرى أن ملوك إسرائيل وأنبياءهم في الكتاب المقدس يجمعون بين الجزية واستعباد الناس واضطهادهم، وهو الشيء الذي لم يفعله الإسلام، كما صنع النبي يشوع مع الكنعانيين حين تغلب عليهم "فلم يطردوا الكنعانيين الساكنين في جازر. فسكن الكنعانيون في وسط أفرايم إلى هذا اليوم وكانوا عبيداً تحت الجزية" (يشوع 16/10)، فجمع لهم بين العبودية والجزية. والمسيحية لم تنقض شيئا من شرائع اليهودية، فقد جاء المسيح متمماً للناموس لا ناقضاً كما في (متى 5/17)، بل وأمر المسيح أتباعه بدفع الجزية للرومان، وسارع هو إلى دفعها ، فقد قال لسمعان: " اذهب إلى البحر وألق صنارة، والسمكة التي تطلع أولا خذها، ومتى فتحت فاها تجد أستارا، فخذه وأعطهم عني وعنك" (متى 17/24-27) ولما سأله اليهود (حسب العهد الجديد) عن رأيه في أداء الجزية أقر بحق القياصرة في أخذها "فأرسلوا إليه تلاميذهم مع الهيروديسيين قائلين: يا معلّم نعلم أنك صادق، وتعلّم طريق الله بالحق، ولا تبالي بأحد لأنك لا تنظر إلى وجوه الناس. فقل لنا: ماذا تظن، أيجوز أن تعطى جزية لقيصر أم لا؟ .. فقال لهم: لمن هذه الصورة والكتابة. قالوا له: لقيصر. فقال لهم: اُعطوا إذاً ما لقيصر لقيصر، وما للّه للّه" (متى 22/16-21). ولم يجد المسيح غضاضة في مجالسة ومحبة العشارين الذين يقبضون الجزية ويسلمونها للرومان (انظر متى 11/19)، واصطفى منهم متى العشار ليكون أحد رسله الاثني عشر (انظر متى 9/9). ويعتبر العهد الجديد أداء الجزية للسلاطين حقاً مشروعاً، بل ويعطيه قداسة ويجعله أمراً دينياً، إذ يقول: "لتخضع كل نفس للسلاطين، السلاطين الكائنة هي مرتبة من الله. حتى إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة... إذ هو خادم الله، منتقم للغضب من الذي يفعل الشر. لذلك يلزم أن يخضع له ليس بسبب الغضب فقط، بل أيضا بسبب الضمير. فإنكم لأجل هذا توفون الجزية أيضاً، إذ هم خدام الله مواظبون على ذلك بعينه، فأعطوا الجميع حقوقهم، الجزية لمن له الجزية، الجباية لمن له الجباية، والخوف لمن له الخوف، والإكرام لمن له الإكرام" (رومية 13/1-7). إلا ملوك المغرب فهم ليسوا خدام الله في نظر الكاتب بل هم مستبدون وقد ورثوا ذلك عن أجدادهم المرابطين والموحدين. فإذا كانت هذه هي الجزية في المسيحية التي يدعي صاحب المقال عقلانيتها وتسامحها مع الناس ويتهم الإسلام بالظلم واستعباد الناس فسنرى إن كان الإسلام سائرا على خطى الاستبداد الكنسي الذي لم يقتصر على الجزية فحسب بل تمادى إلى كل أشكال الابتزاز والسرقة وأكل مال الناس بالباطل نهارا جهارا، وما صكوك الغفران والمقابل الذي يؤدى عنها إلا واحدة من أخف وسائل المتاجرة بالدين وسرقة المغفلين من المسيحيين(1) . وأما عن الجزية في الإسلام فهي، قبل كل شيء، عقد مبرم واتفاقية بين الأمة الإسلامية والشعوب التي تدخل تحت حمايتها ورعايتها، فهي عقد بين طرفين يحميه القرآن الكريم (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا) ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) ويوثقه وعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أخل به، وما مصطلح "أهل الذمة" إلا عربونا على أن العهد في ذمة كل مسلم، والويل كل الويل لمن أخل به، إذ يقول الله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) بل والوعيد الشديد ينتظر كل من لم يحترم هذا الميثاق إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ظلم معاهداً أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة" هل يمكن أن يتحمل أي مسلم على هذه البسيطة أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم خصيما له يوم القيامة؟ بمعنى أن احترام الذميين فعل تعبدي يجزى عنه الإنسان المسلم، ففي أي ملة يعتبر احترام الآخر من غير دينك فعلا تعبديا مطلوبا شرعا وقانونا ويتقرب به إلى الخالق سبحانه؟ فهل يفرض الإسلام الجزية على كل ذمي كيفما كان؟ طفلا أو امرأة، كبيرا أو صغيرا شابا أم عجوزا؟ وما هو المقدار المعلوم الذي يجب على الذمي دفعه هل هو ألف قطعة ذهبية كما ذهب إلى ذلك فقيهنا المسيحي؟ لقد أمر الله بأخذ الجزية من المقاتلين دون غيرهم كما نصت الآية على ذلك ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية) قال القرطبي: "قال علماؤنا: الذي دل عليه القرآن أن الجزية تؤخذ من المقاتلين. وهذا إجماع من العلماء على أن الجزية إنما توضع على جماجم الرجال الأحرار البالغين، وهم الذين يقاتلون دون النساء والذرية والعبيد والمجانين المغلوبين على عقولهم والشيخ الفاني".(2) وقد استثنى الإسلام من الجزية النساء والصبيان والمرضى وذوي العاهة كالعميان والرهبان والفقراء. ولم يكن المبلغ المدفوع للجزية كبيراً تعجز عن دفعه الرجال، بل كان ميسوراً حيث لم يتجاوز على عهد النبي صلى الله عليه وسلم الدينار الواحد في كل سنة. وبمفهوم من المفاهيم يصير هذا المبلغ مضحكا، وذلك لو قارناه بما تفرضه الدول على أبنائها من نسب في الضرائب تتجاوز في بعض الدول ال 75 في المائة أحيانا، وإذا كان هؤلاء أبناءها فماذا كانت ستعمل مع غيرهم ممن ليسوا من بني جلدتها ولا دينها؟. وعلى خلاف تماما لما يقول به صاحب المقال "ومن يفكر بهذه الطريقة من المسلمين فقد تجاوزه العصر" وأنا سأقول له: هل سيتجاوز العصر ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من معاهدات تخص الجزية؟ أم أن العصر نفسه لازال متخلفا عما فعله المسلمون في مسألة الجزية، على سبيل المثال لا الحصر، إذ يسجل التاريخ معاهدات رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهل الجزية بما فيها معاهدته عليه السلام مع ربيعة الحضرمي، إذ جاء فيها كما يقول ابن سعد في طبقاته: " وكتب رسول الله لربيعة بن ذي مرحب الحضرمي وإخوته وأعمامه، أن لهم أموالهم ونخلهم ورقيقهم وآبارهم وشجرهم ومياههم وسواقيهم ونبتهم وشِراجهم (السواقي) بحضرموت، وكل مال لآل ذي مرحب، وإن كل رهن بأرضهم يُحسب ثمره وسدره وقبضه من رهنه الذي هو فيه، وأن كل ما كان في ثمارهم من خير فإنه لا يسأل أحد عنه، وأن الله ورسوله براء منه، وأن نَصْرَ آل ذي مرحب على جماعة المسلمين، وأن أرضهم بريئة من الجور، وأن أموالهم وأنفسهم وزافر حائط الملك الذي كان يسيل إلى آل قيس، وأن الله جار على ذلك." وقوله: " وأن نصر آل ذي مرحب على جماعة المسلمين " فيه لفتة هامة، وهي أن المسلمين يقدمون حياتهم وأرواحهم ودماءهم فدىً لمن دخل في حماهم، وأصبح في ذمتهم، إنها ذمة الله تعالى وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.(3) وما أجمل وأروع ما قاله الإمام القرافي: "فعقد يؤدي إلى إتلاف النفوس والأموال صوناً لمقتضاه عن الضياع إنه لعظيم". (4) كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاب ذمة وعهد إلى أهل نجران النصارى، ينقله إلينا ابن سعد في طبقاته، فيقول: " وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسقف بني الحارث بن كعب وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم أن لهم ما تحت أيديهم من قليل وكثير، من بيعهم وصلواتهم ورهبانهم وجوار الله ورسوله، لا يغير أسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا كاهن عن كهانته، ولا يغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم ولا شيء مما كانوا عليه، ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم ولا ظالمين". ولكن أكثر المسيحيين، منهم المغاربة على الخصوص الذين يدعون أنهم تمسحوا، يجهلون وربما يتجاهلون أحكاما من الروعة بمكان كأن تقطع يد السارق الذي يسرق مال الذمي حتى ولو كان مسلما. إن الضمانات التي قدمها الإسلام لأهل الذمة لم ولن تعرف لها البشرية مثيلا، ففي مقابل درهم في السنة يدفعه الرجل القادر على حمل السلاح فينعم مع دويه في العيش الآمن والحماية المطلقة من طرف المسلمين فضلا عن أمنهم على دينهم وكنائسهم. وما العهدة العمرية لأهل إيليا إلا نموذج واحد من مائات النماذج الرائعة التي يأمن فيها الأغيار ويطمئنوا على دينهم ومعابدهم لا يكرهون على شيء وينعمون بالسلم والسلام والعيش وسط المسلمين. والأعجب من ذلك، كما يسجل التاريخ أن المسلمين عندما كانوا يعجزون عن أداء حقوق أهل الذمة وحمايتهم من عدوهم كانوا يردون إليهم ما أخذوه من الجزية لسقوط شرطها، الذي هو الحماية، لقد ذكر القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج أن الأخبار تتابعت على أبي عبيدة بجموع الروم، فاشتد ذلك عليه وعلى المسلمين، فكتب