مع إعلان السلطات الجزائرية رأس السنة الأمازيغية (يناير) عيدا وطنيا لأول مرة هذا العام وقبلها اعتبار الأمازيغية لغة رسمية وطنية، عاد الجدل في الأوساط الثقافية والأكاديمية وحتى السياسية في البلاد، بشأن كيفية كتابتها. هناك من دعوا لكتابتها بحروفها الأصلية “التينيفناغ”، وآخرون فضلوا الحروف اللاتينة، وفريق ثالث نادى بكتابتها بالعربية. ودخلت الجزائر في جدل لغوي ونقاش حاد منذ إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 27 دجنبر الماضي اعتبار ال12 يناير (أول أيام السنة الأمازيغية) عيدا وطنيا وإجازة رسمية، والتحضير لإنشاء الأكاديمية الجزائرية للغة الأمازيغية وتعميم تدريسها عبر المؤسسات التعليمية. وجاء إعلان رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا هذا العام، بعد عامين من اعتبار الأمازيغية لغة ثانية رسمية إلى جانب العربية في تعديل دستوري جرى مطلع عام 2016. خارطة انتشار متحدثي الأمازيغية والأمازيغية هي اللغة الرئيسية في التعاملات اليومية لسكان منطقة القبائل الكبرى في الجزائر، التي تضم محافظات عدة شرقي العاصمة. وينقسم الناطقون بها، وفق باحثين، إلى مجموعات منفصلة جغرافياً، وهي: منطقة القبائل (شرق العاصمة)، والشاوية في منطقة الأوراس (جنوب شرق)، والمزاب (المجموعة الأمازيغية الوحيدة ذات المذهب الإباضي) في منطقة غرداية (500 كم جنوب العاصمة). وهناك أيضا الطوارق (أقصى الجنوب الشرقي)، والشناوة في منطقة شرشال (90 كم غرب العاصمة)، فضلا عن مجموعة بربرية أخرى قرب مدينة ندرومة على الحدود مع المغرب، وتتميز لغتها أو لهجتها بقربها الكبير من الشلحية؛ وهم أمازيغية الشلوح (بربر) في المغرب. ولا توجد أرقام رسمية بشأن عدد الناطقين بالأمازيغية كلغة، لكنهم مجموعة من الشعوب المحلية، تسكن المنطقة الممتدة من واحة سيوة (غرب مصر) شرقاً، إلى المحيط الأطلسي غرباً، ومن البحر المتوسط شمالاً إلى الصحراء الكبرى جنوباً. تضارب الكتابة ووسط الضجة الحاصلة بشأن الأحرف المناسبة لكتابتها، أصدرت السلطات الجزائرية الأربعاء 10 يناير الماضي أول بيان رسمي باللغة الأمازيغية في تاريخ البلاد، وذلك بمناسبة الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية الجديدة 2968، في خطوة لاقت ترحيبا واسعا من قبل الأمازيغ. وظهر في نص البيان الذي أصدرته وزارة الداخلية حول انطلاق عمليات التسجيل لموسم الحج 2018 مزيجا بين الكلمات الأمازيغية القديمة والحروف اللاتينية. وبعد أسبوع من بيان وزارة الداخلية نشرت مؤسسة الدفاع المدني (تابعة لوزارة الداخلية) بيانا لها بالأمازيغية اعتمدت فيه على حروف “التيفيناغ”. وجهات نظر مختلفة وبهدف تطويرها وترقيتها قانونا وتطبيقا على أرض الواقع تباينت الآراء والأفكار حيال الحروف المناسبة لكتابة الأمازيغية في الأوساط الثقافية والأكاديمية، بين من ينادي بكتابتها بحروف تيفيناغ (حروفها الأصلية)، ومن يؤيد تدوينها بالحرف اللاتيني، وآخرون يدعون إلى اعتماد الحرف العربي لكتابتها. واعتبر مدير المركز الجزائري البيداغوجي واللغوي لتعليم الأمازيغية (حكومي) دوراري عبد الرزاق أنّه “لا توجد حروف بعينها لكتابة اللغة الأمازيغية وكل الحروف مناسبة شريطة أن تكون رمزيتها مقبولة بالنسبة للناطقين بها”. وأوضح دوراري أنّ الجزائر تضم خمس أو ست تنوعات لغوية أمازيغية مختلفة نسبة إلى مناطق مختلفة أيضا، مشيرا إلى أن "مجتمع الشاوية وبنو ميزاب (شرق وجنوب البلاد) علاقتهم جيدة مع اللغة العربية ولديهم