يستمر المغرب بثبات واضح في إرساء مكانته المعتبرة داخل دواليب الاتحاد الإفريقي، منذ عودته قبل عام إلى هياكله، حيث استعرض الملك محمد السادس، في خطابه الذي تلاه سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، اليوم الاثنين، في قمة زعماء دول وحكومات القارة السمراء، بأديس أبابا، رؤية المملكة الإفريقية حول الهجرة. وقال العاهل المغربي، في الرسالة التي وجهها إلى الدورة العادية ال30 لقمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، إن المملكة قدمت في يوليوز 2017 اللبنات الأولى ل"رؤية إفريقية مشتركة حول الهجرة"، من خلال المذكرة الأولية التي جرى عرضها على ألفا كوندي، الرئيس السابق للاتحاد، كاشفا أمام المحفل الإفريقي "الأجندة الإفريقية حول الهجرة"، التي "تم إعدادها وفق مقاربة شمولية وتشاركية". وتستعرض "الأجندة الإفريقية حول الهجرة"، التي عرض الملك فكرتها أمام زعماء ورؤساء حكومات الدول الإفريقية، عدة مقترحات عملية، همت "إحداث مرصد إفريقي للهجرة" الذي يرتكز عمله على ثلاثة محاور، هي "الفهم والاستباق والمبادرة"، حيث يعهد إليه "بتطوير عملية الرصد، وتبادل المعلومات بين البلدان الإفريقية، من أجل تشجيع التدبير المحكم لحركة المهاجرين"، حيث يرى المغرب استعداده لاحتضان هذا المرصد، بجانب "إحداث منصب المبعوث الخاص للاتحاد الإفريقي المكلف بالهجرة: من أجل تنسيق سياسات الاتحاد في هذا المجال". الوثيقة، التي حفلت بعديد من المبادرات العملية والواقعية حول موضوع الهجرة، قال عنها الملك إنها تستدعي "معالجة مسألة الهجرة بروح التضامن التام، وستكون حكمتنا والتزامنا الجماعي هما وسيلتنا الأساسية لتنفيذ الأجندة الإفريقية حول الهجرة"، مضيفا أن "الاتحاد هو مفتاح النجاح، والتعاون الإفريقي هو سبيله الحقيقي"، فيما شددت الرسالة الملكية على أن هذه الأجندة "ثمرة للتشاور الدائم مع العديد من رؤساء الدول خلال المحادثات والاتصالات المختلفة التي تمت بيننا". وتوقفت الرؤية الملكية عند المغالطات المرتبطة بالهجرة، من أهمها، أنه "لا وجود لتدفق للهجرة ما دام المهاجرون لا يمثلون سوى 3.4% من سكان العال"، وأن الهجرة الإفريقية "هي قبل كل شيء هجرة بين بلدان إفريقيا: على الصعيد الإفريقي، فإن أربعة من بين كل خمسة مهاجرين أفارقة يبقون داخل القارة"، مشددة على أن الهجرة "لا تسبب الفقر لبلدان الاستقبال؛ لأن 85 في المائة من عائدات المهاجرين صرف داخل هذه الدول"، على أنها تبقى "ظاهرة طبيعية تمثل حلا لا مشكلة. ومن ثم، ينبغي علينا اعتماد منظور إيجابي بشأن مسألة الهجرة، مع تغليب المنطق الإنساني للمسؤولية المشتركة والتضامن". بجانب ذلك، ترى المبادرة الملكية، فيما يخص تدبير الهجرة، أهمية "اعتماد نهج قائم على سياسات وطنية، وتنسيق على مستوى الأقاليم الفرعية، ومنظور قاري، وشراكة دولية"، على أن الأجندة المطروحة تستلزم أيضا "تغيير النموذج السائد، وتحديد مفهوم جديد للهجرة، يقوم على مقاربة استشرافية وإيجابية، وإرادة سياسية حقيقية للدول، التي من مصلحتها أن تتم عملية الهجرة في ظروف سليمة وقانونية ونظامية، تحترم حقوق الإنسان". وفيما تسعى "الأجندة الإفريقية حول الهجرة" إلى "جعل الهجرة رافعة للتنمية المشتركة، وركيزة للتعاون جنوب - جنوب، وأداة للتضامن"، شددت الوثيقة على دورها في "إغناء عملية إعداد الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة"، مشيرة إلى أن المغرب، الذي سيستضيف أشغال "المؤتمر الدولي لاعتماد الميثاق العالمي للهجرة" و"المنتدى العالمي حول الهجرة والتنمية"، في شهر دجنبر المقبل، "يؤكد التزامه بجعل هذه اللقاءات متعددة الأطراف، منبرا لخدمة قضايا القارة الإفريقية". ونبه الخطاب الملكي إلى خطورة استمرار وضع الهجرة على ما هو عليه، حيث قال إنه "منذ سنة 2015، فقد الحياة أكثر من 6200 مهاجر إفريقي في مياه البحر الأبيض المتوسط"، مضيفا: "لذلك، فمن واجبنا أن نتحرك حتى لا تذهب سدى مآسي النساء والأطفال والرجال، الذين لقوا حتفهم في جزيرة لامبيدوزا، وحتى لا تتكرر الممارسات المشينة التي شهدتها ليبيا"، متسائلا: "فكم يلزمنا من مآسي الهجرة، حتى تتغير نظرة مجتمعاتنا تجاه هذه المسألة؟".