أبو عبيدة لكل والٍ ممن خلَّفه في المدن التي صالح أهلها يأمرهم أن يردوا عليهم ما جُبي منهم من الجزية والخراج، كتب إليهم أن يقولوا لهم: إنما رددنا عليكم أموالكم، لأنه قد بلغنا ما جمع لنا من الجموع، وإنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم، وإنا لا نقدر على ذلك، وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم، ونحن لكم على الشرط وما كان بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم". وحين قام أهل الذمة بالمشاركة في الذود عن بلادهم أسقط عنهم المسلمون الجزية، كما صنع معاوية رضي الله عنه مع الأرمن، كما يذكر ذلك لوران المؤرخ الفرنسي في كتابه "أرمينية بين بيزنطة والإسلام". ولا يتوقف حق أهل الذمة على دفع العدو عنهم، بل يتعداه إلى دفع كل أذى يزعجهم، ولو كان بالقول واللسان، يقول الإمام القرافي في كتابه الفروق: "إن عقد الذمة يوجب لهم حقوقاً علينا لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا (حمايتنا) وذمتنا وذمة الله تعالى، وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودين الإسلام، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة، فقد ضيع ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذمة دين الإسلام". (5) وماذا بقي لصاحب المقال أن يقول إذا علم أن الذمي إذا ما وهن عضمه واستبد به العمر ألا يُتْرَكَ لشأنه بل يتكفل به المسلمون ودولتهم كما فعل عمر بن الخطاب مع الذمي العجوز فأمر له بعطية من بيت مال المسلمين، وكما فعل عمر بن عبد العزيز حين كتب إلى عامله على البصرة عدي بن أرطأة يقول له: "وانظر من قبلك من أهل الذمة، قد كبرت سنه وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه". واسمع رعاك الله ما يقوله مفكروا الغرب وفلاسفته: يقول ويل ديورانت في كتابه الشهير "قصة الحضارة" في المجلد 12 الصفحة 131: "لقد كان أهل الذمة، المسيحيون والزرادشتيون واليهود والصابئون يتمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح، لا نجد لها نظيرا في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فلقد كانوا أحراراً في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم، ولم يفرض عليهم أكثر من ارتداء زيّ ذي لون خاص، وأداء ضريبة عن كل شخص باختلاف دخله، وتتراوح بين دينارين وأربعة دنانير، ولم تكن هذه الضريبة تفرض إلا على غير المسلمين القادرين على حمل السلاح، ويعفى منها الرهبان والنساء والذكور الذين هم دون البلوغ، والأرقاء والشيوخ، والعجزة، والعمى الشديد والفقر، وكان الذميون يعفون في نظير ذلك من الخدمة العسكرية..ولا تفرض عليهم الزكاة البالغ قدرها اثنان ونصف في المائة من الدخل السنوي، وكان لهم على الحكومة أن تحميهم..." ويقول المؤرخ آدم ميتز في كتابه "الحضارة الإسلامية" المجلد 1 الصفحة 66: "كان أهل الذمة يدفعون الجزية، كل منهم بحسب قدرته، وكانت هذه الجزية أشبه بضريبة الدفاع الوطني، فكان لا يدفعها إلا الرجل القادر على حمل السلاح، فلا يدفعها ذوو العاهات، ولا المترهبون، وأهل الصوامع إلا إذا كان لهم يسار". ويقول المؤرخ سير توماس أرنولد في كتابه "الدعوة إلى الإسلام" موضحاً الغرض من فرض الجزية ومبيناً على مَن فُرضت: "ولم يكن الغرض من فرض هذه الضريبة على المسيحيين - كما يردد بعض الباحثين - لوناً من ألوان العقاب لامتناعهم عن قبول الإسلام، وإنما كانوا يؤدونها مع سائر أهل الذمة. وهم غير المسلمين من رعايا الدولة الذين كانت تحول ديانتهم بينهم وبين الخدمة في الجيش في مقابل الحماية التي كفلتها لهم سيوف المسلمين". وكل ما نرجوهّ، بعد هذا البيان، ألا يعود صاحب المقال إلى اتهاماته المجانية للإسلام بدون دليل، ويكف عن ترديد مقولته: "الشريعة الإسلامية ذات تأثير مدمر على أي بلد يطبقها". انظر ما كتبه الفيلسوف الإيطالي المسيحي "إنريكو ريبوني" في كتابه "الصفحة السوداء للمسيحية" عن وسائل السرقة والابتزاز التي أبدعت فيها الكنيسة الكاثوليكية في كل أنحاء العالم وعبر التاريخ. الهوامش: 1- الجامع لأحكام القرآن، الجزء الثاني، ص: 72. 2- طبقات ابن سعد، الجزء 1، ص: 266. 3- كتاب الفروق، الجزء 3، ص: 14-15. 4- المرجع السابق: الجزء 3، ص:14.