احترام كبير للحرف العربي لذلك يفضلونه لكتابتها”. وأردف “وفي منطقة القبائل (شرق العاصمة الجزائر) علاقتهم بالحرف اللاتيني متجذرة، فالناطقون بالفرنسية قاموا بتهيئة اللغة الأمازيغية ودافعوا عنها منذ أكثر من قرن وبالتالي يدعون إلى كتابتها بالحرف اللاتيني”، متابعا بالقول “أمّا الطوارق (أقصى الجنوب الشرقي) فعلاقتهم قوية بالتيفيناغ الأصيل بهذه المنطقة منذ قرنين قبل الميلاد”. وأكدّ دوراري على عدم تفضيل حرف على أخر باعتبار أنّ العلاقة تقوم بين المجتمع واللغة من ناحية الفكر والانتماء والموقف. “التيفيناغ” وإحياء الهوية من جهته، قال الروائي الجزائري عبد الرزاق بوكبة إنّ “اعتماد الأبجدية الأمازيغية حرف التيفيناغ في كتابة اللغة الأمازيغية يعدّ فرصة لإحيائها ونشرها”. وأضاف بوكبة أنّ “توظيف حرف التيفيناغ في اللغة الأمازيغية يعني استرجاع الهوية بكل ملامحها ومكوناتها وعناصرها”. وأشار إلى أنّ اللغة قاموس وأبجدية في الوقت نفسه، وإحياء القاموس بمعزل عن أبجديته الأصلية يعدّ نوعا من تغريب اللغة المعنية، مؤكدا أن الدعوة لكتابة الأمازيغية بالحرف العربي أو اللاتيني لأي سبب من الأسباب بغض النظر عن وجاهته من عدمها هو تغريب أخر للأمازيغية بعد الذي عانته من إقصاء وتهميش متعمّد في الماضي. “اللاتينية هي الحل” بوجمعة عزيري مدير التعليم والبحث في المحافظة السامية للأمازيغية (هيئة تابعة للرئاسة) يرى أنّ “الحرف اللاتيني هو الأنسب في الفترة الراهنة لكتابة اللغة الأمازيغية لكونه يخدمها”. وأوضح عزيري أن “الحرف اللاتيني متداول اليوم في تعليم الأمازيغية بالمدارس وخريجو الجامعات في هذا المجال يكتبون بالحرف اللاتيني وهناك روايات بالأمازيغية تعتمد هذا الحرف..وغيرها”. وأردف المتحدث أنّ “المهتمين اليوم في الجزائر بالأمازيغية يكتبون بالحرف اللاتيني وبنسبة 90 بالمائة”. وأكدّ أنّ اللغة الأمازيغية “بحاجة إلى مرحلة انتقالية لإيجاد حل نهائي، لكون الحرف اللاتيني ساري المفعول ولا يمكن إيقاف من يكتب الأمازيغية بالحرف اللاتيني”. وحول من يرى أنّ الحرف اللاتيني يغرّب الأمازيغية ردّ عزيري “هو مخطئ، لأنّ لغات كثيرة تستعمل الحرف اللاتيني مثل الألمانية والفرنسية والإنجليزية ولغات أخرى”. وتابع “هذا الطرح يرتبط بدخول السياسة والإيديولوجيا، والحروف من مصدر واحد وأصولها فينيقية ثم تطورت إلى الحرف العربي واللاتيني وحروف أخرى”. وأبدى المتحدث تحفظه بشأن خيار الحرف العربي قائلا “الحرف العربي يعني رمز انتماء للوطن العربي وللهوية الإسلامية ولكن المدافعين عن العربية لم يهتموا بالأمازيغية ويرونها مجرد لهجة”. وبخصوص مؤيدي حرف “التيفيناغ” أوضح عزيري أنّ الكتابة بهذا الحرف تحتاج إلى تهيئة خاصة وأنّه يختلف عند الأمازيغ من منطقة إلى أخرى بالبلاد”. ودعا عزيري في ختام حديثه إلى التريث وانتظار إنشاء أكاديمية تعليم الأمازيغية التي سيكون لها رأي مهم في هذا الصدد. التقويم الأمازيغي ويعود بداية التأريخ الأمازيغي في الجزائر إلى 950 عاما قبل ميلاد المسيح، ويبدأ رأس السنة الأمازيغية في 13 يناير من كل عام، بينما يتم الاحتفال ليلة رأس السنة في 12 يناير. وتتضارب روايتان حول أصول الاحتفال بهذه المناسبة، تقول الأولى إن ينّاير يرمز للاحتفال بالأرض والفلاحة عموما تفاؤلا بعام خير وغلّة وفيرة على الفلاحين وعلى الناس عموما. وتقول الرواية الثانية إنه اليوم الذي انتصر فيه الملك الأمازيغي “شاشناق” على الفرعون المصري “رمسيس الثاني” في مصر. *الأناضول